لو كانت الأمور قد سارت كما هو مخطط لها، لوجدنا وزير مالية هولندا "يورين ديسلبلويم" يتحدث الآن ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة في بلاده عن الاقتصاد الهولندي الذي أصبح نجما في سماء منطقة اليورو بفضل الأداء القوي له. لكن ديسلبلويم الذي يرأس أيضا مجموعة اليورو وهي اللجنة المشكلة من وزراء مالية منطقة العملة الأوروبية الموحدة، يجد نفسه الآن مضطرا للرد على أسئلة تتعلق بشروط وقواعد اتفاق الإنقاذ المالي الجديد لليونان. هذا السيناريو هو ما يسعى قادة فرنساوألمانياوهولندا إلى تجنبه مع دخول هذه الدول أجواء الانتخابات العامة والرئاسية خلال العام الحالي. يذكر أنه كان المفترض إنجاز ما يعرف باسم المراجعة الثانية لبرنامج الإنقاذ المالي لليونان خلال 2016، وهو ما كان يتيح لقادة دول منطقة اليورو فرصة التركيز على حملاتهم الانتخابية وتجنب أي عناوين سلبية ذات صلة بالأزمة المالية لليونان. كان رئيس وزراء هولندا "مارك روته" قد تعهد عام 2012 بعدم إعطاء اليونان "سنت واحد إضافي"، لكن الموقف تغير بزاوية 180 درجة عندما وافق قادة منطقة اليورو عام 2015 على منح اليونان حزمة قروض إنقاذ جديدة بقيمة 89 مليار يورو. وقد أصبح وزير مالية هولندا "يورين ديسلبلويم" هو الواجهة العامة لهذا الاتفاق الأخير غير المقبول بالنسبة للناخبين المحافظين في هولندا وهو ما ساعد الزعيم اليميني المتطرف جيرت فيلدرز،الذي وصف اليونان بأنها "الشخص المدمن في أوروبا"، في تصدر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات المقررة يوم 15 مارس المقبل. وفي ألمانيا تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال حصول حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي على 11% من الأصوات في الانتخابات المقررة في 24 سبتمبر المقبل، وهو ما يعني أنه سيدخل البرلمان لأول مرة في تاريخه. وفي فرنسا من المتوقع فوز مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبان في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة في أبريل المقبل، حيث تقيم حملتها الانتخابية على أساس الدعوة إلى خروج فرنسا من منطقة اليورو التي تضم 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي. كانت المفاوضات بين اليونان والدائنين الدوليين بشأن شروط صرف دفعة جديدة من قروض الإنقاذ المتفق عليها قد انهارت في ديسمبر الماضي بسبب فشل صندوق النقد الدولي ودول منطقة اليورو في الاتفاق على المسار المناسب للإصلاحات في اليونان. وفي يناير الماضي تعهد رئيس الوزراء اليوناني "أليكسيس تسيبراس" بعدم تطبيق أي إجراءات تقشف جديدة، وهو الموقف الذي أيده صندوق النقد الذي حث دول منطقة اليورو على خفض الديون المستحقة على أثينا. ويقول صندوق النقد إن إجراءات التقشف المفرطة في اليونان و تراجع الاستثمارات أدى إلى تدهور البنية التحتية في البلاد مما أضر بالنمو الاقتصادي وتراجع مستوى الخدمات العامة مثل النقل والرعاية الصحية. لكن قادة الدول الأوروبية الكبرى يخشون من التأثير السلبي لأي شطب لديون اليونان على موقفهم الانتخابي، حيث سينظر إليهم الناخبون بأنهم كانوا مرنين أكثر مما يجب مع أثينا. لذلك فإن وزيري مالية ألمانياوهولندا يستبعدان أي تخفيف لديون اليونان ويصران على ضرورة تحقيق المعدلات المستهدفة للفائض الأولي للميزانية في أثينا، في حين يرى صندوق النقد الدولي أن هذا الموقف "سيمنع التعافي الوليد" للاقتصاد اليوناني. وتفتقد حكومة رئيس الوزراء اليوناني "أليكسيس تسيبراس" للشعبية السياسية اللازمة لتطبيق المزيد من إجراءات التقشف. يقول جورج باجولاتوس أستاذ السياسات الأوروبية والاقتصاد في جامعة أثينا للاقتصاد إن "أغلب الإصلاحات ضرورية، ويمكن أن تحقق فائدة للاقتصاد اليوناني على المدى الطويل .. لكن بعد درجة ما من التقشف المالي وبخاصة الأعباء الضريبية، يصبح هذا التقشف غير محتمل، خاصة إذا لم تظهر علامات التعافي في الأفق". كما يشير باجولاتوس إلى حقيقة أن مخصصات التقاعد في اليونان تم خفضها أكثر من 10 مرات منذ بداية الأزمة المالية عام .2010 ويضيف باجولاتوس أن "بعض مخصصات التقاعد انخفضت إلى النصف أو أكثر .. تسيبراس ملتزم بالاستمرار في منطقة اليورو، لكنه يحتاج إلى بعض الجزرات الصغيرة لضمان أغلبية برلمانية". وبدت اللغة التي استخدمها مسئولو منطقة اليورو في اجتماعهم قبل ايام قليلة في بروكسل بشأن اليونان تصالحية. وقال بيير موسكوفيتشي مفوض الشئون النقدية والاقتصادية الأوروبية "الشعب اليوناني يحتاج إلى ضوء في نهاية نفق التقشف". وقال وزير المالية الهولندي "يورين ديسلبلويم" أن هناك "تحول من التركيز على التقشف إلى التركيز على الإصلاحات الهيكلية" في حزمة الإصلاحات المقرر الاتفاق عليها بين اليونان والدائنين الدوليين خلال الأسابيع المقبلة. في الوقت نفسه أصر ديسلبلويم على "حزمة إصلاحات هيكلية كبيرة لسوق العمل وأنظمة التقاعد"، لكنه أوضح أن الهدف يظل هو إشراك صندوق النقد في جهود إنقاذ اليونان. ومازال من غير الواضح رد فعل ناخبي ديسلبلويم على تراجع موقف الاتحاد الأوروبي بشأن تقشف اليونان. وقال ديسلبلويم "دائما هناك انتخابات في دولة ما في أوروبا، لذا علينا المضي قدما ببساطة". يذكر أن اليونان حصلت على 3 قروض إنقاذ منذ .2010 وتبلغ قيمة قرض الإنقاذ الأخير الذي سبق الاتفاق عليه في يوليو 2015 حوالي 86 مليار يورو. وتحتاج اليونان إلى صرف الشريحة الجديدة من حزمة القروض الأخيرة خلال الشهور المقبلة من جانب آلية الاستقرار الأوروبية لكي تسدد أثينا التزاماتها المالية خلال الصيف المقبل. في الوقت نفسه شهدت الفترة الأخيرة خلافا بين صندوق النقد الدولي من جانب، وبين المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وآلية الاستقرار الأوروبي من جانب آخر، حول الخطوات التي سوف تعقب برنامج الانقاذ الحالي لليونان. ويرى صندوق النقد أنه في حين تحتاج اليونان إلى مواصلة الإصلاحات، فإنه يجب منحها أيضا المزيد من تخفيضات الديون حتى تصل هذه الديون إلى المستويات القابلة للسداد.