لا ينبغى لأحد أن يجادل فى شرعية تطبيق الضريبة العقارية لأسباب عديدة، فهى من الناحية الاجتماعية تعد بين أكثر أنواع الضرائب عدلا لأنها تخاطب مباشرة الشرائح الأكثر قدرة فى المجتمع، وبعد التعديل الذى طرأ عليها بإعفاء السكن الخاص من تحمل الضريبة اختفى النقد الأساسى الذى كان يوجه لهذه الضريبة وأصبح تحملها، على العموم، فى قدرة الخاضعين لها وهم الذين يملكون أكثر من وحدة سكنية أو تجارية أو من قاطنى القصور والفيلات التى تزيد قيمتها على مليونى جنيه. ومن ثم فإن محاولات التملص من تحمل أعباء الضريبة بدعوى الظروف الاقتصادية أو بدعوى عدم الدستورية كما أشار بذلك أحد فقهاء القانون إنما هى مساع لاستغلال مشاعر الناس التى تتململ عادة من أى أعباء جديدة، وهى كذلك تعد استغلالا لحالة الفوضى والارتباك ونقص المعلومات التى صاحبت التطبيق الفعلى للضريبة هذه الأيام بعد نحو 10 سنوات من صدور القانون المنشئ لها. الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق صاحب فكرة الضريبة بشكلها الحالى كان واقعيا عند طرح القانون فى عام 2008، فهو يعرف أنه ليس بمقدور وزارته ولا أجهزة الدولة تحديد نطاق الخاضعين لهذه الضريبة بسبب غياب تظام كفء وفعال لحصر وتسجيل الملكيات العقارية، ولهذا ابتدع أسلوبا فريدا فى تحصيل الضريبة يعتمد على ما سيقدمه المواطن طواعية من بيانات تحت شعار «استعادة الثقة بين الممولين ومصلحة الضرائب». غير أن الكل وقتها كان يعلم أنه ليس بمقدور وزير المالية ولا غيره الوصول إلى الخاضعين وتقدير النسبة المقررة عليهم. وقد كان هذا الأمر مقبولا «على مضض» فى 2008، أما اليوم وبعد مرور 10 سنوات على صدور القانون فلم يعد مقبولا كل هذا الغياب الفاضح للمعلومات بشأن نطاقات تطبيق الضريبة والتعامل بكل هذه العشوائية مع الخاضعين الافتراضيين والفعليين؟! وزارة المالية بذلت جهودا مضنية من خلال موقعها الإلكترونى ومن خلال وسائل الإعلام لشرح الضريبة والرد على استفسارات الناس لكن كل هذه الجهود أبت أن تأتى بثمارها لسبب بسيط وواضح وهو أن وزارة المالية لا تمتلك بيانا بالخاضعين!!، ولهذا استمرت حالة العشوائية والارتباك التى عبرت عن نفسها بقوة أمام مكاتب تحصيل الضريبة حيث اصطفت طوابير المواطنين للاستفسار أو للدفع والذى يتبين بعد ذلك أن أكثرهم غير خاضعين للضريبة لكنهم روعوا من تحديد منتصف الشهر موعدا نهائيا لتحصيل الضريبة قبل أن تفرض عليهم غرامة مالية بنسبة 16% من القيمة الأصلية. 10 سنوات كاملة مرت وضاعت دون أن تعمل الحكومات المتعاقبة على استكمال البيانات والإحصاءات اللازمة لتحديد نطاق الضريبة والخاضعين لها، ومع الأخذ فى الاعتبار الظروف التى مرت بها البلاد عقب يناير 2001 ولسنوات بعدها وهى الظروف التى أدت أيضا إلى تعطيل العمل بالضريبة، إلا أنه كان يمكن دائما تحديث نظام التسجيل العينى للعقارات وهو نظام قاصر لا يفيد فى أشياء كثيرة تخص تنظيم العقارات، كما أنه أيضا يحول دون الوصول بسهولة إلى الخاضعين للضريبة العقارية وفصلهم عن غير الخاضعين ويسهم كذلك فى سد الثغرات أمام المتهربين أو المتلاعبين. فى شهر يونيو الماضى أقر مجلس الوزراء مشروع قانون جديد للتسجيل العينى يؤدى فى النهاية إلى حصر شامل ودقيق لكل أنواع العقارات فى أنحاء الجمهورية وإعداد ملف لكل عقار ولكل وحدة تشتمل على موقعه ومواصفاته وكل التعاملات والتصرفات التى تمت عليه.. هذا التشريع ينبغى أن يرى النور فى أسرع وقت ليس فقط من أجل تحسين كفاءة تطبيق الضريبة العقارية، ولكنه سيفيد بشدة فى وضع خرائط تفصيلية لأحوال العقارات فى مصر ويسهل بعد ذلك خطط التطوير والتنمية، ومع استغلال التكنولوجيا الحديثة وفضاء الإنترنت فإن تحديد الخاضعين للضريبة وتتبع أحوال مالكى العقارات والمتغيرات التى تطرأ عليهم فضلا عن تحصيل الضريبة نفسها سوف يتم «بكبسة زر» بدلا من هذا «الهيجان» الذى نعيشه دون مبرر.. ولا هدف.