اختلالات أسعار الصرف تجتاح دولا كثيرة حول العالم لأسباب متعددة ومختلفة يأتي في مقدمتها التدهور الحاد في أسعار النفط الذي أدى إلي تراجع قيم عملات كل الدول المصدرة له باستثناء دول الخليج التي لها ظروف خاصة باعتبارها ترتبط بصورة مباشرة مع الدولار وفق سياسة نقدية تقليدية تعتمد علي تثبيت سعر عملاتها مقابل الدولار منذ سنوات طويلة، معالجات انخفاض موارد الدول من النقد الأجنبي تختلف علي حسب طبيعة كل اقتصاد وتحمله للآثار الناجمة عن خفض قيمة العملة الوطنية خاصة فيما يتعلق بالأسعار. وفيما يلي نماذج للدول التي تعاني أكثر من غيرها من أزمة العملات، حيث أدت أزمة موارد النقد الأجنبي إلي ظروف متشابهة في هذه الدول وهي انخفاض قيمة العملة الوطنية، ومن ثم ظهور السوق السوداء في كل هذه الدول، وهذا التدهور تتراوح نسبته بين 50% زيادة مثل النايرا النيجيرية ووصلت الي 005٪ فى حالة عملة فنزويلا »البوليفار«. ففي الوقت الذي تعاني فيه نيجيريا مشاكل اقتصادية عاصفة، تأتي أزمة ارتفاع سعر الدولار لتزيد من معاناة البلاد التي لا تصدر غير النفط الذي انهارت أسعاره هو الآخر تحت وطأة تراجع السعر العالمي للبرميل، تاركة “النايرا” -العملة المحلية النيجيرية- فريسة لمواجهة الدولار، فنيجيريا مثلها في ذلك مثل دول كثيرة تكافح من أجل تثبيت سعر صرف الدولار ومحاربة السوق الموازية ولكن أنّى لها ذلك في ظل حالة كساد تصديري يقابله استيراد لكل شىء سواء كان مواد غذائية أو حتى مستلزمات الإنتاج والأغراض الصناعية، فترتفع معدلات التضخم وينشط تجار السوق السوداء مدعومين في ذلك بانتشار الفساد في المؤسسات المالية النيجيرية التي تتربح من فرق العملة ولا تمانع من تقاضي عمولات غير رسمية للاستجابة للطلبات المتزايدة على العملة الخضراء. المتابع الجيد للسوق النيجيري سيلاحظ تضاؤلا كبيرا في سلعة الخبز بسبب توقف أصحاب المخابز عن العمل اعتراضا على ارتفاع أسعار الدقيق خاصة ما يعرف ب”دقيق الكاسافا”، فضلا عن ارتفاع أسعار الأرز بنسبة 12.5% وكذلك اختفاء الحليب بصورة شبه كلية من الأسواق، ولم تعد منتجات الأسماك في متناول أكثر من 70 مليون نيجيري يعانون من الدخل المحدود.،وبالتالي فإن كل ما سبق يضع اقتصاد البلاد أمام كارثة فيما يتعلق بالواردات. فيما عدا النفط الذي تصدره نيجيريا، فهي تستورد كل شىء تقريبا، والآن وبعد انخفاض أسعار النفط بصورة ملحوظة أصبحت العملات الأجنبية شبه غير موجودة وهو ما يضغط بصورة أكبر على “النايرا” التي لم تعد قادرة على المقاومة أمام الدولار، ومع ذلك يرفض رئيس البلاد “محمد بحاري” أن يتركها فريسة للتعويم، حيث سيكون لذلك بالغ الأثر على زيادة التضخم. وقد اتخذ بحاري منذ مجيئه إلى السلطة في مايو الماضي عدة إجراءات للسيطرة على سعر الدولار في الأسواق، حيث حظر البنك المركزي النيجيري شراء العملة الأمريكية إلا في أضيق الحدود، وهذه الحدود الضيقة بالمناسبة لا تشمل مثلا استيراد سلع أساسية كاللحوم والسمن، ورغم هذه الإجراءات فقد بلغ مستوى التضخم نسبة 11.4٪ في شهر فبراير في مقابل انخفاض في مستوى التنمية عند مستوى 2.1٪ والمصانع مستمرة في إغلاق أبوابها بسبب نقص المواد الخام اللازمة للتصنيع والتي تتطلب توافر الدولار من أجل استيرادها من الخارج، بينما يحاول القلة الباقية تصنيع منتجات ذات قيمة يمكن تصديرها للخارج لتوفير عملة الدولار مثل المصوغات القيمة والصمغ العربي. وقد بات الحصول على الدولار بأسعاره الرسمية شبه مستحيل، حيث لا يضخ البنك المركزي أكثر من 002 مليون دولار أسبوعيا تذهب أغلبها إلى السوق السوداء، حيث يضطر التجار والمستوردون إلى الحصول عليه بزيادة قد تصل في بعض الأحيان إلى 30٪ فوق سعره الرسمي، ويتوقع المراقبون أنه في حال استمرار إجراءات حظر التصدير التي يفرضها البنك المركزي للسيطرة على سعر الدولار فيمكن أن ننتظر كارثة غذائية حقيقية في السوق النيجيري الضخم. أما في أنجولا فقد سجلت العملة الوطنية “كوانزا” انخفاضا بنسبة %15 في بداية العام الحالي لتصل إلى 158.7 كوانزا مقابل الدولار، ويضاف هذا المعدل إلى الانخفاض الذي شهدته في العام الماضي والبالغ 42% في الوقت الذي يتم تبديل الكوانزا في الأسواق السوداء عند 260 كوانزا مقابل كل دولار. ويرى الخبير الاقتصادي جون آشتون بمؤسسة “كابيتال إيكونومكس” للبحوث الاقتصادية بلندن، أن أنجولا قد تضطر لخفض قيمة عملتها مجددا خلال الشهور المقبلة. كما تخلت أذربيجان في ديسمبر الماضي عن ربط عملتها بالدولار، بعد أن خسر البنك المركزي الأذري نصف احتياطاته بالعملات الصعبة في محاولة للدفاع عن السعر المرجعي للعملة الوطنية أمام الدولار. اضطرت أذربيجان فى الشهرين الماضيين لخفض قيمة عملتها وإعلان عمليات خصخصة واسعة وفرض رقابة على رءوس الأموال للحد من تدهور العملة، على خلفية انهيار أسعار النفط.، ورفع يده عن العملة المحلية لأذربيجان (مانات) التي خسرت ثلث قيمتها تأثرا بانهيار أسعار النفط. وقد خفض البنك المركزي في أذربيجان قيمة عملة البلاد سعيا منه إلى تعزيز قدرة اقتصاد البلد على المنافسة الدولية، ووصل سعر الصرف الرسمي للمانات الأذربيجاني إلى 0.6 دولار أمريكي. وبالنسبة لفنزويلا فهي تعتبر من أكثر البلدان تضررا من تراجع أسعار النفط، فالذهب الأسود يشكل 05% من إيرادات الحكومة، وقرابة 95 ٪ من إيرادات التصدير. وقد أثر تراجع الأسعار بشكل كبير على الوضع الاجتماعي للمواطنين الذين يشهدون يوما بعد يوم ارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية ما يجعلهم يصطفون لساعات في طوابير طويلة أمام المراكز التجارية لاقتناء احتياجاتهم، وتشير آخر الإحصائيات إلى تراجع إيرادات فنزويلا بنسبة 68٪ خلال العام الجاري، ما ينذر بانفجار الوضع الاجتماعي. ووفقا لما تقدم أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادوروا خفضا لقيمة العملة وزيادة أسعار الوقود المدعوم، في مسعى لاحتواء الأزمة الاقتصادية، وتهدف الإجراءات إلى تعزيز مالية البلد العضو بمنظمة أوبك، بسبب النفط وانهيار نموذج اقتصادي تقوده الدولة؛ ما أسقط البلاد في ركود حاد وتضخم يزيد على 100٪ ونقص مزمن في المنتجات، وقد اضطرت الحكومة لإجراء تخفيض هو الأكبر لسعر الصرف الرسمي بنسبة 37% من 6.3 بوليفار إلى 10 مقابل الدولار الأمريكي، مما حول النظام السابق لأسعار الصرف المكون من ثلاث درجات إلى آلية ثنائية، يترك فيه السعر الأدنى حرا على أساس نظام يباع فيه الدولار حاليا عند حوالي 200 بوليفار، في الوقت الذي سارع فيه معارضو مادورا إلى التشكيك في التعويم الحر للبوليفار، مشيرين إلى أن الحكومة سبق لها مرارا أن أعلنت عن مثل هذه الخطوة، لكنها لم تسمح قط لسعر الصرف بأن يحدده الطلب. ويرى المنتقدون أن الحل الوحيد لمشاكل فنزويلا الاقتصادية هو إلغاء كامل لنظام العملة القائم منذ 13 عاما، والذي استُحدث أثناء حكم الرئيس الاشتراكي الراحل هوجو تشافيز. ولكن العملة الفنزويلية وصلت إلى أدنى معدل وصلت له العملة الوطنية في 11 مارس الماضي بعد تطبيق تجربة الآلية الثنائية، حيث سجل الدولار 1211 بوليفارا بالسوق الموازية، ما يعكس انخفاضا بنحو 476٪ بالمقارنة بنفس اليوم في العام الأسبق، وذلك بسبب النقص الحاد للدولار في الأسواق وزيادة المعروض من البوليفار. وقد اضطرت حكومة فنزويلا إلى تصدير ذهب بقيمة 456 مليون دولار إلى سويسرا للتغلب على أزمة السيولة التي تعاني منها البلاد،وذلك بعد انكماش إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي بأكثر من 5.7 ٪، وتقلص نشاط القطاع الخاص بنحو 8.4٪، وزيادة نشاط القطاع العام 1.1٪ فقط وسط تضخم متواصل ونقص في بعض المنتجات الضرورية. وتشير التوقعات إلى احتمال تغيير الحكومة للنظام الحالي لأسعار الصرف قبل نهاية العام الحالي، بينما يرى آخرون استمرار هذا النظام مما قد ينتج عنه مزيدا من التدهور للعملة المحلية، ولكن في النهاية يتوقع الجميع حتمية تغيير النظام قبل انتهاء عام 2017 وفى روسيا سجل سعر الروبل أدنى مستوياته في آخر يوم تداول للبورصة في عام 2015، حيث بلغ الدولار 32.37 روبل في ذات اليوم، بينما بلغ اليورو الواحد 80.12 روبل وهو مستوى لم يشهده الاقتصاد الروسي منذ نهاية أغسطس 2015 أما الآن فقد سجل الدولار 68.5140 روبل، و اليورو 76.647102 وهو ما يعد تحسنا في أعقاب ارتفاع أسعار برميل النفط الخام في الأسواق العالمية قرابة 04 دولارا في الوقت الحالي. وسجلت العملة الروسية خسارة بنحو 02% خلال 2015، بينما كان التراجع في قيمة الروبل قد وصل إلى %40 في العام الأسبق، مما تسبب في دفع 02% من الروس تحت خط الفقر. أما في مطلع العام الحالي، فقد شهدت العملة الروسية تذبذبا واضحا حيث سجل الدولار أكثر من 82.4 روبل في يوم 21 يناير، ثم أغلق مستوى الصرف في فبراير الماضي عند 75.1 روبل للدولار الواحد، وذلك بعد الاعلان عن قرار روسيا والسعودية وقطر وفنزويلا بتجميد إنتاج النفط عند مستويات إنتاج شهر يناير الماضي، حيث يشكل إنتاج كل من روسيا والسعودية خمس الإنتاج العالمي. كما تقلص الإنفاق الرأسمالي للمنتجين بسبب انخفاض أسعار السلع الأولية، ما أحدث انكماشا اقتصاديا بنسبة 3.7٪ عام 2015، وأظهرت مؤشرات الإنفاق الخاص انخفاضا بنسبة 10.1٪، وكذلك مبيعات التجزئة بنسبة 9.7 ٪ في نفس العام، وبالتالي فقد الروبل 01% من قدرته الشرائية، ما جعل البنك المركزي الروسي يضخ نحو 01 مليارات دولار ليوقف التدهور. وفي 18 مارس الماضى تدخل البنك المركزي مرة أخرى بالحفاظ على أسعار الفائدة حول 11٪ تحسبا للتضخم على الرغم من الاستقرار النسبي الذي تشهده أسواق المال وأسواق السلع الأساسية كنتيجة مباشرة لأسعار النفط . من جهة أخرى لم تنج العملة التركية “الليرة” من الانخفاض كون تركيا دولة من دول الاقتصادات الناشئة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب تورط تركيا فى بعض الأحداث الإرهابية الأخيرة في يونيو الماضي، والذي أثر بالسلب على الوضع الاقتصادي وانهارت بورصة إسطنبول لأدنى مستويات لها منذ سنوات، بالإضافة إلى تراجع قيمة الليرة التركية، حيث سجلت أدنى مستوى مقابل الدولار واليورو في 20 أغسطس الماضي، وتم تبادل العملة الوطنية التركية لفترة وجيزة ب 3.0031 ليرة للدولار، بحسب بيانات نشرتها وكالة “بلومبرغ”، قبل انتعاش طفيف لتبلغ 2.97 ليرة، وهبطت الليرة حوالي 10.6٪ في شهر واحد مقابل الدولار، وحوالي 27.8٪ منذ بداية عام 2015، كما تقدم اليورو بقوة على الليرة فبلغ 3.32 ليرة تركية مع نسبة تراجع للعملة التركية بلغت 5.2% في يوم واحد. بعد ذلك قرر البنك المركزي التركي التدخل لدعم الليرة عبر خفض الفائدة على الودائع بالدولار، وانخفض سعر الليرة التركية منذ بداية السنة بنسبة وصلت 71 بالمئة مقابل الدولار واليورو، كما خسرت بورصة إسطنبول 02% من قيمتها. وأرجع المحللون الأسباب إلى أن الدولار الأمريكي يحقق ارتفاعا كبيرا في الأسواق العالمية، وتركيا جزء من الاقتصاد العالمي وتتأثر بهذا الارتفاع، بالإضافة إلى سياسة الحكومة الصينية في تعويم العملة المحلية “اليوان” مما يؤثر على الأسواق العالمية وعلى الاقتصاد التركي، أما الأن يساوي الدولار 2.867800 ليرة تركية، واليورو 3.208000 هذا في الوقت الذي أظهرت فيه المؤشرات الاقتصادية لشهر مارس 2016 قدرا من التعافي ومنها زيادة الثقة في مناخ الأعمال على الرغم من تعالي المخاطر الجيوسياسية، مما يحفز النمو الاقتصادي، كما أن عجز الحساب الجاري قد سجل 2.2 مليار دولار فقط في يناير الماضي وذلك من أكثر من 5.1 مليار دولار كان قد سجلها في شهر ديسمبر الماضي، كما سجل قطاع الإنتاج الصناعي نموا بلغ 5.6% مقارنة بنفس الشهر العام الماضي، وفي شهر فبراير انخفضت أسعار المستهلكين بنحو 0.2٪ مقارنة بالشهر الماضي، حيث سجل يناير زيادة بنحو 1.82٪، ما يعني بوادر لتحسن الوضع الاقتصادي.