الفلاكة كلمة أعجمية تعنى الرجل السيئ الحظ، المهمل فى الناس لإملاقه وفقره. والفلاكة والمفلوكون هو عنوان أحد أهم كتب التراث العربى التى تطرح قضية الفلاكة أى الفقر فى اسبابه وتداعياته على الأفراد والمجتمعات، وما ينشأ عنه من آفات. والكتاب للإمام أحمد بن على الدلجى "توفى فى 1795م" ، أى قبل الحملة الفرنسية على مصر بسنوات ثلاث. صدر الكتاب فى الوقت الذى استحكم فيه نفوذ المماليك، واستأثروا بأغلبية الثروة، تاركين أفراد الشعب "ومنهم العلماء والفقهاء" يعيشون البؤس لذا كان سقوط الدولة أمرا مقضيا. فالفقر آفة اجتماعية خطيرة، والفقر كظاهرة يرتبط بأشكال عدة من مظاهر الحرمان تتعرض له بعض فئات المجتمع. ولا ينحصر مفهوم الفقر فى ضعف مستوى الدخل، ولكنه ظاهرة متعددة الأبعاد تتمثل فى أشد مظاهر الحرمان قسوة.. سوء التغذية، مستوى متدن من التعليم، ضعف فرص الرعاية الصحية، غياب الأمان الوظيفى والسكنى، صعوبة الحصول على الخدمات الأساسية لمياه الشرب والصرف الصحى، افتقاد الأمن الشخصى، مما يعنى فقدان الفرصة فى حياة انسانية محتملة، ويجعل الحياة واستمراريتها بالنسبة للفئات الفقيرة صعبة ومؤلمة وخطرة. ولأن الفقر ظاهرة مركبة ومتحركة، لذلك يصعب اقامة حد فاصل قطعى بين المحددات والمسببات والنتائج فالبطالة مثلا وانخفاض الانتاجية، وتواضع الأجور كلها أمور مولدة للفقر، كما أن الفقر مولد لها. ويمكن رصد ملامح الحرمان البشرى فى مصر من خلال المؤشرات المتاحة فى تقارير التنمية البشرية للبرنامج الانمائى للأمم المتحدة UNDP، ومعهد التخطيط القومى، وتقارير حالة السكان فى مصر الذى يصدره صندوق الأممالمتحدة للسكان UNFPA، والتقرير السنوى للبنك الدولى عن التنمية فى العالم. تشير الاحصاءات المتاحة الى أن 22.9 %من السكان فى مصر يعيشون تحت خط الفقر "ما يناهز عشرين مليون مواطن" أى أن واحدا من كل خمسة مصريين يعيش فى الفقر، يضاف اليه مواطن آخر يعيش على حافة الفقر، أى أنه يعيش فى حالة صراع يومى حتى لا يسقط الى ما تحت خط الفقر فى ظل تدهور مستويات الأجور، وعدم تناسبها مع حركة الاسعار. واذا كان تصاعد الضغوط التضخمية يؤدى الى تزايد اعداد الفقراء، فانه يؤثر ايضا على المستوى المعيشى للطبقة الوسطى ذاتها، ومع الضعف النسبى للطبقة الوسطى، فلابد أن تضعف معها تعبيراتها السياسية الوسطية، مما يخلق فراغا تنفذ من خلاله الاتجاهات المتطرفة فكرا وسلوكا، الأمر الذى يضر بالاستقرار الاجتماعى والسياسى والأمنى. ومع اتساع دائرة الفقر، وشدته نمت ظاهرة العشوائيات على مدى العقود الخمسة الماضية، حتى وصل عدد المناطق العشوائية الى 1221منطقة عشوائية منتشرة فى أربع وعشرين محافظة، وتضم نحو 16مليون مواطن. وتحيط المناطق العشوائية بخاصرة القاهرة والمدن الكبرى كالنطاق، أو فى أعماقها، وهى تمثل أحزمة ناسفة من الفقر والتطرف، وتضم القاهرة وحدها 81منطقة عشوائية يقطنها نحو ثمانية ملايين من المواطنين. ورغم اختلاف المناطق العشوائية من حيث المكان والمساحة وحجم السكان ومستوى الخدمات، فانها تشترك فى مشاكل اساسية تتمثل اساسا فى حالة التدهور العمرانى والبيئى والاجتماعى لهذه المناطق، ونقص المرافق والخدمات الاساسية، وارتفاع الكثافة السكانية، وضعف أو انعدام التواجد الامنى. كل هذه العناصر فى تضافرها تجعلها بيئة خصبة لتفشى الجريمة، ومع انتشار البطالة يزداد انخراط هذه الفئات فى قطاعات الاقتصاد الأسود "المخدرات، والدعارة، والتهريب، وغيرها" وتحت وطأة التهميش وتزايد الشعور بالظلم والقهر، تتحول هذه المجتمعات العشوائية الى مستودعات محتملة للعنف، نظرا لتوفر الشروط الأولية لتفاقم الاستعداد الكامن للعنف بل قد تصبح ممارسة العنف أحيانا وسيلة للارتزاق أو وسيلة للتعيش أو التكسب. المشكلة هنا أن تتحول حالة العنف من حالة استثنائية أو طارئة الى سلوك اعتيادى أو آلية للتعامل، فى ظل تراجع سطوة الدولة وهيبة القانون. والأسوأ على الاطلاق هو أن تصيبنا حالة من التبلد تجاه مشكلاتنا الأكثر خطرا، فعندما يصاب مجتمع بهذا المرض الخبيث يصبح مستقبله فى خطر حقيقى يهدد أمنه القومى.