تعود بعثة صندوق النقد الدولى للقاهرة لعقد اجتماعات مكثفة مع المسئولين لتقييم أداء اقتصاد مصر فى إطار المراجعة الدورية الثانية لبرنامجها فى الإصلاح الاقتصادى. ستستمر تلك الاجتماعات لمدة أسبوعين تنتهى فى التاسع من شهر نوفمبر، تمهيدا للموافقة على الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد الدولى التى تقدر بنحو 2 مليار دولار. ستطلع الحكومة خبراء صندوق النقد الدولى على أهم المتغيرات والمستجدات الاقتصادية وكذا شرح وافٍ عن جهود الضبط المالى وخفض معدلات العجز واحتواء الزيادة فى الدين العام، وتطورات وضع ميزان المدفوعات، وكذلك تطور معدلات التضخم والتدابير التى سيتخذها البنك المركزى فى هذا الشأن. كذلك ستركز البعثة فى مناقشاتها مع الحكومة المصرية على الإصلاحات الهيكلية خاصة تلك المتعلقة بالتنمية الصناعة فى الفترة المقبلة. يتضمن برنامج الزيارة تقييما لأهم النتائج الإيجابية التى بدأت تظهر بعد انتهاء السنة الأولى من تنفيذ البرنامج وأهمها، وفقا لمعايير الأداء الكمى، زيادة معدل النمو الذى بلغ 4.6% فى النصف الاول من عام 2017، وانخفاض معدلات البطالة إلى 11.9 فى المائة فى يونيه 2017 مقابل 12.7 فى المائة فى يونيه 2016، وخفض عجز الموازنة الأولى إلى 1.8 % من الناتج المحلى عام 2016/2017 مقابل 3.6 % عام 2015/2016، وارتفاع الاحتياطى من النقد الأجنبى إلى معدلات قياسية بلغت نحو 36.5 مليار دولار فى سبتمبر 2017 مقارنة ب19 مليارا منذ عام تقريبا. أيضا ستتناول المناقشات حزم السياسات والإجراءات التى ستتخذها السلطات المصرية (الحكومة والبنك المركزى) فى السنة الثانية من البرنامج التى ستعطى أولوية لتنفيذ برامج متكاملة للحماية الاجتماعية تتميز بكفاءة الاستهداف للفئات المستحقة، والعمل على مساندة قطاعى التصدير والصناعة (خاصة الصغيرة والمتوسطة) وتعزيز قدرتها على النفاذ إلى الأسواق لخلق مزيد من فرص عمل حقيقية للشباب، والعمل على دفع معدلات الاستثمار وتسهيل مزاولة نشاط الأعمال، والعمل على توفير موارد الطاقة بشكل مستدام وكفء وزيادة القيمة المضافة. وفى ضوء ما سبق، فإن مشكلة مصر الحقيقية لا تتمثل فقط فى ضرورة تبينيها لبرنامج إصلاح اقتصادى واجتماعى قوى، بقدر ما تتمثل فى قدرة الحكومة الحالية والحكومات القادمة على تنفيذ البرنامج باحترافية وتناغم. لقد قدمت هذه الحكومة كل ما لديها على مدار أكثر من عامين، لذا أصبحت هناك حاجة ملحة لاختيار كتيبة جديدة من المبدعين التكنوقراط ذوى الحس والمهارة السياسية والقدرة على إدارة حقائبهم الوزارية، وفوق ذلك قائد لتلك الكتيبة يتمتع برؤية ثاقبة وإيقاع سريع وقدرة على تحقيق التناغم بين أعضاء تلك الكتيبة. لقد آن الأوان، أن تنتهز الأجهزة السيادية المعنية باختيار قيادات كتيبة المبدعين خلال فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة وفق معايير وأسلوب جديد، خلال هذه الفترة، وهى كافية، لأن تعمل تلك القيادات فى إطار حكومة للظل تعاون الحكومة الحالية فى أداء مهامها وتكتسب دراية كافية بكل القضايا والتحديات التى تواجه مصر فى معركتها الشرسة من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة. قبل زيارة سافر وفد مصر للمشاركة فى اجتماعات الخريف السنوية للصندوق والبنك الدوليين التى عقدت فى واشنطن فى الفترة من 10 - 15 أكتوبر 2017، حيث ضم هذا الوفد كلا من السيد/ طارق عامر، محافظ البنك المركزى المصرى، والسيد/ عمر الجارحى، وزير المالية، ممثلى مصر بالصندوق، والدكتورة/ سحر نصر، وزيرة الاستثمار ممثلة لمصر فى البنك الدولى. خلال هذه الاجتماعات قام هذا الوفد بعقد عديد من اللقاءات على هامش تلك الاجتماعات مع مسئولى الصندوق والبنك الدوليين وكذلك رؤساء عديد من البنوك وبيوت المال والاستثمار العالمية. وفى هذا الخصوص، أشادت مؤسسات مالية واستثمارية وعلى رأسها الصندوق والبنك الدوليين بالجهود التى بذلتها السلطات المصرية فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى وبما حققته من نتائج إيجابية تجلت فى أداء المؤشرات الاقتصادية فى السنة الأولى من تطبيقه. وضمانا لحسن ادارة البرنامج وعدم انحرافه عن المسار المخطط له، أعلن الصندوق، بالاتفاق مع الحكومة المصرية، عن تعيينه لممثل مقيم له فى مصر لتقديم النصح والمشورة والدعم الفنى للسلطات المصرية، كذلك أعلن الصندوق عن تفهمه لوجهة نظر الحكومة عن صعوبة القيام برفع أسعار المحروقات خلال العام المالى الحالى 2017/2018 خاصة أن الحكومة قامت برفع أسعارها مرتين خلال الاثنى عشر شهرا الماضية فى الفترة منذ 3 نوفمبر 2016 حتى نهاية أكتوبر عام 2017 ولكن مع التزام الحكومة المصرية بإلغاء الدعم على الطاقة (المحروقات والكهرباء) بالكامل خلال أربعة أعوام تنتهى فى عام 2021/2022. علما بأن متوسط أسعار المحروقات فى الوقت الراهن تغطى نحو 50% من تكلفتها والباقى تتحمله الدولة فى صورة دعم للمحروقات (البنزين والسولار والديزل والغاز الطبيعى) الذى يستفيد منه المصريون بجميع فئاتهم خاصة المقتدرين منهم، فضلا عن الأجانب الذين تبلغ أعدادهم 15 مليونا، منهم 5 ملايين عربى أغلبهم فضلوا الإقامة فى مصر للظروف الاستثنائية التى تمر بها بلدانهم، إضافة إلى متوسط أعداد السائحين الوافدين إلى مصر خلال العام. ويرى كل من خبراء الصندوق والسلطات المصرية أن مقدار دعم الطاقة المطلوب إلغاؤه بالكامل سيتوقف على عاملين أساسيين، الأول يتمثل فى تطور أسعار النفط والغاز العالمية والثانى يتعلق بتطور سعر صرف الدولار فى السوق المصرفية المحلية. وفى تقديرى الشخصى، من المتوقع أن تتجه أسعار النفط العالمية إلى الارتفاع بنسبة قد تبلغ نحو 18% (65 دولارا للبرميل) خلال الأعوام القادمة بسبب تعافى الاقتصادات المتقدمة خاصة الأوربية والأمريكية، إلا أن زيادة إنتاج مصر من الغاز فى الفترة القادمة وشراء حصة الشريك الأجنبى بتكلفة اقل من المستورد سوف يخفف من وطأة تلك الزيادة المتوقعة فى تكلفة الحصول على منتجات الطاقة فى مصر. والعامل الثانى، من المتوقع أن يشهد سعر الدولار انخفاضا ملحوظا فى السوق المحلية بنحو 30 % مع تزايد المعروض وترشيد الطلب على النقد الأجنبى بسبب تعافى القطاعات المولدة للنقد الأجنبى فى مصر.