بمناسبة زيارة بعثة صندوق النقد الدولى مصر حاليا لإجراء المراجعة الدورية الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، تلقيت دعوة كريمة من أحد مراكز البحوث لتقييم الاتفاق مع صندوق النقد، لبرهة دار فى ذهنى تساؤل: هل كانت هناك بدائل بالفعل لتوقيع اتفاق صندوق النقد الدولى؟ وهل برنامج الإصلاح الاقتصادى من تصميم الصندوق؟ وأخيرا وليس آخرا: هل كان يمكن أن يستمر الوضع الاقتصادى دون أن يخضع لجراحة حقيقية وجادة لمعالجة التشوهات؟ حقيقة الأمر أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، كان مهما ولا مفر منه، ليس فقط للمساهمة فى سد الفجوة التمويلية التى كانت قد قاربت 20 مليار دولار، بل من أجل الحصول على شهادة من أرفع وأهم مؤسسة اقتصادية عالمية، فى الجدية والاستمرار فى تنفيذ برنامج الإصلاح، وهو ما يدعم ثقة المؤسسات المالية والاستثمارية العالمية، وهو ما أسفر عن تعزيز ثقة الصناديق العالمية ودخولها للاستثمار فى أدوات الدين الحكومى والبورصة بما يقرب من 18 مليار دولار، يبقى أن برنامج الإصلاح الاقتصادى أعدته الحكومة وإن تم إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليه عند التفاوض مع صندوق النقد الدولى لوضع برنامج زمنى لتنفيذه. ليس هناك شك فى أن الاقتصاد بدأ يجنى ثمار الإصلاح، ليس فقط باعتراف تقارير أو تصريحات المسئولين فى صندوق النقد والبنك الدوليين، ولكن على أرض الواقع ثمة شواهد عديدة على ذلك، الدولار منذ سنة تقريبا لم يكن سهلا تدبير أى مبلغ من العملات الأجنبية من البنوك، وأحيانا كثيرة من شركات الصرافة، فقد كانت تجارة العملة فى قبضة المضاربين، أحد الأصدقاء أخبرنى عن مدى الصعوبة التى واجهها عندما حاول تدبير 320 جنيها إسترلينيا، لدفعها ضمن مصاريف الجامعة لابنه، ويا للأسف! فقد فشل على مدى يومين فى تدبير هذا المبلغ البسيط، وما كان أمامه سوى الاتصال برئيس أحد البنوك، الذى تفهم الأمر مشكورا، وللعلم فلم يتسلم المبلغ نقدا بل بشيك لصالح الجامعة. الآن يمكن لأى شخص أن يشترى العملات الأجنبية من أى شركة صرافة، لِمَ لا وأسعار الصرف فى البيع والشراء بهذه الشركات فى أحيان كثيرة أقل من سعرها فى البنوك وهو دليل على توافر الدولار لديها؟! تحرير سعر الصرف، وإجراءات الإصلاح أعادت للاقتصاد قوته وحيويته، المصانع كانت تعمل بأقل من نصف طاقتها، وأصحابها يشتكون من عدم توافر العملات الأجنبية لاستيراد مستلزمات الإنتاج، بل الأخطر أن كثيرين كانوا يلجأون إلى دبى وبعض دول الخليج لتدبير العملات الأجنبية، فى ظل القيود التى فرضها البنك المركزى على تداول العملة الأجنبية إيداعا وسحبا للأشخاص والشركات، ووضع حد أقصى للإيداع بخمسين ألف دولار شهريا، القيود الإدارية لا تسهم فى حل المشكلات بالسوق، بل تعقدها، حيث انتقلت المضاربات على العملات الأجنبية إلى الخارج بدول الخليج، بشراء تحويلات المصريين وإعادة بيعها لصالح المستوردين المصريين، والنتيجة حرمان الاقتصاد من تدفق العملة الصعبة، وإعادة ضخها من خلال الجهاز المصرفى بما يلبى أولويات الأهداف الاقتصادية. المضاربة على العملة بالخارج، انعكست سلبيا وبشكل خطير على قيمة الجنيه، حتى إن البعض كانوا يروجون لأسعار منخفضة كثيرا لقيمة الجنيه فى عمليات شراء الدولار بالخارج، أذكر أننى كنت بصحبة اثنين من زملائى الصحفيين فى زيارة عمل إلى دبى عندما فوجئت بأحدهما يقول إنه قام بشراء دراهم من إحدى شركات الصرافة مقابل ما كان معه من جنيهات، واكتشفنا أن الشركة قد باعت له الدرهم بما يوازى 9 جنيهات، فما كان عليه إلا أن يذهب مرة أخرى للرجوع فى عملية استبدال العملة. الاقتصاد المصرى يسير بخطى جيدة فى الطريق الصحيح، وشهادة المؤسسات الدولية أمر إيجابى لا شك، منذ أيام حصل الاقتصاد المصرى على إشادة جديدة، حيث أعلن صندوق النقد الدولى أن الاقتصادى المصرى يحقق معدل نمو بوتيرة أسرع مما كان متوقعا، بحسب تقرير لوكالة “بلومبرج” الأمريكية، فإن معدل نمو الناتج الإجمالى المحلى بلغ 4.6% فى النصف الأول من عام 2017، وهى أسرع وتيرة منذ سبع سنوات، ما استدعى دهشة بعض خبراء الاقتصاد الذين كانوا يتوقعون معدلات نمو أقل، حيث يتوقع صندوق النقد أن ينمو الاقتصاد المصرى بنسبة 4.5% فى عام 2018. جهاد أزعور، رئيس قسم الشرق الأوسط ووسط آسيا بصندوق النقد الدولى، أرجع وتيرة النمو السريع إلى استفادة قطاعات اقتصادية متنوعة ذات قاعدة عريضة بما فى ذلك التصدير والسياحة من إجراءات الإصلاح ولا سيما تحرير سعر الصرف، إلى جانب تحسن التحويلات والقطاعات التقليدية الأخرى، لافتا إلى أن خطة الحكومة تقوم على أن تعظيم الاستفادة من تحسن التنافسية وأن يصبح الاقتصاد أكثر اعتمادا على التصدير.. لا بديل عن مضاعفة التصدير من أجل معالجة العجز المزمن فى الميزان التجارى وزيادة تنافسية المنتج المصرى والتشغيل.