بعد أيام يهل علينا فصل الصيف، وبعد أقل من شهرين يأتى رمضان شهر البركة والسهر حتى ساعات الفجر، فى الشوارع والخيام الرمضانية وحفلات الغناء حيث تحلو الفرفشة وشرب الشيشة والتسكع على المقاهى، وتنتشر الزينات فى الشوارع وهى من العادات التى تميز شهر رمضان فى مصر عن غيره من بلاد الدنيا. وبعيدا عن شهر رمضان وحتى فى الايام العادية على مدار العام فإن مصر هى الدولة الفريدة فى المنطقة وربما فى العالم التى يبدأ فيها أصحاب المحلات والورش العمل بعد منتصف النهار أى بعد الثانية عشرة ظهرا فى أغلب الاحوال، رغم أن النور يملأ أرجاءها منذ بزوغ الفجر، وربما هذا ما أدى بالحكومات السابقة الى استخدام التوقيت الصيفى لخداع الناس بتقديم الساعة لمدة 60 دقيقة. ويوم الاربعاء الماضى التقى رئيس الجمهورية وزيرى البترول والكهرباء للتأكد بنفسه من توفير الطاقة، وترشيد استهلاكها، وإجراء أعمال الصيانة الدورية لمحطات الكهرباء فى وقتها، وكذلك تنفيذ الاتفاقات والتعاقدات التى تم توقيعها فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، وأكد الرئيس ضرورة محاربة عمليات سرقة التيار الكهربائى التى انتشرت على مدار السنوات الاربع الماضية . ورغم أن وزير الكهرباء د. محمد شاكر اعترف بوجود 6 آلاف ميجاوات مهدرة وضائعة لا نعلم عنها شيئا !! عندما قال إن المحطات الحالية يجب أن تنتج 31 ألف ميجاوات، ولكنها لا تنتج إلا 25 ألفا فقط عند تشغيلها بطاقتها القصوى، ولم يشرح الوزير أين تضيع ال6 آلاف ميجاوات، وهى كمية كبيرة يمكن أن تحل جزءا كبيرا من مشكلة عجز الطاقة فى مصر لأننا نحتاج طبقا لتصريحات الوزير إلى 27 ألف ميجاوات لمواجهة الطلب على الكهرباء، ولكن الوزير عاد ليطمئننا عندما قال: إن العجز تتم مواجهته من خلال دمج محطتى العين السخنة وبنها فى الشبكة القومية. لا أعلم كيف تسمح الدولة التى تعانى من نقص الطاقة بهذا الاسراف والسهرللمحال والمقاهى حتى ساعات الفجر الاولى، وكيف سيذهب هؤلاء "السهرانين" الى عملهم والى مواقع الانتاج فى اليوم التالى.. ومعظم المصريين سافروا وشاهدوا بأنفسهم القواعد العامة، ولأسباب بعضها يتعلق أيضا بالامن وبالانتاج وبصحة المواطنين، أن المحال الصغيرة والكبيرة تغلق أبوابها قبل العاشرة مساء، وأن أصحاب المحال يرفضون البيع بعد انتهاء مواعيد العمل، ليس رفضا للربح ولكن التزاما بالقواعد والقوانين، بل إنه يتم تخفيف الاضاءة قبل مواعيد الاغلاق لتنبيه الزبائن إلى أنه سيتم إغلاق المحال . وفى بلد فقير مثل مصر تصدت الغرف التجارية الى فكرة إغلاق المحال فى العاشرة مساء بالقاهرة والمحافظات بحجة أن المحال لا تفتح أبوابها ولا تبيع صيفا إلا فى الساعات المتأخرة من الليل، وفى الحقيقة أن بعض التجار من أصحاب المحلات يلجأون الى تهريب البضائع ليلا مستغلين غياب الرقابة، وكذلك تشغيل عمالة غير مؤمن عليها وهو جزء من الاقتصاد الخفى وغير الرسمى الذى يحتاج الى جهد كبير من الدولة لدمجه فى الاقتصاد الرسمى . ونتيجة لهذه العادة السلوكية السيئة، أصبح السهر حتى الصباح على المقاهى وفى أندية اللهو عادات متفشية فى المدن والقرى، وانتشرت سلوكيات التحرش وحتى الاطفال اعتادوا على السهر حتى الفجر خاصة فى الاجازات الصيفية ليبدأوا يومهم بعد عصر اليوم التالى. إذا كانت الدولة حريصة على تنشئة جيل يقدس العمل، وعلى توفير الطاقة، وعلى نشر عادة الادخار بدلا من التبذير على المقاهى يوميا، فإنه لابد من اتخاذ قرار بإغلاق المحال والمقاهى قبل العاشرة مساء، ولا يسمح بالسهر سوى للمنشآت الخدمية مثل الصيدليات والمستشفيات والمحال ذات الضرورة، وألا يتحجج البعض بالسياحة لأن الدول الجاذبة للسياحة التى تستقبل أكثر من 30 مليون سائح سنويا مثل فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة كلها تلتزم بمواعيد للعمل وإغلاق المحال.