هددت أسوأ مجزرة فى تاريخ البحر المتوسط الأوروبيين بفقدان مصداقيتهم مع تكرار تلك الحوادث المأساوية. فكارثة اللجوء التى وقعت قبالة سواحل ليبيا بغرق سفينة تحمل مئات المهاجرين وأودت بحياتهم يرى كثيرون انه كان من الممكن تفاديها، وتقع مسئوليتها على الدول الاوروبية وليس إيطاليا واليونان بمفردهما، حيث هناك نقص فى الأموال والموظفين والسفن للتصدى لهذه الكوارث، لاسيما أنه قد تم تقليص حجم الأموال المخصصة لذلك فى ميزانية الاتحاد الأوروبي. فمن جانبها اعتبرت منظمة العفو الدولية أن المأساة «كارثة تسبب بها الإنسان ولم تكن مفاجأة». أما وزير خارجية الاتحاد الأوروبى فيدريكا موغيرينى فقال إن الكارثة عبء على ضمير الاتحاد الأوروبي. وعقد الاتحاد قمة مخصصة لملف الهجرة غير الشرعية، بعد مقتل ما يقرب من 1000 شخص كانوا يستقلون مركبا غرق فى المتوسط. ودعا العديد من المسئولين الأوروبيين بتوسيع نطاق إجراءات البحث والإنقاذ وتوفير مزيد من الدعم للدول المتلقية التى أنهكت قدراتها وكذلك للمبادرات الدبلوماسية فى الدول التى يخرج منها المهاجرون. وطالب رئيس البرلمان الأوروبى مارتن شولتس بسياسة جديدة للجوء فى أوروبا وقال انه لا يمكن الاستمرار فى معالجة العرض بطريقة عشوائية، بل يتعين القيام بإجراءات محددة فى التعامل مع موجات اللجوء، موضحا أنه ينبغى الاتفاق مع حكومة الوحدة الوطنية فى ليبيا على قاعدة لدرء الناس عن تعريض أنفسهم لمخاطر غير محسوبة. وأكد شولتس ضرورة توفير حماية فعالة للسواحل لمكافحة شبكات تهريب البشر المنظمة ومواجهة الأسباب المؤدية إلى كوارث اللجوء، موضحا أن ذلك يعنى توفير وسائل المساعدة للدول التى تعانى من مشاكل فى إفريقيا، حتى لا يضطر مواطنوها لمغادرتها. واقترح مسئولون فى الحكومة الألمانية منح اللاجئين القادمين من مناطق حروب ما أسماه ب»تأشيرة دخول إنسانية»، باعتبار أن هذه التأشيرة ستتيح لهؤلاء الأشخاص دخولا شرعيا للدولة أوروبية دون التعرض لمخاطر الدخول غير الشرعي. كما دعا البعض إلى وضع برنامج إنقاذ بحرى كبير للاتحاد الأوروبي، وهو المطلب الذى نادت به أحزاب المعارضة الألمانية بالإضافة إلى ساسة من الحزب الاشتراكى الديمقراطى، الشريك فى الائتلاف الحاكم فى ألمانيا. أما رئيس حكومة ولاية بافاريا الألمانية هورست زيهوفر فطالب الاتحاد الأوروبى بمعالجة أزمة اللجوء. وقال المسئول الكبير، الذى يشغل أيضا منصب رئيس الحزب المسيحى الاجتماعى البافارى، انه يتعين بالطبع أن تحث الحكومة الألمانية داخل الاتحاد الأوروبى على بدء الإجراءات المناسبة التى تحول دون تكرار مثل هذه المآسي. وذكر على سبيل المثل مكافحة الفقر فى الدول التى يفر منها اللاجئون، بالإضافة إلى مكافحة عصابات تهريب البشر، مؤكدا أن هذا النوع من الإجراءات أهم بكثير من أى قضايا مالية. وجاءت الكارثة الأخيرة بعد أسبوع على حادثى غرق لزوارق على متنها مهاجرون راح ضحيتها حوالى 450 قتيلا، مع تزايد عدد المهاجرين من ليبيا الغارقة فى الفوضى. وهكذا ارتفع عدد ضحايا حوادث الغرق فى البحر المتوسط إلى أكثر من 1600 شخص منذ مطلع العام. وبحسب ممثل ادعاء إيطالى يحقق فى قضايا شبكات الاتجار بالبشر، هناك نحو مليون مهاجر على الشواطئ الليبية، يتأهبون للرحيل إلى أوروبا. وهو عدد غير مسبوق. فعلى الرغم من أن ليبيا كانت تحت حكم ديكتاتورى أثناء حكم معمر القذافى سابقا، فإنه كان يضع هناك قواعد وإجراءات معينة، ولكن حاليا هناك فوضى تقودها ميليشيات. وتشير التقديرات إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذى وصلوا إلى ايطاليا فى 2015 سيتجاوز ال170 ألفا المسجلة فى العام الماضى. وقد دعت منظمات حقوقية على غرار منظمة العفو الدولية إلى استئناف عمليات البحث والإنقاذ لخفر السواحل الايطاليين المعروفة ب»مارى نورستروم» التى علق العمل بها فى أواخر العام الماضي. وكانت ايطاليا أوقفت العمل بعمليات البحث والإنقاذ فى البحار فى محاولة لإقناع شركائها الأوروبيين بضرورة مساعدتها فى التكاليف البالغة تسعة ملايين يورو فى الشهر، وأيضا على خلفية انقسامات حول ما إذا كانت العمليات تشجع المهاجرين بشكل غير مقصود على المجازفة. واستبدلت عملية «مارى نوستروم» بعملية «تريتون» الأصغر نطاقا والتابعة للاتحاد الأوروبى لإنقاذ اللاجئين، وتختص بإنقاذ اللاجئين الذين يواجهون خطرا فى عرض البحر بالإضافة إلى حماية حدود الاتحاد الأوروبى مع البحر المتوسط. وأعلن الأمين العام للاتحاد الأوروبى بان كى مون أن الحكومات ليس عليها فقط تحسين عمليات الإنقاذ فى البحار، بل «ضمان حق اللجوء لعدد متزايد من الناس فى مختلف أنحاء العالم يهربون من الحروب ويطلبون ملاذا آمنا». على الجانب الآخر يدعو البعض إلى ضرورة استخدام القوة لمواجهة مشكلة اللاجئين من خلال تقديم مساعدات تنموية من ناحية وكذلك من خلال القيام بمزيد من الإجراءات العسكرية التى تسهم فى وضع نظام محدد لإجراءات اللجوء. من قبل كانت الكارثة الاسوأ فى مالطا فى سبتمبر 2014 عندما غرق قرابة 500 لاجئ فى حادث متعمد قام به المهربون لإرغام اللاجئين على الانتقال إلى قارب اصغر. وبحسب وكالة الأنباء الايطالية (أنسا)، فإن المهاجرين كانوا من الجزائر ومصر والصومال ونيجريا والسنغال ومالى وزامبيا وغانا، بالإضافة إلى بنجلاديش. والمهربون الذين كانوا يعملون فى القارب، كانوا قد أغلقوا بوابات الخروج فى الطوابق السفلى من القارب. وقد وقع الحادث على بعد 130 ميلا بحريا شمال الشواطئ الليبية. ووفقا لقوات خفر السواحل الايطالية يحتمل أن المهاجرين الذين كانوا على متن القارب اندفعوا إلى أحد جانبيه للتلويح لقارب برتغالى تصادف مروره، ما أدى إلى انقلاب قاربهم. مقترحات المفوضية الأوروبية لحل المشكلة: عقد قادة الاتحاد الأوروبى جلسة طارئة يوم الخميس لمناقشة قضية اللجوء قدمت من خلالها المفوضية الأوروبية خطة عمل من عشر نقاط لمواجهة تهريب المهاجرين، والحيلولة دون تعريض حياتهم للخطر لدى محاولتهم عبور البحر المتوسط نحو أوروبا، وتضمنت ما يلي: - تعزيز عمليتى المراقبة والإنقاذ تريتون وبوزيدون اللتين تنفذهما وكالة فرونتكس الأوروبية لمراقبة الحدود، عبر زيادة إمكانياتهما المالية ومعداتهما. كما ستوسع منطقة عملهما المحددة حاليا بالمياه الإقليمية لدول الاتحاد الأوروبي. - ضبط وتدمير المراكب التى تستخدم لنقل المهاجرين، على غرار ما يحصل فى إطار عملية أتالانتى لمكافحة القرصنة قبالة الشواطئ الصومالية. - تعزيز التعاون بين المنظمات «يوروبول» و»فرونتكس» و»ايزو» و»يورجاست» لجمع المعلومات حول خطط تحرك المهربين. - نشر فرق تابعة للمكتب الأوروبى لدعم اللجوء فى إيطاليا واليونان للمساعدة فى إدارة طلبات اللجوء. - أخذ بصمات كل المهاجرين بعد وصولهم إلى أراضى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى. - درس خيارات عدة لقيام توزيع أكثر توازنا للاجئين بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي. - إنشاء برنامج لإسكان الأشخاص الذين حصلوا على صفة لاجئ من قبل المفوضية العليا للاجئين فى دول الاتحاد الأوروبي. وسيطلب من دول الاتحاد المشاركة فى هذا البرنامج على أساس تطوعي. ولم يقدم أى رقم فى الاقتراح، إلا أن المفوضية تعتبر أن خمسة آلاف شخص قد يستفيدون من هذا الأمر. - إنشاء برنامج يهتم بإعادة المهاجرين الذين لم يسمح لهم بالبقاء فى الاتحاد الأوروبي. وستقوم فرونتكس بإدارة هذا البرنامج بالتعاون مع الدول الأوروبية المتوسطية التى تستقبل المهاجرين. - التنسيق مع الدول المجاورة لليبيا لإقفال الطرقات التى يستخدمها المهاجرون. وتعتبر النيجر ممرا للمهاجرين الساعين للانتقال إلى أوروبا ولا بد من تعزيز الوجود الأوروبى فى هذا البلد. - إنشاء لجنة تتكلف بجمع معلومات حول تدفق المهاجرين.