اتجهت بعض الدول العربية لإنشاء مدن ومناطق صناعية واستثمارية ذات طبيعة خاصة تسهم في دفع عجلة التنمية بها , وهو ما جعلها تتسع فى الأعوام الأخيرة فى المنطقة العربية، لتصبح ركيزة أساسية للتنمية، وتعزيز فرص الاستثمارات الصناعية والتجارية، ونقل التكنولوجيا والمعارف الحديثة للاقتصادات الوطنية، من خلال صناعة ما يطلق عليه فى الأدبيات الاقتصادية القيمة المضافة ,وهو ما بات يستوجب تطويرها وتعزيز مفهوم الشراكة الإستراتيجية بينها، بالإضافة إلى تطبيق أسس وأساليب الجودة الشاملة في إدارتها لتصبح أدوات حقيقية للتكامل بين الأنشطة الاقتصادية بين الدول العربية. وفى الوقت نفسه,تؤكد جميع المعطيات فى المنطقة العربية الأهمية الاستثنائية التى باتت تتمتع المناطق الاقتصادية الحرة سواء فيما يتعلق بزيادة حجم التبادل التجاري وتعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة أو على صعيد تفعيل النشاط الاستثماري في مختلف قطاعاته التجارية والصناعية والخدمية ، ودورها الفاعل في تحقيق التكامل الاقتصادي العربية ,كما تكمن أهميتها فى كونها تمثل بوابة مفتوحة لجذب الاستثمارات واستقطاب رءوس الأموال المحلية والعربية والأجنبية ودورها في استثمار مختلف الطاقات والموارد الطبيعية والبشرية والمساهمة في تنمية المناطق المحيطة بها في مكافحة البطالة وتوفير المزيد من فرص العمل . وفى ضوء هذه الأهمية فإن قرارات القمتين العربيتين الاقتصاديتين اللتين عقدتا بالكويت فى ينايرمن العام 2010 ثم فى المملكة العربية السعودية فى يناير 2012 ,فضلا عن القمة العربية العادية السادسة والعشرين التى عقدت بشرم الشيخ يومى 28 و29 مارس الماضى أكدت أهمية قيام مناطق اقتصادية حرة مشتركة لتكون نواة حقيقية وفاعلة للسوق العربية المشتركة والتكامل الاقتصادي العربي والعمل على تبادل التجارب والخبرات من خلال الاتحاد العربي للمناطق الحرة وتطوير وتفعيل الأنظمة والتشريعات المنظمة للاستثمار في المناطق الحرة العربية وتوحيدها وبما يتلاءم والتطورات الاقتصادية العالمية والتنسيق بينهما لمواجهة المشاكل والصعوبات التي تعترض الاستثمار فيها إضافة إلى توحيد الجهود بين المناطق الحرة العربية والمؤسسات والفعاليات الاقتصادية العربية لمواجهة التحديات والمخاطر الاقتصادية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية. ننتظر التفعيل ووفقا للدكتورثامر محمود زيدان العانى مدير إدارة الدراسات والعلاقات الاقتصادية الاستراتجية بجامعة الدول العربية فى حديثه ل» الأهرام الاقتصادى « فإنه من الضرورة بمكان قيام المؤسسات والهيئات الرسمية بدعم وتفعيل دور المناطق الاقتصادية الحرة في تعزيز التكامل الاقتصادي ودعم الاتحاد العربي للمناطق الحرة وتفعيل دور المكاتب الإقليمية للاتحاد في الدول الأعضاء والإسراع في وضع آليات منح شهادة المنشأ العربي للمنتجات المصنعة في المناطق الحرة وتعزيز الشراكة الإستراتيجية والتكامل بين المناطق الاقتصادية الحرة العربية والمناطق الحرة الأجنبية . ويلفت فى هذا السياق إلى النتائج الايجابية للشراكة بين القطاعين العام والخاص في المناطق الحرة واثر ذلك في دفع عجلة التنمية و إلى نجاح تجربة المنطقة الحرة السورية الأردنية نتيجة للعمل العربي المشترك باعتبارها حالة استثنائية في الوطن العربي حيث تدار بإدارة مشتركة وتتمتع باستقلال مالي وإداري وتستقطب الاستثمارات العربية في المنطقة. كما أن هناك عوامل كثيرة تدفع بالدول لإنشاء المناطق الاقتصادية وهذه العوامل مختلفة تتعلق بالظروف السائدة في كل قطر بالرغم من أن الدافع الرئيسي لهذه الدول جميعاً هو دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها. وفي الدول العربية - الكلام للدكتور العانى -فإن التوجه لإنشاء المناطق الحرة عائد لأسباب متعددة أولها هناك اتجاه عام في الدول العربية نحو التحرير الاقتصادي مثلما يتبين ذلك من إلغاء القيود التنظيمية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والحد من الحواجز الجمركية والمزيد من الخصخصة والسبب الثاني يعود للتطورات التي يشهدها العالم حيث التوسع السريع في التجارة الحرة ويشمل ذلك الاتفاقيات بشأن التعريفات الجمركية والتكتلات الاقتصادية. وفى تقديره فإنه بشكل عام تتشابه الأهداف المنشودة من إنشاء المناطق الاقتصادية وأهمها:- -حفز القطاع الخاص للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية عن طريق اجتذاب رءوس الأموال المحلية والأجنبية. - إدخال التكنولوجيا الحديثة واكتساب العاملين المهارة الفنية اللازمة لتطوير إنتاجهم. -توفير فرص عمل جديدة للحد من مشكلة البطالة توفر المناطق الحرة « نافذة عرض « لقدرات ومنتجات الشركات والقوى العاملة الوطنية تساعد على تطوير الموانئ وتشجيع الصادرات وتنمية التجارة الدولية. وحسبما يقول الدكتور العانى - والذى كان أستاذا للاقتصاد بجامعة بغداد - فإن الأهمية الإستراتيجية للمناطق الاقتصادية الحرة ترجع إلى أنها خطوة يتم من خلالها الاستجابة للمتغيرات الإقليمية والعالمية التي من شأنها زيادة حدة المنافسة الاقتصادية بعد أن أصبح من المسلم به أنه لا تستطيع دولة بمفردها أن تعيش بمعزل عما يجري من أحداث وتغيرات متلاحقة ومن وحي فلسفة المناطق الحرة المتمثلة في زيادة الانفتاح الاقتصادي وتنشيط حركة التجارة وانتقال رءوس الأموال بين الدول فإن إنشاء مناطق حرة مشتركة يؤدي إلى تحقيق منافع اقتصادية وسياسية للدول التي تنشئ مثل هذه المناطق التي تعتبر وسيلة فعّالة لتحرير التجارة من القيود الكمية والحواجز الجمركية تمهيداً للدخول في اتفاقيات التجارة العالمية. ويمكن - كما يضيف- وصف العلاقة بين المناطق الحرة المختلفة من جانب معين بأنها علاقة تنافسية ( فيما يتعلق بكلفة الخدمات المقدمة وسهولة الإجراءات إضافة إلى توفر المزايا والحوافز والإعفاءات) ومن جانب آخر فهي أيضا علاقة تكاملية فيما يتعلق بالعمليات الإنتاجية سواء كانت في المناطق الحرة أو خارجها، إذ إن التكامل الاقتصادي في مجال الصناعة ، على سبيل المثال ، يمكن من إقامة صناعات تكون مكملة لصناعات في مناطق حرة أخرى أو خارج المناطق الحرة إذ إن كثيرا من المنتجات لم تعد تصنع في مصنع واحد بل يتم إنتاجها في مصانع واقعة في عدة بلدان ويتم تجميعها في منطقة حرة بقصد تصديرها للأسواق العالمية. الطريق إلي المناطق الحرة ووفق منظور الدكتور فؤاد شاكر أمين عام اتحاد المصارف العربية سابقا فى حديثه ل» الأهرام الاقتصادى» فإن أهمية انشاء المناطق الصناعية والمناطق الحرة اتسعت في ظل الانفتاح الاقتصادي وتحول العالم إلي قرية واحدة حيث تساهم في جذب الاستثمارات واستقطاب رءوس الأموال لداخل الدولة وتدفع إلي تنوع المصادر الاقتصادية للدولة فضلا عن العمل علي تقديم اعفاءات ومحفزات للقطاع الخاص للعمل في هذه المناطق ومنها الاعفاءات الجمركية والضريبية مما يساعد علي زيادة الاستثمار الخاص في الدولة كما أنها تساهم في امتصاص جزء من البطالة وتوفير فرص العمل لمواطني الدول واستقطاب عمالة خارجية والاستفادة من الخبرات العالمية والتكنولوجية الحديثة في العديد من المشروعات ولذلك تولي الدول العربية اهتماما بالغا بإنشاء المناطق الصناعية والعمل علي زيادة التبادل التجاري فيما بينهم والاستفادة من المواقع الجغرافية لهذه الدول . التحديات غير أن هناك العديد من التحديات تواجه المناطق الصناعية -كما يلفت - خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية أبرزها عدم وجود قاعدة شرعية تحكم المناطق الحرة ودائما يتم تكرار الأنشطة في المنطقة الصناعية ولذلك يجب عمل سقف لعدد الأنشطة المتشابهة على مستوى المنطقة الواحدة وعلى مستوى المناطق الحرة في الدولة وتحديد القطاعات أو اتجاهات الاستثمارات في المناطق، ومحاولة تنويع الأنشطة المدرجة ذات الصناعات المتشابهة إضافة إلي صعوبة التمويل والضمانات البنكية التي تشترطها البنوك علي المستثمرين خاصة في المناطق الصناعية لذلك يجب سن قوانين وتسهيلات لرفع مستوى التمويل الخاص للمستثمرين عن طريق عرض القروض التجارية بما يضمن حق البنوك في استرجاع أموالها عن طريق الضمانات ونسب مشاركاتها في الاستثمارات كما يجب التوجه لفتح أسواق جديدة تضمن انسيابية الصادرات للدولة تزامنا مع التقلبات الاقتصادية الحالية وما تواجهه الأسواق الإقليمية من أزمات نتيجة الأحداث الدامية التي تشهدها عدد من الدول العربية حاليا والتي ألقت بظلالها علي التصدير لعدد من الدول وتعطيل العمليات التجارية ، وعقد الاتفاقات التجارية التي تتيح للمستثمرين الوصول إلى الأسواق العالمية.