ليست نكتة. . فالراجل الذى اكتشف اكبر مناجم للحديد فى مصر كافأوه بخمستاشر يوم خصما من مرتبه واضطروه الى الاستقالة والهجرة هو وأسرته الى كندا! والحكاية من البداية أن الرجل كان ضمن بعثة من خبراء الجيولوجيا تبحث عن المعادن فى الواحات البحرية. . وابتعد عن المكان المحدد للبحث بحوالى كيلو مترين، فانغرست عجلات سيارته فى الرمال فحاول زيادة السرعة للخروج من بحر الرمال الذى حاصره، ففوجئ بأن الرمال التى تتناثر حوله كلها حمراء داكنة. . فأخذ يصرخ بفرح: اكتشفت الحديد. . اكتشفت الحديد! وعندما عاد الى رئيسه، وكان رئيس هيئة المساحة الجيولوجية، ليبشره بالخبر السعيد. . كشر له الرئيس عن انيابه وقال له: انت يا باشمهندس مخصوم منك خمستاشر يوم لانك خالفت بروتوكولات البحث وابتعدت عن المكان المحدد باثنين كيلو متر!! واسودت الدنيا فى عين الجيولوجى مكتشف اكبر مناجم الحديد، فأخذ يعطى رئيسه دروسا فى كيفية مكافأة المجتهدين والمكتشفين، وفوجئ بأن رئيسه يطلب منه الانصراف، لانه على موعد مع الصحفيين فى مؤتمر صحفى عالمى لإعلان خبر الاكتشاف! وهنا أسقط فى يد الرجل. . فخرج للصحفيين مؤكدا لهم أنه هو المكتشف وأنهم عاقبوه. . وأنه يعلن استقالته أمامهم جميعا، وأنه يعتزم الهجرة من مصر كلها ليريح ويستريح! وقد كان فقد هاجر الرجل هو وأسرته الى كندا ليلعق جراحه، وينسى آلامه وما سببته له البيروقراطية المصرية العتيقة التى تمتد جذورها لخمستلاف سنة، ورئيسه الحاقد وغيره من الحاقدين الذين يريدون أن يحمدوا بما لم يفعلوا! وكان يمكن لهذه الحكاية الغريبة العجيبة أن تمر مرور الكرام وأن تنسى مع مر الأيام والسنين، لكننى فوجئت عند زيارتى لمجمع الحديد والصلب بالواحات البحرية بأن عمال مناجم الحديد وضعوا صورة الرجل فى مدخل المتحف الجيولوجى بالمجمع باعتباره المكتشف الحقيقى لمناجم الحديد بالواحات البحرية، بل والأكثر من ذلك أنهم، أى العمال، يستضيفون الرجل وأسرته من الاولاد والاحفاد فى المناجم كل عام عند زيارته لمصر ويكرمونه، ويحتفون به وبأسرته أيما احتفاء. هذه الحكاية استمعت اليها خلال زيارتى للواحات من صديقى الدكاترة محمد عبدالعزيز عاشق رمال مصر، وعاشق مناجم الحديد بالواحات البحرية، والحاصل على عدد من درجات الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف فى مجال التعدين، وهو أحد خبراء مصر المعدودين فى هذا المجال لذلك فهو عضو اساسى فى معظم لجان تحكيم رسائل الماجستير والدكتوراه عن المعادن. والدكتور عبدالعزيز هو الآخر حكاية. . فقد ترك ضخب القاهرة وأضواءها وآثر أن يعيش فى الواحات البحرية كأى عامل بسيط يرتدى عفريتة وخوذة، ويتنقل من هذا المكان الى ذاك بكل تواضع العلماء، ليقوم بعمل ابحاثه ودراساته عن تراب مصر الزعفران. ما يهمنى فى تلك الزيارة التى مر عليها الآن أكثر من 4 سنوات أننى استمعت لأول مرة لصرخة العمال لانقاذ مصانع الحديد والصلب بحلوان، التى تتعرض لمؤامرة لاغلاقها بالضبة والمفتاح لصالح أناس معينين كانوا وقتها فى عز قوتهم بحجة أن الشركة غارقة فى الديون، وأغلبها ديون لا دخل لها بها، حيث كانت الحكومة تجبرها على بيع انتاجها بأقل من تكلفته الحقيقية، كما أهملت الحكومة لسنوات وسنوات الشركة وأفرانها ومعداتها، ولم تهتم بتحديثها وكانت النتيجة أن العمال كانوا فى انتظار كارثة قد تودى بحياة بعضهم فى أى لحظة. ويكفى أن أقول إن الكراكات التى تستخدم فى مناجم الحديد بالواحات البحرية هى نفس الكراكات التى استخدمت فى بناء السد العالى، أى أن عمرها يزيد على الستين عاما، وأى حصاة تدخل خطأ فى تلك الكراكات تعطلها عن العمل بل وتربك نظام العمل كله فى المناجم. وقد سجلت وقتها تلك الصرخة من جانب العمال وطالبت الحكومة بالتحرك السريع لانقاذ صناعة من اعرق صناعاتنا وقلعة من أهم قلاعنا الصناعية وهى شركة الحديد والصلب بحلوان. . لكن لا حياة لمن تنادى. وقلت ومازلت أقول إن العمال لا ذنب لهم فى السياسات الخاطئة التى انتهجتها الحكومات المتعاقبة والتى أدت لتردى اوضاع الشركة. واستمر الحال على ما هو عليه حتى لحظة كتابة هذه السطور، فشركة الحديد والصلب بحلوان مازالت تستغيث وعمالها الذين يزيد عددهم على 12 ألف و600 عامل مازالوا يستغيثون بل إنهم اعدوا أكفانا، جمع كفن، حقيقة ليحملوها فى مسيرة لمجلس الوزراء معلنين رسميا وفاة الشركة وتشريد عمالها ومعهم عشرات الآلاف من افراد أسرهم! إننى أتمنى أن يزور د. هشام قنديل رئيس الوزراء شركة الحديد والصلب ليرى بعينى رأسه الجريمة التى ترتكب لاغتيال واحدة من أعرق الصناعات فى مصر، وأتمنى أكثر أن يخطف رجله ويزور الواحات البحرية التى لم يزرها اى رئيس حكومة ولا حتى رئيس جمهورية فى تاريخها، رغم أنها كانت حتى وقت قريب تابعة لمحافظة الجيزة وهى تبعد عنها أكثر من 370 كيلو مترا ! إننى على يقين من أن د. هشام قنديل لو زار مناجم الحديد بالواحات البحرية ومعها مجمع شركة الحديد والصلب هناك فسوف يتدخل فورا لوقف المذبحة التى تتعرض لها الشركة، وسيعمل بكل قوة على اعادة احياء هذا الكيان العملاق، ليس من أجل عماله فقط، ولكن من اجل مصر ونهضة مصر قبل أى شىء وكل شىء! أرجو أن تتحرك الحكومة بسرعة قبل أن نكتب شهادة وفاة الحديد والصلب. . ووقتها سنندم. . وقت لا ينفع أى ندم!!