تسارعت وتيرة تدهور سعر صرف اليورو أمام الدولار الأسبوع الماضى مع بدء البنك المركزى الأوروبى تطبيق برنامجه لشراء أصول، ومع اتساع الفجوة مع الولاياتالمتحدة يبدو أن عودة إلى التعادل بين اليورو والدولار باتت فى الأفق.الأمر أثار تحركات غير معقولة فى الأسواق بحسب محللين.خلال زيارة إلى إحدى الشركات فى شرق البلاد ابدى الرئيس الفرنسى فرنسوا أولاند تفاؤله بانخفاض العملة الموحدة قائلا «إن سعر صرف اليورو بلغ مستوى جيدا من التكافؤ» أمام الدولار، وأضاف انه سيكون هناك تأثير ايجابى على النشاط الاقتصادى . حول تأثير انخفاض اليورو على الشركات الأوروبية بوجه خاص والعالمية بشكل عام تناول تحليل لصحيفة الفاينانشال تايمز حساب الأرباح والخسائر لهبوط العملة الأوروبية الموحدة. ففى العام الماضى كانت الشركات الأوروبية تتباكى على «القوة الجنونية لليورو»، مطالبة صناع السياسة باستخدام العملة الموحدة بمثابة «سلاح» لتعزيز النمو. وبحسب تقديرات شركة ايرباص التى تنتج بشكل رئيسى فى منطقة اليورو وتبيع بالدولار، فإنه مقابل كل انخفاض بمقدار 0.1 دولار من قيمة اليورو، يزداد ربحها بنحو مليار يورو. وكل تراجع بنحو 0.2 دولار فى قيمة اليورو مقابل الدولار، يساوى نحو 5 فى المائة فى أرباح التشغيل لدى الشركات الأوروبية، وذلك وفقا لتحليل لأسهم 302 شركة كبيرة قامت به مجموعة ألفا فاليو للأبحاث. وبالفعل حصلت الشركات على رغبتها. وانخفض اليورو نحو 25 فى المائة مقابل الدولار منذ مايو الماضى ليصل إلى 1.05 دولار، عندما أشار البنك المركزى الأوروبى إلى أنه مستعد لإطلاق برنامج التيسير الكمي، ما يعنى من الناحية العملية أنه سيطبع النقود. ومع اقتراب موسم إعلان نتائج الأعمال أبدت الشركات الأوروبية تفاؤلها بالتغير فى اتجاه العملة الموحدة. وأعلن رئيس «شنايدر إلكتريك»، للمعدات الكهربائية، أن انخفاض اليورو سيعادل ما قيمته 1.5 مليار يورو من الإيرادات فى عام 2015 . أما مجموعة مستحضرات التجميل لوريال، فقالت انه فى ضوء أسعار الصرف الحالية، تعتزم تركيز إستراتيجيتها خلال عام 2015 حول زيادة كبيرة فى الأرباح وزيادة معتدلة فى الربحية. بالنسبة لشركة إيرباص، فى حين أن تأثير انخفاض اليورو لن يتم الشعور به لمدة عامين، بسبب سياسة التحوط للشركة، فإنه بعد سنوات من اليورو المرتفع، كان من المتوقع أن يعمل الانخفاض على توفير زيادة فى الربحية. وبصفة عامة، هناك نوعان من تأثير سعر صرف العملة على الأرباح. النوع الأول هو تأثير انتقالى للشركات التى لديها أعمال فى الخارج عندما يتم تحويل الأرباح (لأغراض المحاسبة) مرة أخرى إلى عملة اليورو. وهذا يمكن أن يؤثر على المدى القريب فى الأرباح والتدفقات النقدية والقدرة على توزيع أرباح الأسهم وسعر السهم، ولكن ليس له تأثير يذكر على المدى الطويل، لأن الشركات لا تصبح فى واقع الأمر أكثر ربحية أو أكثر تنافسية. ومثال على ذلك شركة جى دى اف سويز الذى قال رئيسها التنفيذى إن انخفاض اليورو قد يساوى نحو 100 مليون يورو بالنسبة إلى شركته فى عام 2015 . الأثر الآخر لضعف اليورو يتبين بوضوح بالنسبة إلى الشركات المصدرة إلى خارج منطقة اليورو، حيث تزيد تنافسيتها بمعنى أنه يمكنها خفض الأسعار فى محاولة لزيادة حصتها فى السوق، أو لا وفى هذه الحالة أيضا تزيد أرباحها. وهكذا من المتوقع ان تحصل شركات التكنولوجيا والسلع الفاخرة على بعض من أكبر المكاسب وذلك وفقا لمحللين يشيرون إلى مجموعات مثل لويس فوتون وإس تى مايكروإلكترونيكس باعتبارهما أكبر الفائزين. على سبيل المثال، شركة لويس فوتون تنتج الملابس والجلود فى فرنسا، لكنها تبيع معظم منتجاتها فى الولاياتالمتحدةوالصين. وكذلك شركة إس تى مايكروإلكترونيكس مصنعها فى أوروبا، ولكن معظم منتجاتها تباع بالدولار. ووفقا لوكالة موديز للتصنيف الائتماني، من المرجح أن تستفيد شركات صناعة السيارات من ضعف اليورو وذلك مثل شركات بى إم دبليو وديملر وفولكس فاجن، التى تدفع معظم تكاليفها فى منطقة اليورو لكنها تسجل الجزء الأكبر من مبيعاتها فى الخارج. وبحسب أحد مسئولى شركة ديملر تدرس الشركة مسألة إبطاء التوسع فى الإنتاج فى الولاياتالمتحدة، إذا ظل اليورو ضعيفا مقابل الدولار. وتتوقع وكالة موديز أيضا أن تستفيد الفنادق الأوروبية وشركات السياحة من زيادة الطلب على السفر الى دول منطقة اليورو، التى ستصبح أرخص بالنسبة للسياح القادمين من الخارج. ومع ذلك، يرى محللو موديز أن شركات الطيران الأوروبية يمكن أن تتحمل العبء الأكبر لتحركات العملة، مع انخفاض عدد السياح الأوروبيين الذين سيختارون السفر إلى خارج المنطقة. أما السياح القادمون فعلى الأرجح أنهم سيسافرون على متن رحلات شركاتهم المحلية . من ناحية أخرى يمثل انخفاض اليورو مشكلة للمستوردين الأوروبيين حيث يجعل تكلفة الاستيراد أعلى . كما انه يرفع أيضا من تكلفة الاستحواذ على شركات أجنبية . وهو ما عبر عنه مدير شركة جى دى اف سويز قائلا» إن انخفاض اليورو يحقق مكاسب للشركة لكنه يرفع تكلفة الاستثمارات المستقبلية حيث كان الاعتماد فى السنوات الأخيرة على زيادة التوسع فى الأسواق الناشئة من خلال القيام ببعض الاستحواذات فيها. وبحسب محللى موديز فإنه رغم النتائج المتباينة، فإن التحول فى أسعار الصرف ليس كبيرا بما فيه الكفاية للتأثير فى التقييم الائتمانى للشركات. ويشير المحللون إلى الصعوبات التى تواجهها الشركات فى تقييم حركات العملة ضمن توقعاتهم، نظرا لعدم اليقين بشأن بقاء اليورو منخفضا حتى نهاية العام. وهنا يقول محللو بنك «بى ان بى باريبا» انه حسب الوضع الحالى للأمور، أو إذا واصل اليورو تراجعه، قد تكون هناك تطورات أكثر أهمية لتوقعات الأرباح بالنسبة لكثير من الشركات. شركة ألمانية مصنعة للمراوح ولديها 12 ألف موظف حول العالم، وصفت مكاسب العملة بأنها «سم حلو المذاق»، مؤكدة عدم إمكانية الاعتماد على بقاء الدولار قوى مقابل اليورو الضعيف، لأن ذلك قد يتغير، وانه يجب تعزيز التنافسية، والتوسع على المستوى العالمى وهو ما تسعى إليه الشركة بالفعل. وبصفة عامة كان ضعف اليورو نعمة ونقمة بالنسبة للشركات الصناعية الألمانية بحسب اتحاد الصناعات الألمانى. وفى حين أنه يعمل على تحسين القدرة التنافسية لأسعار الشركات الأوروبية مع منافسيها فى الولاياتالمتحدة أو كوريا أو الصين، هناك أيضا جوانب سلبية لانخفاض العملة. فتراجع اليورو يعكس بعض المشكلات التى تعانى منها المنطقة، مثل الطلب الضعيف على السلع والخدمات. ولكن، يقول بعض المحللين إن هناك عوامل إيجابية أخرى سوف تساعد أيضا على زيادة أرباح الشركات الأوروبية هذا العام، بما فى ذلك أسعار الفائدة المنخفضة، وهبوط أسعار النفط بحوالى 50 فى المائة على مدى الأشهر الثمانية الماضية. وهنا يقول رئيس قسم الأبحاث فى شركة ألفا فاليو، إنه لم يشهد قط من قبل مثل هذا الوضع من اقتران الدولار القوى بأسعار النفط الرخيصة وانخفاض أسعار الفائدة التى تخفض تكلفة الأموال، وهو ما يعتبره بمثابة معجزة سارة . ففى الوقت الذى تتراجع فيه قيمة العملة الأوروبية الموحدة، تتهافت الشركات فى جميع أنحاء العالم على الاقتراض بها، من شركة كوكا كولا إلى شركة الكهرباء الحكومية فى الصين، تقترض الشركات باليورو حيث تنخفض تكلفة التمويل فى أوروبا إلى مستوى منخفض غير مسبوق . وحتى الآن هذا العام طرحت الشركات الأمريكية سندات بقيمة 28 مليار دولار مقومة باليورو، وذلك وفقا لشركة ديالوجيك للأبحاث، بما يدفع مستوى طروحات السندات باليورو إلى مستوى مرتفع جديد يتجاوز مستوى العام الماضى وكان نحو 50 مليار دولار. وعلى سبيل المثال سجلت كوكا كولا رقما قياسيا فى شهر فبراير ببيع سندات بنحو 8.5 مليار يورو فى أكبر عملية من نوعها لشركة أمريكية. مع بلوغ الطلب الاستثمارى عليها أكثر من 20 مليار يورو، على الرغم من أن العائد على السندات 1.65 فى المائة وتاريخ استحقاقها بعد 20 عاما. منذ إعلان البنك المركزى الأوروبى عن برنامج شراء السندات لرفع معدل التضخم وتحفيز النمو، قفزت أسعار السندات فى منطقة اليورو، وانخفضت عائداتها إلى مستويات قياسية وفى بعض الحالات إلى ما دون الصفر. الشركات الأمريكية لم تكن وحدها التى لجأت إلى الاقتراض باليورو، فهناك شركات فى كوريا الجنوبيةوالصين والهند تحولت إلى الاقتراض باليورو من أجل تنويع محفظتها وخفض التكاليف. وعلى سبيل المثال، فى حين لم تقترض الشركات الصينية خلال العام الماضى باليورو فإنها أصدرت هذا العام سندات قيمتها 3 مليارات دولار، مقومة باليورو.