المحافظون الجدد الذين بلغ عددهم 71 محافظا أتوا من خلفيات متعددة منهم عسكريون، ورجال قضاء، ورجال أعمال، وأساتذة جامعات، أعمارهم تتراوح بين 83 و85 عاما كما جاء الاعلان عن تعيين 4 نواب لثلاثة محافظين متزامنا مع المحافظين الجدد وهى خطوة تعد الأولى من نوعها. فى هذا التحقيق نناقش مع عدد من وزراء التنمية المحلية والمحافظين السابقين والخبراء كيف يمكن أن يقوم هؤلاء المحافظون بدور مختلف فى المرحلة الدقيقة التى تمر بها مصر، وهل يستطيعون فى ظل نقص الموارد المالية، وتدهور الخدمات، وقانون للادارة المحلية الذى يحتاج الى تعديلات أن ينهضوا بالمسئوليات الملقاة على أكتافهم، وأن ينجحوا فى حل مشكلات الجماهير بوسائل غير تقليدية؟ اللواء أحمد زكى عابدين وزير التنمية المحلية الأسبق ومحافظ بنى سويف الأسبق يؤكد أنه لا يمكن الحكم أو تقييم من تم اختيارهم الآن إلا أن هناك مجموعة من المؤشرات التى يمكن من خلالها بناء تصور مبدئى لادائهم خلال الفترة المقبلة خاصة أنه لم يتم الاعلان عن المعايير التى تم الاختيار على اساسها. ويقول عابدين إن حركة المحافظين الأخيرة احتفظت بالوجوه العسكرية خاصة فى المحافظات الحدودية وهو امر طبيعى لاعتبارات الأمن القومى خاصة فى الظرف الراهن الذى يشهد تصاعد وتيرة الأعمال الارهابية خاصة فى سيناء الان كما ان الحركة فى المحافظات الاخرى اعتمدت على وجوه مدنية بشكل أكبر من أى وقت مضى وهذا توجه حميد فى ظل المطالبة بالاعتماد على أشخاص من غير أصحاب الخلفيات العسكرية. ويضيف أن الحركة الأخيرة اعتمدت على الوجوه الشابة وهذا مطلب تمت الاستجابة له بالاعتماد على الشباب فى المناصب القيادية، مشيرا إلى أن المحافظات تحتاج بالفعل إلى وجوه وطاقات شابة إلا أنه من الملاحظ على الأشخاص الذين وقع الاختيار عليهم أن معظمهم لا ينتمون للمحافظات التى تم اختيارهم لتولى مسئوليتها. وقد يواجه هؤلاء صعوبة فى فهم طبيعة المحافظات التى تم اختيارهم لها إلا أن القيادة السياسية اذا كانت قد اختارت هذه الوجوه لكفاءتها فلنترك فرصة زمنية لهم لاثبات قدراتهم ونجاحهم فى مسئولياتهم من عدمه ولتكن 6 أشهر مقبلة يتم بعدها الحكم على ادائهم. ويوضح عابدين أنه تولى فى فترة من الفترات مسئولية محافظ بنى سويف وهى محافظة ينتمى اليها وكانت تجربة ناجحة بشهادة أهالى المحافظة نظرا لسهولة فهم طبيعة المحافظة والمشكلات التى تعاني منها ومطالب المواطنين، وبالتالى كان التعامل مع الملفات الخاصة بها يسيرا للغاية. كما كان تحديد المشكلات وحجمها يتم فى اسرع وقت وحلها فى الوقت المناسب إلا أن مسألة المجاملات والمحسوبيات نظرا للمعرفة السابقة بين المحافظ والمواطنين بحكم الانتماء وضعت مسألة اختيار المحافظين من بلاد ينتمون اليها تحت الميكروسكوب منذ سنوات طويلة. الكفاءت أولا.. ويشير إلى أن المحافظات تحتاج إلى كفاءات فى الادارة فى المقام الأول نظرا لطبيعة عمل المحليات الصعبة التى تفرض تحديات ومشكلات تحتاج إلى خلفية خاصة بادارة الأزمات واحداث التفاعل المطلوب بين المواطنين والمحافظ المكلف بالمسئولية. وفيما يتعلق باختيار نواب لعدد من المحافظين فى الحركة الأخيرة، يقول عابدين إن الهدف من هذه الخطوة هو بناء جيل جديد يكون قادرا فى المستقبل على تولى المسئولية كما أن النائب منصب مهم جدا فيما يتعلق بمعاونة المحافظ خاصة فى هذه الفترة الصعبة التى تمر بها مصر. ويؤكد عابدن أنه لابد أن تمر مصر بتجربة اختيار المحافظين على أساس الانتخاب لانها قد تكون فرصة مناسبة وحقيقية لاختيار الكفاءات المطلوبة. أما الدكتور محسن النعمانى وزير التنمية المحلية الأسبق ومحافظ سوهاج الأسبق فيقول: ان الاختيار لابد أن يراعى طبيعة المحافظة والمرحلة التى تمر بها مصر وقدرة الشخص الذى وقع الاختيار عليه على التعامل مع هذين البعدين، مؤكدا أن مصر حاليا تحتاج إلى عنصر الكفاءة فى جميع المناصب القيادية والمهمة على مستوى الجمهورية. ويشير إلى أن متوسط الأعمار التى تم الاعتماد عليها فى الحركة الأخيرة لم تتخط 49 عاما وهى فترة عمرية مناسبة انطلاقا من المطالبات المستمرة بتمكين الشباب إلا أنه كان من المهم الاعتماد على فئة عمرية من سن 30 عاما لتحقيق مبدأ الاعتماد على الشباب بالفعل كما أن هذا الأمر أرسى مبدأ تداول السلطة بين الأجيال. (تجربة جديدة) ويقول: من الملاحظ على الحركة الأخيرة اختيار محافظين لمحافظات لا ينتمون اليها وهو أمر لا يمكن الحكم عليه بالسلب أو بالايجاب خاصة أن التجارب السابقة لم تسفر عن نجاح أو فشل اختيار بعينه بمعنى أنه كان من الممكن أن يكون المحافظ من المحافظة ذاتها التى تم اختياره لها ولم يحقق نجاحا ملحوظا كما أفرزت التجارب نجاح محافظين لا ينتمون إلى المحافظات التى اختيروا لها وبالتالى فان الوقت هو الذى سيسفر عن نجاح الاختيارات أو فشلها مشيرا إلى أن ارساء اختيار المحافظين بالانتخاب سيؤدى إلى اختيار الكفاءات لقيادة هذه الكيانات المهمة بشكل أكبر من ذى قبل . الحوكمة ويشير إلى أن المحافظات ومنظومة المحليات بشكل عام لن تشهد اى نجاح فى ادارتها إلا اذا طبقت نظام الحوكمة فى كل منها التى تعنى مشاركة جميع القطاعات فى المسئولية والتى تشمل الاجهزة التنفيذية والرقابية والقطاع الخاص خاصة أن تطبيق الحوكمة كان وراء تقدم العديد من الدول ليس فى المحليات فقط ولكن فى الاقتصاد أيضا، مشيرا إلى أن اختيار 3 محافظين فى الحركة الأخيرة من القطاع الخاص قد يكون بداية لتطبيق مبادئ هذا النظام . ويؤكد النعمانى أن ال 17 محافظا الذين تم اختيارهم عليهم مسئولية كبيرة فى مرحلة دقيقة تمر بها مصر خاصة أن البلاد مقبلة على انتخابات برلمانية ثم انتخابات المجالس المحلية التى تضم 55 ألف نائب، وهى تحديات تضع المحافظين الجدد أمام مسئولية كبيرة خاصة أنهم مقبلون على قانون المحليات الجديد مع ما يتطلبه من فتح حوار مجتمعى شامل بالوصول إلى قانون يحكم هذه المنظومة بالشكل الذى يقضى على ما عانت منه من فساد على مدى سنوات طويلة فضلا عن عملية إعادة ترسيم المحافظات، ولا يمكن أن نغفل أن طبيعة المرحلة الحالية تفرض تحديات كبيرة على مصر خاصة فيما يتعلق بالنهوض بالاقتصاد ومكافحة الإرهاب وهى ملفات يقوم المحافظون فيها بدور كبير. اختيار ات موفقة ووصف الدكتور سامى السيد أستاذ الإدارة العامة ورئيس قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة اختيارات المحافظين الجديدة بأنها اختيارات موفقة خاصة أن التأخير فى إعلانها جاء بسبب تشديد أجهزة الرقابة فى التحرى عن الشخصيات المختارة وبالتالى مادام الاختيار وقع على ال17 محافظا الجدد فيعنى أنهم لا تشوبهم شائبة وينتظر منهم المزيد للمواقع التى رشحوا لقيادتها. إلا أنه يتخوف من اختيار بعض المحافظين ممن لا ينتمون للمحافظة أو على الأقل غير ملمين بالملفات المهمة فى المحافظات التى أوكلت إليهم، مدللا على ذلك بتجربة اختيار اللواء عادل لبيب فى عهد نظام مبارك لمسئولية محافظة قنا - وهو من أبناء المحافظة- التى حقق فيها نجاحا كبيرا بشهادة الجميع والسبب وراء ذلك إلمامه بمشكلات المحافظة وبالتالى حلها بالشكل المناسب وبالتوقيت المناسب إلا أن تجربة تعيينه محافظا للإسكندرية أثبتت فشلها والسبب الرئيسى عدم درايته بالمشكلات المهمة التى تعانى منها ومكامن القوة والضعف. ويضيف أن الاعتماد على فئات عمرية شابة فى حركة المحافظين الأخيرة هو أمر مطلوب للقدرة على العطاء بشكل كبير وكذلك التوسع فى الاعتماد على وجوه مدنية لأنه يحقق المرونة فى التعامل بين المواطنين والمحافظ فيما يعد الاعتماد على ذوى الخلفيات العسكرية فى المحافظات الحدودية أمرا ضروريا نظرا لطبيعة المرحلة التى تمر بها مصر الآن. كما أن اللافت فى الحركة الأخيرة - والكلام على لسان سامى السيد- أنه لم يتم الاعتماد على السيدات لتولى هذه المسئولية خاصة أن السيدات اثبتن كفاءتهن فى العديد من المواقع الإدارية والمناصب القيادية خلال الفترة الماضية، مشيرا إلى انه من غير الكافى الاعتماد عليهن كنائبات خلال الحركة الأخيرة. ويقول: إن اللجوء لوجوه من القطاع الخاص فى هذه الحركة يأتى نتيجة إيمان الدولة بأن العاملين بهذا القطاع على درجة عالية من النجاح فى مواقعهم وقد يترجم هذا النجاح فى المحافظات التى تولوا مسئوليتها. كما أن لديهم قدرة على الابتكار والتجديد بخلاف الوجوه الرسمية التى اعتدنا على اختيارها فى كل حركة محافظين إلا انه من المهم جدا عدم إحداث التزاوج بين المال والسلطة الذى كان سببا جوهريا فى فشل حكومة أحمد نظيف على سبيل المثال رغم أن أفراد حكومته كانوا من الكفاءات. ويؤكد أن عنصر الكفاءة وحده غير كاف فى اختيار المحافظين وأن العبرة بما سيتم انجازه على أرض الواقع وسيكون الحكم عليهم بعد فترة زمنية كافية خاصة فيما يتعلق بحل مشكلات المواطنين وإحساسهم بوجود تغيير على الأرض والتعامل بشفافية وجهد مخلص مع ملف فساد المحليات الذى تجذر فى المجتمع المصرى لسنوات طويلة. غير تقليدية أما الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة السابق فيصف حركة المحافظين الأخيرة بأنها غير تقليدية خاصة أنها تشمل عددا كبيرا من فئات متنوعة من رجال الشرطة والقضاء والقوات المسلحة ورجال الأعمال والقطاع الخاص. كما أنها اعتمدت على نسبة كبيرة من الشباب بما يجعلها فرصة لإثبات قدراتهم الإدارية فى هذا المنصب الحيوى والمهم. ويضيف أن الاعتماد على الشباب سوف يفتح المجال للاعتماد على شباب مثلهم -فى حال نجاحهم- فى مواقع قيادية أخرى كما أنها ستحدد مسار انخراط الشباب فى العمل العام، فضلا عن أن الاعتماد على رجال أعمال والمنتمين للقطاع الخاص كمحافظين هو توجه جديد، لكن لابد ألا يتعاملوا مع المحافظة مثل تعاملهم مع الشركات التى يملكونها ولنا عبرة فى الوزراء من رجال الأعمال الذى تسببوا فى كوارث فى الوزارات التى تولوا مسئوليتها خاصة أن منصب المحافظ من المناصب الصعبة التى يشكل فيها الاحتكاك مع المواطنين الجانب الأكبر.