رغم تأكيد المهندس إبراهيم محلب -رئيس الوزراء- على أنه لا نية لخصخصة المستشفيات الجامعية خلال اجتماعه بداية العام الجاري بكل من وزير التعليم العالي و مسئولي المستشفيات الجامعية ورصد 500 مليون جنيه مؤخرا لتطويرها الا أن الفكرة التي يقوم عليها المشروع هو استصدار مشروع بقانون يسمح بفصل المستشفيات الجامعية عن كليات الطب و التعامل معها ككيانات مستقلة و ادخال القطاع الخاص في المشهد أثارت الجدل بين الأطباء و أساتذة الجامعات نظرا لخطورة تأثير ذلك على الخدمة المقدمة للمريض و على الأطباء في آن واحد. و قبل الخوض في تفاصيل مشروع التطوير و مشروع القانون المتعلق به لابد من الرجوع إلى أصل هذا المشروع و تاريخه حيث يعود هذا المشروع -وفقا لما كشفه وزير سابق للصحة مؤيدا للمشروع حيث يشير الى ان وزارة الصحة في عهد الدكتور حاتم الجبلي اعتمدت على شركة سمسرة انجليزية تدعي «ماكنزي» لوضع مخطط لتطوير المستشفيات الحكومية و هي الشركة التي جاءت فكرة الاعتماد عليها من قبل جمال مبارك -أمين لجنة السياسات في الحزب الوطني حينها بهدف تقييم أصول مصر التي كان من المخطط بيعها أو ما أطلق عليه وقتها «الخصخصة» و حينها قرر الدكتور هاني هلال بصفته وزيرا للتعليم العالي آنذاك الاعتماد على الشركة ذاتها لوضع مخطط لتطوير المستشفيات الجامعية و ظل مخطط «ماكنزي» هو المخطط الرئيسي في ملف تطوير المستشفيات الجامعية منذ عام 2007 و حتى الآن. أما تفاصيل المشروع فتتضمن أن تصبح كل مستشفى جامعي وحدة مستقلة فنيا و ماليا تحت اشراف رئيس الجامعة و هو بذلك يلغي تبعيتها لعميد كلية الطب بالجامعة على أن يتم تشكيل مجلس أعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالى وعضوية ممثلين عن كل من وزارات الصحة والتخطيط والمالية 7 من رؤساء الجامعات يصدر بعضويتهم قرار من وزير التعليم العالى لمدة ثلاث سنوات بالتناوب بين الجامعات، وأمين المجلس الأعلى للجامعات و 3 ممثلين عن القطاع الطبى يصدر بتعينهم قرار من وزير التعليم العالى لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وخمسة من المديرين التنفيذيين للمستشفيات الجامعية يصدر بشأنهم قرار من وزير التعليم العالى لمدة ثلاث سنوات، وذلك بالتناوب بين الجامعات ولرئيس المجلس دعوة من يرى دعوته لحضور جلسات المجلس للاستماع لوجهة نظره فى موضوع أو أكثر دون أن يكون له صوت معدود فى الاقتراع على القرارات. و يستحدث المشروع نظام التعاقد مع الأطباء حيث يقضي بالتعاقد مع ما تحتاجه كل مستشفى فقط و تشكيل مجلس أمناء لمستشفيات كل جامعة على حده و تشكيل مجلس إدارة للمستشفيات الجامعية بكل كلية أو معهد يكون لكل مستشفى جامعى و يستحدث كذلك فتح حساب خاص لكل مستشفى جامعي بالبنك الذى يحدده مجلس الأمناء بالجامعة بالعملتين المحلية والأجنبية، وتتكون موارده من مقابل الخدمات التى تؤدى للغير، والتبرعات التى يقبلها مجلس الأمناء وعائد استثمار الأموال الخاصة بالمستشفى، ومقابل العلاج بأجر وفقا لما يحدده المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، والمصروفات الإدارية المقررة ويصدر المجلس الأعلى لائحة تنظيم كيفية الصرف من هذين الحسابين. هل هى خصخصة؟ الاعتماد على القطاع الخاص لم يرد صراحة في مشروع القانون لكن آلياته و أسسه تمت مناقشتها في الاجتماعات الخاصة بدراسة المشروع بمعرفة المجلس الأعلى للجامعات باعتباره الأداة التنفيذية لهذا المشروع و آلياته حيث كشف المصدر للأهرام الاقتصادى ان الاتجاه الحالي ينصب على اشراك القطاع الخاص و المستثمرين في تقديم الخدمة الطبية بهذه المستشفيات و الاتجاه لبيع المستشفيات ذات الطابع الخاص كمستشفى قصر العيني التعليمي «الفرنساوي» و مستشفى عين شمس التخصصي باعتبارها كيانات تحقق خسائر كبيرة عاما تلو الآخر. ووفقا للبيانات المعدة من قبل المجلس الأعلى للجامعات فان عدد المستشفيات الجامعية زاد من 72 مستشفى عام 2010 إلى 88 مستشفى حاليا تتبع أكثر من 17 جامعة وتضم حوالي 30 ألف سرير و تخدم ما بين 15 و 16 مليون مريض سنويا و تتحمل هذه المستشفيات نسبة 65٪ من الخدمة الطبية لمستشفيات المستوى الثالث في الخدمة الصحية و هي المستشفيات العامة و الجامعية و التعليمية و أن القانون الحاكم لعمل المستشفيات الجامعية لم يصبه التطوير منذ عام 1964 أي منذ أكثر من 50 عاما و يخصص لتلك المستشفيات من ميزانية الدولة ما يقارب 3 مليارات جنيه سنويا و هو تمويل لا يغطي سوى 60٪ فقط من احتياجاتها. مشروع التطوير المطروح في مقابل وضع المستشفيات الجامعية الحالي أثار استياء العديدين من المهتمين بالشأن الطبي و على رأسهم نقابة الأطباء و التي أصدرت بيانا رفضت فيه مشروع القانون معتبرة إياه يؤسس لإلغاء مجانية الخدمة الصحية خاصة للطبقات الفقيرة ماديا و أن المشروع لم يذكر من قريب أو من بعيد دور الدولة في دعم المستشفيات كما أن النص على التعاقد مع الأطباء الذي تحتاجهم المستشفيات فقط سيفتح باب المجاملات و المحسوبية في الاختيار و أن الخدمة الطبية المقدمة سوف تصبح تدريجيا خدمة بأجر بدلا من كونها مجانية. على جانب آخر يقول الدكتور خالد سمير -عضو مجلس نقابة الأطباء و الرئيس الأسبق للجنة تطوير المستشفيات الجامعية و من المؤيدين لخصخصة المستشفيات الجامعية- أن الاتجاه لبيع المستشفيات ذات الطابع الخاص اتجاه مطروح بالفعل في مناقشات مشروع القانون معتبرا أن ذلك سوف يعمل على تحسين الخدمة الطبية المقدمة بهذه المستشفيات مقارنة بالوضع الحالي خاصة أنها تواجه مشكلات عديدة منها أنها محملة بستة أضعاف حاجتها بالنسبة للعاملين بالهيكل الاداري و الذي تم التعيين فيه باسلوب الواسطة و المحسوبية لسنوات طويلة كما أن الدعم المخصص لها من الدولة سنويا و المقدر ب50مليون جنيه قد توقف منذ 3 سنوات معضلة التمويل لكن سمير يرى أن مشروع القانون المطروح للنقاش حاليا به العديد من أوجه القصور و الخلل على رأسها أنه لم يتطرق أصلا للمشكلات التي تعاني منها هذه المستشفيات على أرض الواقع و التي تشمل أزمة التمويل حيث يؤكد أنه لا يوجد حاليا علاج مجاني بهذه المستشفيات لأن الخدمة تقدم محملة على نظام تأمين صحي أو قرارات العلاج على نفقة الدولة و هذا يعني أن هناك مقابل يتم دفعه مشيرا إلى أن ميزانية المستشفيات الجامعية تندرج ضمن المخصص للتعليم العالي و الجامعات و التي اذا قارناها بميزانية الصحة نجد أنها لا تتعد 4٪ من الميزانية المخصصة للمجال الصحي في مصر و هي نسبة ضئيلة جدا رغم أن هذه المستشفيات تقدم أكثر من 50٪ من الخدمة الطبية على مستوى الجمهورية و 70٪ من الخدمة الطبية في التخصصات الدقيقة. و يضيف أن الجامعات ذاتها تريد التخلص من مسئولية هذه المستشفيات حيث إنه مع تحقيقها خسائر سنوية أصبحت الجامعات ملزمة بدعمها سنويا و هو ما يحملها عبئا ماليا كبيرا كما أن العلاج بمقابل و الذي يترجم في صورة العلاج الاقتصادي أو التأمين الصحي أو العلاج على نفقة الدولة تتم من خلال تعاقدات بأسعار بخسة تقل بكثير عن سعر التكلفة فيكفي مثلا أن يعلم القارئ أن التأمين الصحي يخصص مبلغ 6 آلاف جنيه لعملية القلب في حين أن تكلفتها تبدأ من 20 الف جنيه و تصل إلى نصف مليون جنيه. و يشير سمير إلى من أهم الأزمات بهذه المستشفيات هو حالة المنشآت والأجهزة الطبية فهناك مستشفيات منشأة منذ أكثر من 60 عاما تعاني مبانيها من التدهور الذي يجعلها آيلة للسقوط كما أن ال40 عاما الأخيرة شهدت توسعا عشوائيا بتلك المستشفيات دون مراعاة لمعايير تصميمها و مخالف لتخطيطها العام و يكفي أن أقول إنه توجد مستشفيات غير صالحة للاستخدام من الأساس في الوقت الراهن. أما عن الأجهزة؛ فيوضح أنه رغم أن هذه المستشفيات تضم أحدث و أغلى الأجهزة الطبية إلا أنه نظرا لنقص التمويل فإنه لا توجد صيانة لهذه الأجهزة نظرا لأن عقود الصيانة تتكلف ملايين الجنيهات سنويا . فيما يصف الدكتور عاطف مرسي -رئيس أقسام العظام بمستشفيات جامعة بني سويف- مشروع القانون بالغريب خاصة فيما يتعلق بفصل المستشفيات الجامعية عن كليات الطب فهي بذلك تجرد المستشفيات من عنصر قوتها و هم أساتذة الطب كما أن نظام التعاقد هو أمر غريب أيضا من وجهة نظره خاصة وأن الأطباء بالمستشفيات الجامعية لا يتقاضون أجرا عن عملهم بها ،فراتب الطبيب بأي جامعة يعادل أجر أي عضو هيئة تدريس في اي كلية و التعاقد يعني توفير ميزانية لتنفيذه و هي ميزانية غير موجودة على أرض الواقع ما يعني أن اللجوء للقطاع الخاص أمر وارد جدا. و يكشف مرسي أن مجموعة من الأطباء المعارضين لفكرة المشروع نجحوا في ايصال صوتهم إلى رئيس الجمهورية المشير عبد الفتاح السيسي و هناك اتجاه لإعادة النظر في هذا المشروع في الفترة المقبلة. أما شريف سامي -رئيس هيئة الرقابة المالية- فيقول إن مشروع التطوير بهذا الشكل لا يمكن أن يرى النور و لن يتم قبوله اجتماعيا فالجدل الاجتماعي الذي دار حول استحواذ شركة «ابراج» على عدد من المستشفيات في مصر و الهجوم الشرس على ما حدث في بسكو مصر على سبيل المثال يؤكد أن مشروع تطوير المستشفيات الجامعية المطروح حاليا سيتم رفضه خاصة أنها تعالج ملايين الحالات سنويا و من أصحاب الدخول الضعيفة كما أنها مقر تدريب خريجي كليات الطب.