تتمتع سويسرا بنظام مالى مستقر ،ولكن فى عام 2011 وخلال أزمة ديون منطقة اليورو تحولت إلى ملاذ آمن للمستثمرين. ومع تدفق الأموال عليها ارتفع الفرنك ليساوى مقابل اليورو بعد أن كان يساوى 0.7 يورو فى مطلع 2010 .ونظرا» لعدم رغبة أى دولة فى ارتفاع قيمة عملتها بشكل كبير هكذا خلال وقت قصير - لأنه يؤثر على تنافسية صادراتها- قرر البنك المركزى السويسرى ربط الفرنك باليورو بوضع حد أدنى لسعر الفرنك مقابل اليورو وذلك عن طريق طبع الفرنكات وشراء اليورو . ولكن فجأة وبدون أى مقدمات ومع كل ما يصاحبه من مخاطر اتخذ البنك المركزى السويسرى قراره الصادم قبل أيام بوقف العمل بالحد الأدنى مبررا» ذلك بأن مبالغ اليورو فى محفظته تحولت إلى عبء لا سيما مع استشعار مزيد من التراجع فى قيمة اليورو فى ظل توقعات بقيام المركزى الاوروبى بخطته المرتقبة للتيسير الكمّى أو شراء الأصول خلال أيام مما يعنى مزيدا من الانخفاض فى اليورو وارتفاع تكلفة ربط الفرنك به. القرار أثار ردود فعل دولية واسعة النطاق مع انتشار مخاوف من انعدام الثقة فى قرارات البنوك المركزية . التداعيات الفورية كشفت عن طبيعة المفاجأة التى أحدثها القرار حيث ارتفع الفرنك السويسرى 40٪ وانخفضت الأسهم الأوروبية 10٪ قبل أن تتعافى قليلا» كما هبطت أسواق الأسهم الأمريكية أيضا . وتكبد اليورو أكبر خسائره اليومية على الإطلاق أمام الفرنك السويسرى عندما هبط بأكثر من 18 ٪ التداعيات كشفت أيضا أن العامل الأساسى وراء بقاء اليورو قويا خلال السنوات الثلاث الماضية كان مشتريات المركزى السويسري. الفاينانشال تايمز نقلت مخاوف المحللين بأن تأثيرات القرار ستكون أكبر من التحولات الاقتصادية والمالية التى ستشهدها سويسرا وقولهم انه مبدئيا ستثير مخاطر حدوث عدم استقرار فى منطقة اليورو التى تعانى تحديات الانكماش وتباطؤ النمو الاقتصادى حيث يتنافى القرار مع مهمة البنوك المركزية بتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار لدعم النمو الاقتصادي. وتقدر خسائر المصدرين السويسريين بنحو 5.75 مليار دولا وفقا لتقديرات بنك «يو بى إس» أكبر بنك فى سويسرا.وعلى سبيل المثال ، أسعار الساعات سترتفع بنسبة 15٪، وهو ما يُمثل ضربة للشركات . ومن جانبه رأى كبير الخبراء الاقتصاديين لدى «أليانز» محمد العريان أن تداعيات القرار سوف تتجاوز حدود سويسرا مع صعوبة تهدئة الأسواق المضطربة لاسيما وأنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على البنوك المركزية لإنقاذ الأسواق . وقال العريان إن الخطوة التى اتخذها المركزى السويسرى قبل ثلاث سنوات بفرض حد أقصى على سعر الفرنك أمام اليورو والبالغ 1.2 فرنك لليورو كان الغرض منها حماية البلاد من أزمة ديون منطقة اليورو. هذا الإجراء «الاستثنائى « والمؤقت وفّر حماية للاقتصاد السويسرى من أضرار جسيمة، وقد نجح الاقتصاد فى الاستفادة من هذه المرحلة للتكيّف مع الوضع الجديد». لكن الإدارة الناجحة لأزمة الديون من البنك المركزى الاوروبى لم تسفر عن سياسة شاملة لدعم النمو الاقتصادى ،ومع فشل المؤسسات الأوروبية الاخرى فى القيام بما يجب لتعزيز النمو كان على البنك المركزى الأوروبى مرة أخرى أن يتولى زمام الأمور وفى ظل توقعات بتحركه فى الأيام المقبلة وكذلك اتساع الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة ،سواء بالنسبة للأداء الاقتصادى أو مستقبل سياساتها، شعر البنك المركزى السويسرى بضرورة حماية البلاد من التدهور المتوقع فى اليورو ومن زيادة التدفقات الرأسمالية الواردة مرة أخرى. فالواقع انه فى الفترة الأخيرة انخفضت قيمة اليورو بشكل كبير مقابل الدولار الأمريكي، ما أدّى بدوره إلى إضعاف قيمة الفرنك السويسرى مقابل الدولار أيضا، إزاء هذا الوضع، خلص البنك المركزى السويسرى إلى أنه لم يعد هناك أى مبرّر للإبقاء على سعر صرف الحد الأدنى للفرنك مقابل اليورو، وذلك مع نمو الميزانية العمومية للبنك المركزى السويسرى إلى مستويات غير مسبوقة تقترب من حجم اقتصادها ،86٪من الناتج المحلى الإجمالى مقارنة ب 60٪ فى اليابان و25٪ فى الولايات المتحدة). والأهم فى رأى العريان بالإضافة إلى خسائر الرفع المالى التداعيات السياسية لقادة الدول الرئيسية مثل ألمانيا ،النمسا ،فنلندا وهولندا. ومما حذر منه الخبراء تأثير التحركات السويسرية على الرهون العقارية بالفرنك السويسرى فى دول أوربا الوسطى والشرقية التى ينتشر بها الاقتراض بالفرنك فهى مقبلة على كارثة وذلك مثل المجر حيث سترتفع تكلفة سداد القروض على الأسر. من ناحية أخرى أشار البنك المركزى السويسرى إلى أنه إزاء اتساع دائرة الاختلاف فى السياسات النقدية المتبعة فى مناطق العملات الرئيسة على المستوى العالمى بشكل ملحوظ، من المرجّح أن يكون الاتجاه الذى ستكون عليه الأوضاع فى المستقبل أكثر وضوحا». كذلك أعلن البنك أنه أقدم على تغيير النطاق المستهدف بالنسبة لسعر الفائدة على القروض بين البنوك المحددة بثلاثة أشهر إلى الاتجاه السالب أكثر من قبل ليكون بين (1.25 -) و (0.25 - ) بعد أن كان هذا النطاق يتراوح بين (0.75 - ) و (0.25). فى نفس الوقت، خفّض البنك سعر الفائدة على أرصدة حساب الودائع المنظورة التى تتجاوز عتبة الإعفاء 0.5٪ لتصبح (0.75 -)٪. وأرجع البنك خفضه لأسعار الفائدة بشكل كبير لرغبته فى ضمان ألا يؤدى التخلّى عن سعر صرف الحد الأدنى إلى «تشديد غير مناسب للأوضاع النقدية». وأشارت إفلين فيدمر شلومبف، وزيرة المالية السويسرية إلى أن البنك المركزى السويسرى سيواصل القيام بعمله من أجل إيجاد وضع نقدى يجنّب البلاد التضخّم او الانكماش، بما يسمح بتحقيق تنمية اقتصادية مستقرة فى المستقبل. مع ذلك، ساد القلق فى الدوائر الاقتصادية السويسرية «لبقاء قيمة الفرنك السويسرى مرتفعة بشكل مبالغ فيه إلى درجة تعجز فيه الصادرات والسياحة عن التكيّف بسرعة مع الوضع الجديد، لاسيما مع اضطرار العديد من القطاعات الاقتصادية إلى الحد من نشاطها. لاسيما وان الانخفاض الجديد لأسعار الفائدة سوف يسبب مشاكل للجهات التى توفّر الخدمات المالية. وقال العاملون فى البورصة إن قرار المركزى السويسرى قد أثار خوف وانزعاج المستثمرين لأنه يزيد من احتمال حصول خطوات أخرى غير منتظرة او متوقّعة، تتخذها هذه المرة بنوك مركزية أخرى. ومن المتوقع أن يطلق البنك المركزى الأوروبى خطة للتيسير الكمّى (سياسة نقدية غير تقليدية تستخدمها البنوك المركزية لتنشيط الاقتصاد عندما تصبح السياسة النقدية التقليدية غير فعالة) فى الأيام المقبلة وبالتزامن مع الانتخابات فى اليونان، وهو ما سيجعل من الصعب جدا على البنك السويسرى فى تلك الحالة تكديس اليورو، لذلك تخلى البنك عن سعر الصرف الأدنى، وخفّض من معدّلات الفائدة إلى أقصى حد ممكن فى الاتجاه السالب. )ما سيدفع الى التفكير قبل إيداع أموال بالفرنك فى البنوك السويسرية). وقال محلل الأسواق المالية بصحيفة «الفاينانشال تايمز»، مايكل ماكينزى إن المركزى السويسرى قد اتبع قواعد اللعبة الكلاسيكية التى تمارسها جميع البنوك المركزية عندما يتعلّق الأمر بسوق العملات: الصدمة والرعب. وفى الدقائق القليلة التى أعقبت الإعلان عن القرار اهتزّت المعادلة الماضية فى العلاقة بين الفرنك واليورو بشكل كبير ليتم تداول اليورو الواحد مقابل 0.80 فرنك قبل أن تتقلّص تلك المكاسب لتصل إلى 1.03 لاحقا،لتظل أسعار الصرف الآلية الوحيدة لامتصاص الصدمات. يتوقع بنك «يو بى اس» نمو الاقتصاد السويسرى بمعدل 0.5٪ هذا العام مقارنة ب 1.8٪ المقدرة سابقا . ومن المتوقع أن يكون النمو ما بين 1.9 إلى 2.0 ٪ فى عام 2014، (من المقرر أن تعلن وزارة الاقتصاد الأرقام الرسمية فى مارس المقبل). ومن المعروف إن «الفرنك» ما زال هو العملة الثانية فى التبادلات التجارية فى منطقة اليورو.