من خلال متابعتى للآراء والتحقيقات الصحفية، وبين الأحاديث والتصريحات التى أدلى بها السيد وزير الاستثمار حول قانون الاستثمار الذى يجرى إعداده، والذى لم يتضح بعد هل هو قانون جديد أم تعديل عاشر للقانون الحالى، خرجت بانطباع أن الشباك الواحد فى رأى السيد الوزير هو العلاج الناجع والوحيد لتحسين مناخ الاستثمار. ورغم ما تضمنه مقالى المنشور بالعدد الماضى تحت عنوان »الاستثمار .. وأوهام الشباك الواحد« وأن تفعيل هذا النظام لن يتم من خلال قانون جديد، بدليل أن الباب الرابع الذى أضيف إلى قانون الاستثمار الحالى بمقتضى القانون رقم 13 لسنة 2004 تحت عنوان تيسير إجراءات الاستثمار وتفعيل نظام الشباك الواحد لم يحقق الأهداف المنشودة رغم ما تضمنه هذا القانون من إعطاء سلطات وصلاحيات واسعة للهيئة، ورغم أنه قد سبق صدور هذا القانون قرار رئيس الجمهورية رقم 79 لسنة 2002 بتاريخ 15 إبريل 2002 بإنشاء مجمع خدمات الاستثمار بالهيئة لتقديم جميع خدمات الاستثمار مثل الموافقات والتصاريح والتراخيص اللازمة لإنشاء وإدارة وتشغيل المشروعات الاستثمارية من خلال نافذة واحدة تسمى (مجمع خدمات الاستثمار) ينشأ بالهيئة العامة للاستثمار.. ويتم تقديم هذه الخدمات فى مكان واحد تشترك فيه سائر الوزارات والجهات المنوط بها ذلك طبقاً للقوانين والقرارات المنظمة لاختصاصاتها وتحت إشراف الهيئة دون غيرها. وتنفيذاً لهذا القرار الجمهورى صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 636 بتاريخ 17/4/2002 بنظام العمل بالمجمع المذكور الذى تضمن أن يصدر الوزراء المختصون كل فيما يخصه قرارا بتفويض ممثل الوزارة بمجمع خدمات الاستثمار بالموافقة على أو اعتماد أى قرارات أو إجراءات أو مستندات أو عقود يلزم الحصول عليها من الوزير المختص لإنهاء تقديم خدمات الاستثمار التى تدخل فى اختصاصات الجهات التابعة للوزارة، وكذلك الأمر بالنسبة لجميع الهيئات والجهات الأخرى المختصة. وقد تضمن هذا القرار النظام المقترح وحدد الممثلين المفوضين عن الوزارات المختلفة وعددهم 37 مفوضا، 43 مسئول اتصال.. ولم يترك قرار رئيس الوزراء جهة أو وزارة أو هيئة إلا ولها إما مفوض أو مسئول اتصال وعلى سبيل المثال فإن وزارة النقل كان لها ثلاثة مفوضين عن قطاع النقل البحرى، والهيئة العامة للطرق والكبارى، والهيئة القومية للأنفاق، وكذا ثلاثة مسئولى إتصال عن الهيئة العامة للنقل النهرى ومصلحة الموانى والهيئة المصرية العامة للطيران المدنى..!! ولم يحدث أن تحقق تيسير يذكر رغم صدور قرار رئيس الجمهورية وقرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليهما، الأمر الذى حدا بالدولة إلى إصدار القانون رقم 13 لسنة 2004 بعنوان تيسير إجراءات الاستثمار الذى أشرت إليه تفصيلا فى مقالى بالعدد الماضى وقلت إنه جعل من هيئة الاستثمار دولة داخل الدولة.. ورغم ذلك لم يتحقق الهدف المستحيل الذى نجرى خلفه وهو ألا يتعامل المستثمر إلا مع هيئة الاستثمار مهما كانت طبيعة نشاطه (صناعى أو زراعى أو سياحى) ودون أن يعاين بنفسه موقع المشروع الذى يرغب فى إقامته والمساحة المخصصة له وما تتطلبه طبيعة النشاط من ضرورة الحصول على موافقات من وزارات أو هيئات مختصة لها قوانينها وإجراءاتها، بل إن السيد وزير الاستثمار صرح أن نظام الشباك الواحد أحد الأعمدة الرئيسية وأنه تم الاتفاق مع مجموعة من البنك الدولى تتولى تصميم دليل مبسط للإجراءات كأداة من أدوات الترويج للاستثمار فى مصر، وأن التكنولوجيا المستخدمة فى هذا المجال تتم بناء على تصميم نظام الكترونى للربط بين الشباك الواحد بالهيئة العامة للاستثمار وثلاثة مستويات حكومية هى الوزارات والمحافظات والمحليات وصرح فى حوار تليفزيونى أنه تم حصر 78 جهة يتعامل معها المستثمر، وذلك لتفعيل النظام بكفاءة تجعل المستثمر ينهى جميع محاولاته من خلال جهة واحدة ودون التعامل مباشرة مع الموظفين. نحن إذاً ندور فى حلقة مفرغة منذ عام 2002 وحتى الآن عن تفعيل نظام الشباك الواحد وأنا لست ضد ما يتمنى السيد وزير الاستثمار تحقيقه، وأتمنى أن ينجح فى ذلك رغم كل التجارب والقوانين والقرارات التى صدرت فى هذا الصدد . لكنى أرجو ألا يكون الهدف من القانون الجديد أو تعديل القانون الحالى هو تفعيل نظام الشباك الواحد دون أن يكون الهدف الأسمى هو تحديد المجالات التى نرغب فى جذب الاستثمارات إليها وأيضا تحديد الأولويات وأن تكون هناك حوافز أو إعفاءات ضريبية تتفق مع أهداف التنمية الاقتصادية التى نرغب فى تحقيقها لمواجهة البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية. ما الذى سوف يتضمنه القانون الجديد لتنمية محافظات الجنوب، وهل سوف نبقى على قانون المناطق الاقتصادية الخاصة.. وهل سوف نترك مواد القانون الخاصة بالمناطق الحرة كما هى دون أن نعالج التضارب بين القانون واللائحة التنفيذية ودون أن نرسم سياسة جديدة لنوعية الأنشطة التى تتمتع بمزايا المناطق الحرة.. والرسوم المقررة التى تخضع لها هذه المشروعات، وهل سيأخذ القانون فى اعتباره المجالات والأنشطة المرتبطة بتنمية محور قناة السويس. وقبل ذلك وبعده هل انتهينا إلى تنقية التشريعات القائمة ذات الصلة بتحسين مناخ الاستثمار.. وهل أخذنا فى الاعتبار الأسباب التى أدت إلى تراجع ترتيب مصر فى تقرير التنافسية الدولية . هناك تحديات كثيرة ينبغى أن نتصدى لها قبل أن يكون التحدى الوحيد هو تفعيل نظام الشباك الواحد !