تعاود مصر بزيارة الرئيس إلى الولاياتالمتحدة فتح أحد أهم ملفات العلاقات الخارجية التى حظيت باهتمام الرئيس منذ ولايته، فالمتابع لحركة السياسة الخارجية المصرية يلحظ أن مصر فردت أجنحتها على جميع اتجاهات مصالحها: من أندونيسيا والصين فى الشرق إلى البرازيلوالولاياتالمتحدة فى الغرب، ومن روسيا شمالا إلى جنوب أفريقيا جنوبا، وفى القلب من تلك السياسة يقف الوطن العربى ودول حوض النيل الأفريقية. وبعد الظهور الواضح والمشرف فى القمة العربية واستعراض الصمود والتضامن بل المودة، صار هناك موقف مصرى محدد تسانده غالبية عربية عريضة، فجاءت زيارة الرئيس للولايات المتحدة فى وقت جيد لتتواصل القيادة المصرية مع قيادة جديدة للبيت الأبيض تحتاج منا للاقتراب والشرح والإيضاح والبحث عن دوائر مشتركة للمصالح وتجنب احتمالات الاختلاف والفرقة. والعلاقات المصرية الأمريكية ليست وليدة اليوم، وهى تعتمد على تقدير كل طرف لأهمية الطرف الآخر لتعزيز السلام والأمن والاستقرار والتنمية، كل فى مجاله الإقليمى والعالمى، بالرغم من الجمود الذى أصاب تلك العلاقات منذ ثورة يونيو 2013 نتيجة عجز إدارة الرئيس أوباما عن استيعاب هذا التطور، فإذا برئيس أمريكى جديد يتولى، وهو لا تنقصه الشجاعة، ولكن يحتاج للمزيد من الخبرة، ومن هنا جاءت الزيارة فى وقت مبكر لكى تخط القيادتان معا خريطة العمل للمرحلة القادمة من العلاقات على أسس من المصارحة والوضوح. فى السياسة والأمن: برزت فى دائرة اهتمام القمة ملفات سياسية وأمنية، وأخرى اقتصادية ناقشها رئيس مصر مع الرئيس الأمريكى، وتصدرت الفئة الأولى خمسة ملفات: مكافحة الإرهاب، حيث توافقت رؤى الجانبين حول قيام جبهة موحدة للتصدى للإرهاب بكل السبل، وكشف العباءة التى خرجت منها التنظيمات الإرهابية فى المنطقة. وضع حقوق الإنسان والموقف المصرى فى العمل على التوازن بين استقرار الأمن وبين ممارسة الحريات، وعدم الترحيب بازدواجية المعايير فى التعامل مع الموضوع، وتفهم الرئيس الأمريكى لأن الاستقرار والنمو الاقتصادى يشكلان دعامة حقوق الإنسان والإصلاح الديمقراطى. مشكلة فلسطين والسلام العربى/ الإسرائيلى، والحاجة لبناء الثقة فى مستقبل عملية السلام، وحقوق الشعب الفلسطينى، أخذا فى الاعتبار بتجارب الدول التى دخلت مع إسرائيل بالفعل فى اتفاقيات للسلام. وقد استبق الرئيس السيسى الزيارة فجدد تأكيده لموقف مصر من حقوق الفلسطينيين أمام القمة العربية فى الأردن. أزمات سورية وليبيا واليمن واقتراب الموقفين المصرى والأمريكى فى أن الهدف هو بقاء سوريا موحدة، بغض النظر عن الموقف من الرئيس السورى. أمن الخليج العربى ووضع إيران وتوجهاتها التوسعية، واحتمال قيام الولاياتالمتحدة ودول المنطقة بتشكيل جبهة لتأمين مياه الخليج والبحر الأحمر. كشف الحساب الاقتصادى ويأتى الملف الاقتصادى وإيجاد السبل لزيادة تدفقات الاستثمار واستعادة حجم التجارة بين البلدين لسابق تطورها. ومن المطلوب ولعله من الواضح أن تسفر الزيارة عن توثيق العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وواشنطن، وقد برزت فى مقدمة اتصالات الرئيس الاتجاهات التالية: شملت المباحثات تعظيم سبل عودة التجارة المصرية الأمريكية لمعدلاتها التى كانت قد بلغتها بنحو 7 مليارات دولار صادرات أمريكية (2010)، وتراجعت إلى المركز الثالث بنحو 3.5 مليار صادرات، نتيجة تعثر إدارة الرئيس “أوباما” فى فهم الوضع فى مصر. وصارت الشريك الوحيد بين كبار شركاء مصر التجاريين الذين لا تربطهم اتفاقية للتجارة الحرة، بعد أن كانت أمريكا الشريك التجارى الأول لمصر. فى حين صارت تجارة مصر محررة مع كل من المنطقة العربية والاتحاد الأوروبى والكوميسا الأفريقية. وحان الوقت كى تواصل مصر مطالبتها بعقد اتفاق للتجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة، أسوة باتفاقات أمريكا مع كندا والمكسيك (النافتا) ومع كل من الأردن والمغرب وعمان وإسرائيل. مقابلات السيد الرئيس لرجال الأعمال وبغرفة التجارة الأمريكية التى تصدرتها مقابلاته مع رئيس شركة “جنرال إليكتريك” العملاقة. ولها خبرة فى مصر فى قطاعات السكك الحديدية والكهرباء والطاقة، ورئيس شركة “لوكهيد” وهى من كبار منتجى السلاح فى العالم. وكذلك رئيس شركة “بوينج” للطيران وأبحاث الفضاء. وتلقى هذه اللقاءات بمسئولية كبيرة على الحكومة المصرية للانتهاء من تقديم قانون جاذب للاستثمار والعمل على ترقية وتنقية مناخ الاستثمار فى مصر، فهذا النوع من الشركاء لن يتحمل التعامل مع بيروقراطية الإدارة الحكومية. تشجع الزيارة الشركات الأمريكية على زيادة استثماراتها بالسوق المصرى، بهدف تعزيز العلاقات فى المجال الاقتصادى، والنهوض الاقتصادى فى مصر، وصار هناك اعتقاد لدى قطاعات أمريكية عديدة بأن مصر تعد شريكا اقتصاديا مهما. مقابلة المدير التنفيذى للبنك الدولى الذى أكد أن مصر اتخذت خطوات جيدة وشجاعة فى طريق الإصلاح الاقتصادى، وأن البنك يدعم مصر وسوف يواصل دعمها، الأمر الذى يكمل مساندة صندوق النقد الدولى لمصر. وكلاهما قدم عمليا رسالة وشهادة ضمان لنجاح سياسات الإصلاح وهو عامل مشجع للمستثمر فى مصر ولكل من يقدم لها ضمانات تجارية للسوق المصرى. والنتيجة: لقد تأكد الآن أن العلاقة بين الدولتين ترتكز على أساس سليم وقوى، يقوم على المصالح المشتركة. فمنذ انتخاب “ترامب”، ارتفع سقف التوقعات، حيث يركز الرئيس الأمريكى على ملف مكافحة الإرهاب، وهو الملف الذى يمثل أولوية بالنسبة لمصر. كما أن زيارة الرئيس المصرى لواشنطن، ستمهد الطريق لبناء علاقة بين البلدين، ترتكز على المصالح المشتركة واحترام السيادة الوطنية وتعزيز التواصل بين المؤسسات الرسمية والشعبية بالبلدين، إذ توجد مصلحة استراتيجية أمريكية فى دعم جهود مصر ضد الإرهاب والتطرف، وتعد مصر ركيزة أساسية لأى تحالف إقليمى يهدف إلى مكافحة الإرهاب أو بناء كيانات اقتصادية فى منطقة الشرق الأوسط. وتعد الزيارة انتصارا مهما للرئيس السيسى الذى اكتسب الاحترام الدولى والإقليمى، وأحدث تحولا فى تصور الولاياتالمتحدة والغرب لمصر وباقى دول الشرق الأوسط، كما كسب مؤخرا المزيد من الاستحسان للإصلاحات الاقتصادية. * مساعد وزير الخارجية السابق