تسببت مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في إحداث هزة لبروكسل فضلا عن إرسال موجات صدمة إلى مختلف أنحاء العالم . ومع ذلك ، فإن البعض لا يزال يقول إن خروج بريطانيا قد يجعل العقول والأذهان الأوروبية تركز على الحاجة للإصلاح وإعادة إنعاش التكتل وإخماد القوى الشعبوية. وبعد أن شرعت بريطانيا رسميا مفاوضات مغادرة الاتحاد الأوروبي في 29 مارس الماضى ، بدأ فهم وإدراك واقع المشاحنات المطولة حول بنود الخروج ، مما أضاف المزيد من الغيوم إلى الأفق المضطرب بالفعل في الاتحاد الأوروبي. ولكن هل يمكن للضغوط الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن تفيد هذا التكتل ؟ ... وجاءت الإجابة على لسان شتافان لينه، وهو باحث زائر في معهد "كارنيجي يوروب " ومدير عام سابق للشئون السياسية في الوزارة النمساوية للشئون الأوروبية والدولية ، الذى يقول إنه يعتقد فى ذلك. وقال لينه " مع قليل من الحظ ، أعتقد أن الاتحاد الأوروبي قد يكون على طريق أفضل عندما يحين وقت خروج المملكة المتحدة". وأضاف :"سوف يبقى في ذلك الوقت 27 عضوا ، ولا أرى أي دولة أخرى تحذو حذو المملكة المتحدة". وتحاكي تعليقات شتافان لينه تصريحات رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الذي قال في 29 مارس إن :" فى الأمر مفارقة ...هناك شيء ما إيجابي" في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقال إن :"خروج بريطانيا يجعلنا ،نحن التكتل الذى سيضم 27 عضوا ، أكثر إصرارا وأكثر توحدا عن ذي قبل". وهناك حاجة ماسة للوحدة بين الأعضاء ال27 الباقين ، حيث لايمثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى سوى عاملا واحدا من بين العديد من الضغوط المتزايدة على الاتحاد الأوروبي. ويواجه التكتل أزمة داخلية على خلفية تزايد خطر الإرهاب والمشكلات المالية في منطقة اليورو وعدم التضامن بشأن أزمة المهاجرين ، وهي عوامل ساهمت جميعها في زيادة الاتجاه الشعبوي المتشكك في الاتحاد الأوروبي داخل الدول الأعضاء. ومن الخارج ، يتعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط ناتجة عن عدم القدرة على التنبؤ بخطوات روسيا وبسبب ضعف العلاقات مع الولاياتالمتحدة بعد تولي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة. واعترف قادة الدول ال27 الباقية فى الاتحاد بهذه "التحديات غير المسبوقة" خلال قمة عقدت في روما الشهر الماضي عندما احتفلوا بالذكرى السنوية الستين لمعاهدة تأسيس الاتحاد الأوروبي ، وتعهدوا بمواجهة هذه القضايا من خلال "قدر أكبر من الوحدة والتضامن". وقال لينه إن خروج بريطانيا ،الذي دفعت إليه أصوات شعبوية مناهضة للاتحاد الأوروبي، وانتخاب ترامب الذي أطلق على نفسه اسم "السيد بريكست" خلال فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، كانا لهما تأثيرا واقعيا ، على نحو فعلى ، على مواطني الاتحاد الأوروبي. وذكر لينه إن :"صدمة انتخاب ترامب وبريكست أعادتا الناس إلى التيار السائد". وأشار إلى أن الأوروبيين يقومون حاليا بتقييم الفوائد العائدة عليهم من الاتحاد الأوروبي ، وهو ما قال لينه إنه كان واضحا في الدعم الذى جاء أقل من المتوقع لليميني المتطرف الشعبوي خيرت فيلدرز في الانتخابات الهولندية. وأضاف لينه :"قبل الانتخابات الهولندية، كان كل شيء كئيبا وغير سار وكانت النهاية قريبة". وأضاف "هذا الفكر السلبي والمخيف للغاية قد انتهى بالفعل" . وأشار إلى أنه "بقليل من الحظ" سوف تحقق الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي انتصارات ساحقة في فرنساوألمانيا ، ما قد يؤدي إلى تجديد الحلف الفرنسي-الألماني كقاطرة للاتحاد الأوروبي. ويشار إلى أن التعاون بين برلين وباريس قد توقف في الأعوام الأخيرة ، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى الخلافات في النهج إزاء أزمات منطقة اليورو. وفي حين دعت ألمانيا إلى قواعد وضوابط أكثر صرامة بشأن عجز الميزانية، دافعت فرنسا عن زيادة المرونة والاستثمار. وذكر شتافان لينه إن التعاون الفرنسي الألماني يمكن أن يبدأ فى ادخال الإصلاحات على التكتل بحلول عام 2018 ، مما يساعد الاتحاد الأوروبي على حل قضايا مثل المشكلات المالية في منطقة اليورو، والمأزق الذي يتعلق بأزمة الهجرة. وأضاف أن الانقسامات التي خلقتها دول مثل المجر وبولندا والتي انتقدت بشكل متزايد القيادة في بروكسل واستهدفت استعادة السلطات "لن تنتهي سريعا". وقال "من حيث تصورهم لأوروبا، أعتقد أنهم غرباء -وسوف يبقون كذلك على الأرجح". وأضاف "ان التيار السائد سوف يتفهم -في بعض القضايا على الأقل- أن هناك حاجة لتعميق التكامل من أجل التحرك نحو وضع أقوى بل وحتى أكثر مركزية"