أظن أن تصريح السيد رئيس جهاز التعبئة والإحصاء بشأن وجود 10 ملايين وحدة سكنية مغلقة بالبلاد قد أضر بقضية الإيجارات القديمة بأكثر مما أفادها، مع التسليم بأهمية الرقم الذى جرى التوصل إليه عبر التعداد العام الذى يجرى إعداده حاليا فى بيان حالة أسواق العقارات فى بلادنا للاستفادة منه فى كثير من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التى تحتاج إلى معرفة تطور أسواق الإسكان لمختلف الأغراض. ووفقا لما هو متاح على موقع جهاز التعبئة والإحصاء فإن التقدير لم يشمل الحالة القانونية للوحدات السكنية المغلقة وهل هى مملوكة لأصحابها أم مؤجرة بصيغ قانونية حديثة أو هى شقق تخضع لقانون الإيجارات رقم 4 لسنة 1996 والذى يرث قانونا قديما للإيجارات صدر فى بداية الستينيات الذى أبقى على أهم بنوده، أو عيوبه، والمتعلقة بتثبيت القيمة الإيجارية ومنع الملاك من استعادة الشقق عند انتهاء عقد الإيجار، والذى أصبح ممتدا مدى الحياة بل يصح توريثه فى غالبية الحالات على نحو ما هو قائم ومعروف للجميع. التعداد كشف عن أنه حتى الآن بلغ عدد الشقق المغلقة بسبب سفر أصحابها 935 ألف شقة، و3.1 مليون شقة مغلقة لوجود سكن آخر للأسرة، فيما كشف التعداد عن أن هناك نحو 5 ملايين شقة مكتملة البناء ولكنها مغلقة برغبة من أصحابها، وأوضح التعداد أن هذه الشقق تقع ضمن 16 مليون مبنى جرى حصرها، وأنها تضم شققا لأغراض تجارية وأغراض أخرى غير سكنية . هذه كلها معلومات مفيدة بلا شك لكن محدودة القيمة فيما يتعلق بجهود تصفية عقود الإيجار المبرمة قبل صدور قانون 1996، أو بالأحرى حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضى حيث تسبب هذا التشوه فى العلاقة الإيجارية إلى عزوف الملاك عن إبرام العقود الإيجارية التقليدية، وبحثوا عن صيغ أخرى تضمن لهم تحريك القيمة الإيجارية واسترداد شققهم متى أرادوا، كما أدى التدخل التشريعى لإجبار الملاك على سريان عقود الإيجار إلى شيوع ظاهرة التمليك منذ بداية السبعينيات وتمددها لتصبح الوسيلة الاقتصادية الأساسية لامتلاك وحدة سكنية أو تجارية الآن. ومنذ منتصف السبعينيات ظهرت القضية على السطح بعدما انتبهت الدولة إلى المخاطر الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تجميد عقود الإيجار وتثبيت القيمة الإيجارية، غير أن كل محاولات البحث عن حل كانت تصطدم دائما بمحاذير تهدد السلم الاجتماعى على الرغم من الاعتراف بالمخاطر الاقتصادية لتجميد عقود الإيجار والاعتراف أيضا بالظلم الواقع على الملاك جراء هذا التجميد. قانون 1996 الذى جرى إقراره بصعوبة سمح ببناء علاقات إيجارية جديدة التى يطلق عليها مجازا القانون الجديد، الذى لم يعد جديدا الآن، ولكنه ترك العلاقة الإيجارية التى تنشأ بعد سريانه يجرى تحديدها بالتوافق بين المالك والمستأجر، وقد أصبحت هذه هى السمة القانونية التى يعتد بها منذ عشرين عاما دون وقوع مشكلات تذكر. المشكلة تكمن فى تصفية أوضاع الإيجارت قبل هذا التاريخ ومعظمها يعود للستينيات وما قبلها، وقد شهدنا مؤخرا تحركا من بعض أعضاء مجلس النواب لتعديل قانون 4 لسنة 1996 يستهدف فى الجوهر تحريك القيمة الإيجارية والحد من امتداد العلاقة الإيجارية لأكثر من جيل حيث إن العلاقة الإيجارية امتدت بالفعل لأكثر من طرف بحكم الزمن. وحتى لا يصيب الفشل محاولة أعضاء مجلس النواب كما حدث فى مرات سابقة، فإن الأمر يحتاج لتحديد كمى ونوعى لما تبقى من علاقات إيجارية قديمة، وهذا أمر يستلزم إجراء دراسة إحصائية معمقة يمكن أن يقوم بها جهاز التعبئة والإحصاء ويمكن أن تتشارك معه جهات بحثية مستقلة من الجامعات ومعاهد الأبحاث أو المركز القومى للبحوث، ويكون هدف الدراسة حصرا شاملا لما تبقى من وحدات ما زالت خاضعة لقانون الإيجار التاريخى فى القاهرة وفى كل محافظة على حدة، وأن تتضمن الدراسة الإحصائية تصنيف هذه الشقق على أساس مستوى الأحياء والحالة الاجتماعية وربطها بالدخل الشهرى والسنوى للمستأجرين. بدون إظهار هذه المعلومات والأرقام والإحصاءات فلن يكون فى وسع أى جهة التعامل مع هذه الظاهرة المرحلة منذ عقود بالطريقة الصحيحة، وسيظل هاجس تهديد السلم الاجتماعى ماثلا أمام كل من يتصدى للتعامل مع هذا الملف، فبدون معلومات محددة ودقيقة سيظل الرعب كامنا داخل الملف . بالنسبة لى لن يكون مفاجئا أن تأتى نتائج هذه الدراسة أهون بكثير من كل السيناريوهات المفزعة التى يتم الترويج لها وأن يكون عدد المتضررين الحقيقيين من تحرير العلاقة التجارية من ذوى الدخل المحدود أقل بكثير مما يروج له، وهؤلاء بعد حصرهم يمكن التعامل معهم بكرامة للحفاظ على حقهم فى السكن من خلال عدة حلول فيما يترك للملاك تحرير شققهم من المسافرين فى الخارج والمتمتعين بسكن آخر .. وغيرهم كثيرون.