تعد العقوبات الاقتصادية أحد أهم أدوات الضغط الدولى على الأنظمة السياسية الحاكمة، فيرى المجتمع الدولى فيها وسيلة أقل تكلفة من الخيار العسكرى لإجبار الدول على عدم الحياد عن الأطر الدولية المتفق عليها. وقد تعرضت العديد من دول العالم للعقوبات الاقتصادية ومن بينها العراق وكوبا وكوريا الشمالية وإيران ومؤخراً روسيا. ويختلف مدى تأثير العقوبات الاقتصادية من دولة لأخرى وفقاً لمجموعة من العوامل أهمها طبيعة وحجم العقوبات المفروضة، حجم الاقتصاد الذى تفرض عليه العقوبات الاقتصادية ومدى تنوع هيكله، بالإضافة إلى وجود حلفاء دوليين تستطيع الدولة الاعتماد عليهم للالتفاف حول هذه العقوبات. وقد عانت إيران من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها لأكثر من عقد من الزمن، فقد فرضت عليها العقوبات فى عام 2002 لاتهامها بدعم الإرهاب الدولي، ثم تجدد فرض العقوبات عليها فى عام 2006 عقب بدئها فى برنامجها النووى الذى أثار المخاوف من استخدام إيران للتكنولوجيا النووية فى الأغراض العسكرية. وقد أخذت العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران الطابع الأممى فى بعض الأحيان من خلال إقرارها من الأممالمتحدة، والطابع الفردى فى أحيان أخرى من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الاوروبى. وعلى الرغم من طول فترة العقوبات فإن العقوبات التى فرضت على إيران فى نهاية عام 2011 وبداية عام 2012 كانت هى الأقسى على الإطلاق، حيث تم منع بيع أو توريد أو نقل معدات الطاقة والتكنولوجيا المستخدمة من قبل إيران لتكرير الغاز الطبيعى وتسييله، كما تم تجميد أصول البنك المركزى الإيرانى وحظر الاتجار فى الذهب والمعادن النفيسة مع البنك والمؤسسات الحكومية الإيرانية الأخرى، بالإضافة إلى فرض عقوبات على المؤسسات المالية التى تتعامل مع البنك المركزى الإيراني، وهو ما أدى إلى إحجام الكثير من الدول عن التعامل مع إيران وبالتالى أصبح من الصعب على إيران أن تلتف حول العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وهنا تجدر بنا الإشارة إلى أن إيران استطاعت لسنوات طويلة الالتفاف حول العقوبات الاقتصادية من خلال اللجوء إلى تبادل البترول والغاز الطبيعى بالعملات المحلية للدول الأخرى أو مقايضتهما بالذهب مع دول مثل تركياوروسيا والصين، إلا أن الجولة الأخيرة من العقوبات جعلت الكثير من الشركات تحجم عن الاتجار مع إيران خشية أن تقع تحت طائلة العقوبات. وهو ما تسبب فى تراجع كبير فى أداء الاقتصاد الإيرانى فى العام المالى 2012 - 2013، حيث تراجعت معدلات النمو بدرجة كبيرة لتصل إلى 5.8%، مقارنة بنحو 3% فى العام المالى 2011 - 2012. وهو ما أثر بالتالى على معدلات البطالة التى تشير تقديرات صندوق النقد الدولى إلى وصولها نحو 12.9% فى 2013 - 2014. كما فقد الريال الإيرانى نحو 40% من قيمته فى عام 2012 وحده، وهو ما أثر بالضرورة على معدلات التضخم التى ارتفعت بصورة كبيرة لتصل فى العام المالى 2012 - 2013 إلى 30.5% مقارنة بنحو 21.5% فى العام المالى السابق. ويمكن أن يعزى جزء كبير من التدهور الحادث إلى القيود المفروضة على الصادرات البترولية الإيرانية التى تمثل نصيب الأسد من إجمالى صادراتها، حيث شكلت نحو 82% من إجمالى الصادرات الإيرانية فى العام المالى 2011 - 2012. ومن الواضح أن الرغبة فى تخفيف العقوبات الاقتصادية كانت على رأس الأسباب التى دفعت الحكومة الإيرانية للجلوس على طاولة المفاوضات مع الدول الست الكبرى، وذلك للتوصل إلى اتفاق يستطيع أن يضع حداً للعقوبات الاقتصادية التى استنزفت الاقتصاد الإيرانى لسنوات طويلة وتسببت فى تدهور أدائه. خاصة ان التدهور الاقتصادى أدى إلى تصاعد حالة الغضب العام فى إيران لدرجة خشيت معها الحكومة الإيرانية من انتقال العدوى بثورات الربيع العربى إليها. ولكن تبقى الإشارة إلى أنه حتى فى حالة التوصل إلى اتفاق يلغى العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، لن يكون ذلك بمثابة الحل السحرى لمشاكل الاقتصاد الإيرانى التى تراكمت خلال السنوات الماضية. فالاقتصاد الإيرانى يعانى من مشكلة ركود تضخمى تتطلب من الحكومة التعامل بحكمة وحذر لتحسين معدلات النمو والبطالة من ناحية وتحقيق الخفض التدريجى لمعدلات التضخم من ناحية أخرى، دون الوقوع فى فخ الإجراءات التقشفية القاسية التى أثبتت بالتجربة العملية فشلها فى إقالة الاقتصاد العالمى من عثرته. وقد يتطلب الأمر إعادة النظر فى هيكل الاقتصاد الإيرانى برمته، والعمل على تنويع مصادر النمو والحد من الاعتماد على صادرات الطاقة كمحرك للاقتصاد، التى قد تكون عرضة لصدمات مستقبلية سواء كانت اقتصادية متعلقة بانخفاض أسعار الطاقة أو سياسية متعلقة بإعادة تشديد العقوبات فى المستقبل.