اقتصاد راكد، بطالة عالية، عجز متفاقم وسيل من الانتقادات، حتى من داخل حزبه. مجرد نموذج للمشاكل - وليس من بينها استقالة الحكومة - التى يواجهها فرانسوا أولاند الذى غالبا ما يوصف بأنه أضعف رئيس فى تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة. ولكن بعد عودته من عطلة صيفية طويلة، وخلال أول اجتماع جاء اعتراف وزير المالية بانهيار الاقتصاد مع نمو صفرى خلال الأشهر الستة الماضية ليكون كافيا لإعلان حالة الطوارئ. افتتاحية صحيفة يسار الوسط اللوموند اليومية عبرت عن مشاعر الغضب التى تسيطر على المواطنين قائلة: إن الفرنسيين ينتظرون بيأس الحلول، أو إذا أمكن، نتائج، لكنهم لا يرون أيا منهما. وأضافت أن التحديات كبيرة بالنسبة إلى رئيس الدولة لكن عليه أن يجد العلاج بغض النظر عن المخاطر السياسية. ولكن على إثر تصاعد الخلافات حول الروئ الاقتصادية، قدم رئيس الوزراء مانويل فالس استقالة حكومته إلى الرئيس الفرنسى، الذى طلب منه تشكيل حكومة جديدة. فالخلاف حول الوجهة الاقتصادية وإجراءات التقشف دفع وزير الاقتصاد أرنو مونتبورغ إلى انتقاد السياسة الحالية. وقال لصحيفة لوموند: إن فرنسا تحاصرها سياسة التقشف التى تفرضها ألمانيا عبر أرجاء أوروبا وتؤدى إلى خنق النمو فيها. وكان حزب اليسار الراديكالي، وهو شريك ائتلاف صغير، مع وجود وزير واحد واثنين من وزراء الدولة فى حكومة أولاند، قد هدد بالاستقالة من الحكومة فى حال " لم يؤخذ " برأيه فى قضية الإصلاح فى المنطقة. واستقالة الحكومة عكست فى رأى وول ستريت جورنال مدى الانقسام داخل الحكومة حول السياسة الاقتصادية للبلاد. أما انتقادات مونتبور للسياسة الاقتصادية فى ألمانيا، الحليف الاستراتيجى لفرنسا، فكانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، بحسب الجاريان، التى نقلت عن رئيس الحكومة المستقيلة أنه لن يقبل أى شكل من أشكال التمرد بين وزرائه، مشيرا إلى إن وزير الاقتصاد قد تجاوز الخط الأحمر بهذه التصريحات. ولكن أولاند يعول كثيرا على حكومة فالس الجديدة لكى تعيد الأمل للفرنسيين وتقلب اتجاه البطالة، إدراكا منه أن هذه هى الفرصة الأخيرة بالنسبة له قبل الانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى 2017. كان مانويل فالس قد حذر بالفعل من أن أشهر الخريف ستكون صعبة، مع ارتفاع البطالة الى مستوى قياسى، وتزايد قلق الاتحاد الاوروبى بشأن عجز الميزانية فى البلاد. وخفضت فرنسا توقعاتها للنمو لعامى 2014 و2015 واعترفت بانها لن تفى بالمستوى المستهدف لعجز الميزانية هذا العام ملقية ببعض اللوم فى ذلك على ضعف النمو وانخفاض التضخم فى اوروبا. ولمحت الحكومة الفرنسية ايضا الى انها لن تتمكن على الارجح من بلوغ السقف الذى حدده الاتحاد الاوروبى لعجز الميزانية البالغ 3 من الناتج المحلى الاجمالى فى العام القادم. غير أن كثيرا ما دعت فرنسا الاتحاد الاوروبى الى التركيز على النمو أكثر من التقشف. مجلة بيزنس إنسايدر أشارت إلى ما تعرضت له جهود أولاند للخروج من المحنة الاقتصادية، من انتكاسة كبيرة خلال شهور العطلة الصيفية وذلك برفض المحكمة الدستورية جزءا من ما يسمى بمشروع " ميثاق المسئولية"، (هو عبارة عن اتفاق بين أرباب العمل الفرنسيين والنقابات والدولة على خفض الضرائب والبيروقراطية التى تثقل كاهل الشركات، فى مقابل توفيرها فرص عمل إضافية) الذى يمكن بموجبه فى رأى أولاند أن يصلح الاقتصاد الفرنسى ويعززه من خلال خلق فرص عمل ودفع عجلة الاقتصاد. ولكن المحكمة رفضت بندا "رئيسيا" من الاتفاق الذى كان من شأنه أيضا أن يقلل التكاليف الاجتماعية للموظفين ذوى الدخل المنخفض، محطما آمال زيادة الاستهلاك عن طريق زيادة الدخول. يذكر أنه خلال شهر أغسطس قد انخفضت نسبة التأييد لرئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس إلى أدنى مستوى، إلى 36، فى حين احتفظ أولاند بأقل نسبة تأييد فى أكثر من نصف قرن. وأظهر استطلاع أجراه معهد ايفوب ونشرت نتائجه "جورنال دو ديمانش" أن ثمانية من كل عشرة ليس لديهم ثقة فى الحكومة فيما يتعلق بالنمو الاقتصادى وتقليص العجز، أو علاج البطالة. وبحسب استطلاعات الرأى، مازالت شعبية أولاند قريبة من أدنى مستوياتها التاريخية، على الرغم من تحسن طفيف فى الاشهر الاخيرة. ويقول محللو ايفوب إن هناك شعورا قويا للغاية من عدم الثقة، من القلق، من الانهزامية فى مواجهة الأزمة. والامر المثير هنا أن يكون الوضع كذلك ولم يتجاوز نصف الفترة الرئاسية. ومن المنغصات التى تلوح فى الأفق بالنسبة لأولاند المنافس السياسى نيكولا ساركوزى، الذى أعلن أنه سيقرر فى الأشهر المقبلة ما إذا كان سيعود إلى الحياة السياسة مرة أخرى. ومع ذلك، يشير بعض المحللين إلى أن حتى عودة ساركوزى يمكن أن تكون نعمة لأولاند لأنه قد يستفيد من الانقسام حوله. من ناحية أخرى، جددت الأزمة السياسية والاقتصادية، التى تعانى منها فرنسا هذه الأيام، مخاوف من تهديد الاقتصاد الفرنسى الضعيف لسلامة منطقة اليورو. مجلة بيزنس إنسايدر أشارت إلى أن تراجع شعبية أولاند تعنى افتقاره إلى القوة السياسية اللازمة للقيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية، المؤلمة بحسب مراكز الأبحاث، ذلك فيما وصفت فرنسا بأنها الفيل فى منطقة اليورو. وقالت فى سياق تغطيتها للأزمة الفرنسية إن الاقتصاد الفرنسى - وليس الاقتصادات الطرفية مثل اليونان - هو الذى يهدد الآن بانهيار منطقة اليورو، وذلك وفقا لمركز بحوث الاقتصاد والأعمال البريطانى CEBR، الذى توقع نمو الاقتصاد الفرنسى بمعدل 0.8% فقط العام الحالى. وذلك لأن تخفيضات الانفاق التى تقدر بمليارات الدولارات وهى اللازمة لإصلاح المالية العامة للبلاد، سوف تضعف الطلب الاستهلاكى وتزيد البطالة، مما يعوق النمو فى نهاية المطاف. يذكر أن معدل النمو المتوقع فى أنحاء منطقة اليورو، التى تجد صعوبة بالغة فى إقراض الشركات وخلق فرص العمل 1.1%، وهو ما يزيد على فرنسا التى تعانى عجزا يساوى 4.3% من إجمالى الناتج المحلى للبلاد، متجاوزة الحد المسوح به وفقا للاتفاقية المؤسسة للاتحاد الاوروبى المسماة بمعاهدة "ماستريخت". وفى حين كان هناك كثير من اللغط حول مشاكل اقتصادات البرتغال، ايطاليا، ايرلندا، اليونان، اسبانيا، وبطء عملية الاصلاح فيها، الا حدوث أزمة فى ثانى أكبر اقتصاد فى المنطقة قد يسفر عن تداعيات أكثر خطورة على منطقة العملة الاوروبية الموحدة، ويدفعها الى نقطة الانهيار. وفى نفس السياق، جاءت الاستقالة المفاجئة لوزير مالية النمسا بسبب خلاف على إصلاح ضريبى لتثير مخاوف من انتشار عدوى الأزمات السياسية والاقتصادية فى المنطقة. وكان نائب المستشار النمساوى ووزير المالية ميشائيل شبيندليجر قد استقال بشكل مفاجئ من جميع مناصبه يوم الثلاثاء الماضى وعزا ذلك إلى غياب الدعم من حزب الشعب المحافظ الذى ينتمى إليه فى خلاف بخصوص إصلاح ضريبي. غير أن مستشار النمسا فيرنر فايمان الذى ينتمى للحزب الاشتراكى الديمقراطى قال إنه يتوقع أن يظل ائتلافه الحكومى مع حزب الشعب باقيا لحين إجراء الانتخابات العامة القادمة فى 2018. وثار خلاف بين حزب الشعب والشريك الأكبر فى الائتلاف الحكومى حول كيفية تمويل خفض الضرائب على الدخل لدعم الاقتصاد المتعثر. وواجه شبيندليجر معارضة داخلية أيضا بسبب رفضه لخفض الضرائب ما لم يتسن تمويلها دون فرض رسوم جديدة. وتولى شبيندليجر منصب وزير المالية العام الماضى بعد أن حصل شركاء الائتلاف بصعوبة على أغلبية فى الانتخابات. وقال شبيندليجر (54 عاما) خلال مؤتمر صحفى مقتضب لإعلان استقالته "يجب أن يكون هناك ترابط داخل الحزب. وإذا زال هذا الترابط فإن الوقت يحين لتسليم الدفة". ولم تظهر على شبيندليجر أى انفعالات ولم يتلق أسئلة من الصحفيين.