الصناديق والحسابات الخاصة هي قضية شائكة من أكثر من جانب, وبأكثر من معيار.. هي ذلك المجهول, فالناس في بلادي يجهلون عددها, وأرصدتها, وحركة حساباتها الدائنة والمدينة, حتي إن الجهات الرسمية لم تتمكن حتي الآن من كشف الغطاء عنها! ترجع بداية إنشائها إلي أكثر من أربعين عاما مضت, حين أجاز القانون53 لسنة1973 بشأن الموازنة العامة للدولة إنشاء صناديق وحسابات خاصة لتغطية الإنفاق علي الخدمات التي لم يخصص لها بند في الموازنة العامة للدولة. كان الهدف منها تمكين وحدات الجهاز الإداري والوحدات المحلية من القيام بأنشطتها, وتطوير ما تقدمه من خدمات بالتمويل الذاتي من خلال الموارد التي تحددها قرارات إنشائها او لوائحها الخاصة, تخفيفا للعبء عن الموازنة العامة للدولة. أنشئ بعضها بموجب قوانين كقانون الإدارة المحلية وقانون إنشاء هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة, وقانون إنشاء هيئة التعمير والتنمية الزراعية, وقانون تنظيم الجامعات.. إلخ, كما أنشئ بعضها الآخر بموجب قرارات جمهورية أو وزارية أو قرارات من المحافظين. لذلك فهذه الصناديق تعتبر كيانات مستقلة يدخل بعضها في الموازنة العامة للدولة بمسماها, ويتبع أغلبها الجهات التي أنشئت بداخلها, وأكاد أقول إن جميع الوزارات واجهزة الدولة بلا استثناء تضم صناديق وحسابات خاصة, بعضها بالعملة المحلية وبعضها الآخر تمول بالعملات الأجنبية من خلال المعونات الدولية التي ترد لتطوير بعض الجهات, الأمر الذي أنشأ شبكات من أصحاب المصالح. لدينا- إذن- الآلاف من الحسابات والصناديق الخاصة التي يختلف الباحثون بل الجهات الرسمية حول عددها, وتقدر- في الأغلب- بما يتراوح بين8000 و10000 صندوق وحساب خاص. هذه الصناديق تملك أرصدة تتراوح بين42 مليار جنيه( حسب مصادر وزارة المالية), وما يربو علي99 مليار جنيه وفقا لتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات, بل إن أحد الباحثين يري أنها تتجاوز1,1 تريليون جنيه, وهو ما يزيد كثيرا علي الموازنة العامة للدولة! أين الحقيقة في هذا كله؟!.. وكيف يمكن لصناع القرار الإلمام بحركة النظام المالي, وتحليل اتجاهات النشاط الاقتصادي, والتنبؤ بحركة ومسارات المتغيرات الاقتصادية الكلية, وقياس وتتبع حركة التدفقات والمعاملات التي تتم بين الوحدات الاقتصادية المختلفة التي يتكون منها الاقتصاد القومي في غيبة المعلومات والبيانات المالية والاقتصادية الدقيقة؟؟!!.. كان من شأن هذا الوضع تخليق نظام مال مواز, بالمخالفة لما تتضمنه أساسيات الإدارة السليمة للمالية العامة التي تقضي بأن تتضمن الموازنة جميع إيرادات ونفقات الدولة. وحين استفحلت هذه الظاهرة وتشعبت, وأدركت الدولة خطورتها أصدرت القانون رقم193 لسنة2006 الذي قضي بإنشاء الحساب الموحد للخزانة العامة في البنك المركزي ليشمل حسابات تلك الصناديق اعتبارا من العام المالي2006/2005. ثم صدرت قرارات رئيس مجلس الوزراء رقم1226 لسنة1510,2006 لسنة2070,2007 لسنة2008 التي تقضي بحظر إنشاء أي أجهزة أو هيئات أو صناديق أو حسابات خاصة جديدة, وأن تؤول كل الحسابات السابقة للحساب الموحد للخزانة العامة في البنك المركزي, وتخضع لرقابة وزارة المالية. هذه القوانين والقرارات لم يتم تفعيلها لأسباب أو لأخري! مؤخرا, أصدرت وزارة المالية القراررقم3 لسنة2014 يقضي بتوريد10% من إيرادات الصناديق والحسابات الخاصة للخزانة العامة, وبأن يؤول للموازنة العامة25% من ارصدة الحسابات والصناديق الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص, وتحويل جميع حسابات الصناديق المفتوحة الي حساب الخزانة الموحد لدي البنك المركزي. وفي تقديري أن هذه الإجراءات لا تكفي- في ظل الوضع المالي الراهن- إذ لابد من حصر جميع الصناديق بلا استثناء, وتقويم أوضاعها تمهيدا لضمها للموازنة العامة أو إلغائها, إذ ليس من المنطقي ولا المقبول أن تحرم الخزانة العامة للدولة نفسها من موارد حقيقية متاحة لتلجأ إلي الاقتراض في ظل عجز مزمن ومتزايد للموازنة العامة للدولة. فلسنا يقينا كما قال الشاعر: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ- والماء فوق ظهورها محمول.