كشف عدد من صناع وتجار الأسمدة عن أزمة طاحنة وغير تقليدية تستبد بقطاع الأسمدة هذه الفترة، محذرين من أزمة حادة تزحف نحو الموسم الزراعي هذا الشتاء، إذ يشهد السوق نقص ملحوظ في المعروض من جميع أنواع الأسمدة، فيما يعاني قطبي الصناعة المحلية للاسمدة شركات القطاع العام والقطاع الخاص على السواء من تراجع كبير في حجم الانتاج، وذلك بفعل تداعيات تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار. وأضافوا في تصريحات خاصة ل"الأهرام الاقتصادي" أن تعويم الجنيه أدى الى مشكلتين رئيسيتين في قطاع الأسمدة، أولها إلحاق خسائر فادحة بشركات القطاع العام، وذلك نتيجة ارتفاع اسعار الخامات ومدخلات الانتاج خاصة المستوردة، فضلا عن ارتفاع سعر الغاز الطبيعي، ما أدى لارتفاع تكاليف الانتاج مقابل التزامها باسعار محددة من قبل الدولة. وتابعوا أن المشكلة الثانية تخص شركات القطاع الخاص والذي دفعها تعويم الجنيه لرفع اسعارها ارتفاعا كبيرا بلغ نحو 1000 جنيها في الطن في مختلف انواع الاسمدة، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج عقب التعويم، الامر الذي نتج عنه فجوة كبيرة بين سعري الاسمدة العامة والخاصة بالاسواق، وهو ما يعود بالسلب طبعا على شركات القطاع الخاص التي يعد سعرها غير تنافسي ومن ثم لا يلقى اقبالا من جانب التجار والفلاحين. ولفت الصناع والتجار إلى أن الازمة لم تقف عند ذلك الحد، بل أفرزت توابع على نفس الدرجة من الخطورة، أهمها فتح الباب لعودة السوق السوداء مرة اخرى لقطاع الاسمدة، رغم اختفائها لقرابة عام، وذلك بسبب وجود سعرين بالسوق، خاصة وأن الفارق بينهما كبير، ما جعل كثير من التجار يعودون للمتاجرة السوداء بالاسمدة استفادة بهذا الفارق. من جهته، قال محمد عثمان عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للأسمدة بالاتحاد العام للغرف التجارية أن تعويم الجنيه أدى إلى رفع شركات الأسمدة الخاصة وأبرزها "المصرية، ودمياط، وحلوان، والاسكندرية للاسمدة" لاسعارها بنحو ألف جنيها في الطن، ليرتفع سعر اسمدة اليوريا من 2300 إلى 3300 جنيها للطن، وأسمدة النترات من 2200 إلى 3300 جنيها للطن، فيما تضطر الشركات العامة وأبرزها "أبو قير والدلتا والنصر وكيما للاسمدة" للحفاظ على أسعارها لالتزامها بالتسعير الجبري من قبل الدولة، ذلك على الرغم من ارتفاع تكاليف الانتاج عليها هي الاخرى بنفس الدرجة. وأوضح أن سبب ارتفاع تكاليف الانتاج يعود لارتفاع اسعار الخامات المستوردة بعد ارتفاع سعر الدولار نتيجة التعويم، كذلك ارتفاع تكلفة الحصول على الغاز الطبيعي والذي يعد أحد خامات انتاج الاسمدة، وذلك لتحديد تعريفته بالدولار وليس بالجنيه، ما أسفر عنه ارتفاع تكاليف الانتاج بنسبة لا تقل عن 50 % . وتابع أن الشركات العامة تتكبد نتيجة ذلك خسائر فادحة، الامر الذي ينعكس على طاقتها الانتاجية التي انخفضت بما تتجاوز نسبته 50 %، فيما تواجه الشركات الخاصة ازمة ركود حادة لمنتجها بسبب ارتفاع سعره بشكل كبير مقارنة باسعار الشركات العامة ما يعجزها عن المنافسة، الامر الذي يعود بانخفاض شديد في مبيعاتها بلغ نحو 90 %، وبالطبع تمتد آثار ذلك على الطاقة الانتاجية للشركات الخاصة هي الأخرى دافعة إياها للتراجع أيضا . وكشف عثمان عن بوادر لعودة السوق السوداء للاسمدة مرة اخرى، وذلك بسبب وجود سعرين بينهما فارق كبير للسلعة نفسها بالاسواق، مشيرا إلى عودة الدخلاء على السوق وتجار السوق السوداء للاتجار الاسود بهذه السلعة. ولفت الى أن اختفاء السوق السوداء خلال الاشهر الماضية من العام الجاري وحتى بداية نوفمبر المنصرم – شهر التعويم- يعود لتقارب سعري أسمدة القطاعي العام والخاص حيث لم يكن يتجاوز الفارق أكثر من 100 جنيها في الطن، وذلك نتيجة زيادة الانتاج بفضل انتظام توريدات الغاز الطبيعي للمصانع، ما انعكس ايجابا على وفرة المعروض بالاسواق ومن ثم استقرار الاسعار، الامر الذي مرور موسم الزراعي الصيفي دون ظهور أي ازمات وذلك على الرغم من زيادة الاستهلاك خلاله. وحذر من أزمة طاحنة مرتقب أن تعصف باسواق الاسمدة هذا الشتاء، حيث متوقع زيادة حدة نقص المعروض من الاسمدة أمام احتياجات المزارعين للمحاصيل الشتوية، ذلك فضلا عن ارتفاعات كبيرة منتظرة باسعار الاسمدة بفعل دخول السوق السوداء للقطاع. وجدد عثمان مطلب الشعبة العامة للاسمدة بضرورة تحرير اسعار الاسمدة للشركات العامة وذلك لوضع نهاية لنزيف خسائرها، ما يعود ايجابا على حجم انتاجها ومن ثم مساهمتها في تغطية احتياجات السوق المحلي من الاسمدة الى جانب الشركات الخاصة. من جهته، قال الدكتور شريف الجبلي رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، ورئيس شركة أبو زعبل للاسمدة "قطاع خاص"، أن شركات الاسمدة العامة تتكبد خسائر فادحة نتيجة ارتفاع تكاليف الانتاج بعد تعويم الجنيه، أمام ثبات اسعارها، مؤكدا الاثر السلبي الكبير الذي تخلفه هذه الازمة على حجم الانتاج المحلي من الاسمدة ومن ثم حجم المعروض منها بالاسواق. وكشف عن لقاءات عدة تجريها الغرفة مع وزارة الزراعة لايجاد وسيلة لتعويض فرق تكلفة الانتاج بالشركات العامة، بما يساعدها على مواصلة الانتاج دون خسائر، مؤكدا أن الوزراة بصدد إيجاد حل عاجل للمشكلة خلال الفترة المقبلة.