عدد من التحديات الخطيرة التي تواجه الإنسان على كوكب الأرض أصبحت واقعاً ملموساً وتهدد أكثر من سبعة مليارات من البشر الذين يعيشون على هذا الكوكب وحقهم في عيش كريم بل وتهدد بقاءهم من الأساس.. تحديات تتمثل في التلوث، وتغير المناخ، وانقراض بعض الكائنات الحية، ومشكلة التصحر وتدهور الأراضي. الدكتور سعيد البطوطى استاذ الاقتصاد الأخضر بجامعة جوته الألمانية يفيض فى الحديث معنا عن حقيقة استخدام الفحم الذى يصر مصنعو الأسمنت على استخدامه بدعم من الحكومة المؤقتة.. الاقتصادى: ما الدور الذى يتحتم على الحكومة القيام به حاليا حيال أزمة الطاقة؟ يتحتم على الحكومات وضع الرؤى والآليات لتحقيق مستقبل مستدام من خلال وضع الأعمدة البيئية والاجتماعية للتنمية المستدامة على قدم المساواة مع البعد الاقتصادى فى عمليات التنمية والتخطيط الاقتصادي. وقد تسارعت العديد من الأزمات خلال العقد الحالى التى تتمثل فى التغير فى المناخ والتنوع البيولوجى والمياه والطعام والوقود، مما جعل الاقتصاديين يطلقون على العصر الحالى «عصر إساءة توظيف الموارد». وفى الحقيقة فهذا موضوع يطول شرحه ولكن لو تطرقنا إلى موضوع الطاقة فيمكن القول بأن العالم لا يزال يعتمد بشكل أساسى على الوقود الأحفورى (الفحم والغاز الطبيعى والبترول) الذى زاد استخدامه بشكل مطرد منذ قيام الثورة الصناعية فى القرن الثامن عشر واختراع المحركات البخارية والكهربائية والنفاثة، والذى يتم استخراجه من باطن الأرض ويتم احراقه فى الهواء مع الأكسجين لإنتاج طاقة حرارية يتم استخدامها فى تشغيل المحركات التى بدورها تستخدم فى مجالات مختلفة فى المصانع ومحطات توليد الكهرباء ووسائل النقل الجوى والبحرى والبرى.. الخ. الاقتصادى: ما النسبة التى يمثلها الوقود الاحفورى؟ يمثل الوقود الأحفورى فى الوقت الراهن حوالى 90% من الاستخدام العالمى للطاقة والنسبة الباقية تتمثل فى الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة (المياه والرياح والطاقة الشمسية). وقد بلغ معدل الاستهلاك العالمى للطاقة حوالى 200 تيراوات فى الساعة 200 Terawatt/hour TWh (1 تيراوات = ترليون كيلووات فى الساعة). وبحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة فإن معدلات الاستهلاك العالمى للطاقة قد زادت منذ عام 1990 حتى عام 2013 بنسبة 10% بينما معدل النمو السكانى بلغ 27% أى أن هناك فجوة بين الاثنين وهو ما يمثل هاجساً كبيراً حيث الاستمرار بهذا المعدل سوف ينتج عنه اضطرابات وكوارث كبيرة. وقد سجلت منطقة الشرق الأوسط أعلى معدل زيادة فى استهلاك الطاقة خلال الفترة المذكورة (1990 – 2013) حيث بلغت نسبة الزيادة فى استهلاك الطاقة خلال تلك الفترة 170% !!!. ويعتمد تركيب الوقود الأحفورى على دورة الكربون فى الطبيعة، حيث تعتمد مواد الإحتراق الأحفورية على مركبات عنصر الكربون فعند احتراق الكربون مع غاز الأكسجين تنبعث طاقة حرارية إضافة إلى انبعاث غازات مثل أول وثانى أكسيد الكربون وغازات كيميائية أخرى كأول وثانى أكسيد النيتروجين. الاقتصادى: ما الخطورة من استخدام الطاقة الأحفورية؟ سيئات استخدام الطاقة الأحفورية هى احتراق الوقود الأحفورى الذى يعدّ من العوامل الرئيسية فى تلوت الهواء والتسبب فى ظاهرة الاحتباس الحرارى الناتجة عن غازات تغلّف المجال الجوى وتمنع الانعكاس الحرارى الصادر من الأرض من انتقاله إلى خارج الكوكب مما يسبب الارتفاع فى درجة حرارة الطبقة السفلى من الغلاف الجوى القريبة من سطح الأرض، التى بدورها سوف تهدد العالم بكارثة بحدوث ما يلى نتيجة لذلك: • ارتفاع منسوب المياه فى البحار (حيث ارتفع منسوب المياه منذ أوائل القرن العشرين حتى الآن حوالى 20 سم) مما يهدد بغرق العديد من الأماكن المأهولة بالسكان وخلق عدم الاتزان على الأرض والاضطراباب فى القشرة الأرضية وزيادة وشدة العواصف و الأعاصير. • تلف المحاصيل الزراعية خاصة فى الأماكن الاستوائية نتيجة الاضطراب والخلل فى درجة سطوع الشمس وحركة السحب وكمية الأمطار. • الجفاف نتيجة لزيادة درجات الحرارة عن معدلاتها فى العديد من المناطق فى العالم مما سوف يتسبب فى زيادة نسبة معدلات البخر والجفاف فى بعض المناطق وغمر مناطق أخرى ومستقبل غير معلوم. • زيادة درجة الحموضة فى المحيطات نتيجة لزيادة نسبة ثانى أكسيد الكربون CO2 فى الماء بشكل مطرد الذى ينتج حمض الكربونيك Carbonic Acid مما يؤدى إلى زيادة نسبة الحموضة فى المياه وهو ما سوف يدمر مساحات كبيرة من الطحالب والشعاب المرجانية وضياع سبل العيش للكائنات البحرية. • ذوبان الأنهار الجليدية وغرق العديد من الجزر والمدن الساحلية. • هلاك العديد من الكائنات الحية والخلل فى التنوع البيولوجي. الاقتصادى: و ما الحوافز البيئية والاقتصادية من استخدام الطاقة النظيفة؟ المعروض من الطاقة عن طريق المصادر المتجددة يقلل من مخاطر الزيادة وعدم الاستقرار فى أسعار الوقود الأحفورى إضافة إلى تقليص استخدامه. فنظام الطاقة الحالى المبنى على الوقود الأحفورى هو مصدر تغير المناخ حيث يعد قطاع الطاقة مسئولاً عن ثلثى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتواجه العديد من الدول خاصة النامية مشاكل وتحديات من جراء ارتفاع أسعار الوقود الأحفورى وعدم استقرارها حيث إن معظمها مستورد له، فعلى سبيل المثال يمثل البترول 15% من إجمالى واردات الدول الأفريقية المستوردة له ويستهلك نسبة حوالى 30% من عائدات صادراتها بل تصل تلك النسبة إلى 50% من عائدات صادراتها. أى أن الاستثمار فى مصادر الطاقة المتجددة المتوافرة فى تلك الدول ما يمكن أن يساعد بشكل كبير وفعال فى أمن الطاقة وبالتالى الأمن الاقتصادى والمالي. أى أن تخضير قطاع الطاقة أصبح أمراً ضرورياً الذى يتطلب استبدال الاستثمارات فى مصادر الطاقة المعتمدة بشدة على الكربون باستثمارات فى الطاقة النظيفة وفى تحسين الكفاءة. فيما تنمو الاستثمارات فى الطاقة المتجددة فى ظل الأسواق الحالية بالفعل نظراً لأنها تحسن باطراد من قدرتها على التنافس حين تؤخذ التكلفة الاجتماعية لتكنولوجيا الوقود الأحفورى فى الاعتبار. وفى هذا الصدد يعد التوصل إلى اتفاق عالمى بشأن الانبعاث الكربونى وما يتبعه من شعور بالاطمئنان إلى وجود سوق وسعر للكربون فى المستقبل حافزاً قوياً لمزيد من الاستثمار فى الطاقة المتجددة والمستدامة. الاقتصادى: ما الحوافز التى يمكن أن تقوم بها الحكومة فى هذا الشأن؟ فى الحقيقة سياسة الحكومات لها دور كبير فى تحسين حوافز الاستثمار فى الطاقة المتجددة، فالحوافز الزمنية كالتعريفة التفضيلية لإمدادات الطاقة المتجددة والدعم المباشر والإعفاءات الضريبية يمكن أن تقلل من المخاطرة وتجعل العائد مغريا للاستثمار فيها. كما يمكن تحسين تلك الحوافز عن طريق نظم مقايضة الانبعاث أو الضرائب التى تعكس التكلفة الاجتماعية الكلية نتيجة استخدام الوقود الأحفوري. والصناعة تعتبر مسئولة عن حوالى 35% من الاستخدام العالمى للكهرباء و 20% من انبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون وأكثر من ربع المواد الأولية وحوالى 15% من الطلب على المياه الذى يؤثر سلباً على الزراعة والاستخدامات الحضرية وفى الوقت الذى يتم التوسع فى الصناعة فى الأسواق الناشئة تتزايد المخاطر المتعلقة باستخدام المواد الخطرة والأضرار الصحية نتيجة تلوث الهواء والمياه و التى تؤدى إلى كوارث إنسانية وتهدر نسبة كبيرة من الناتج المحلى الإجمالى للدول تتعدى تكلفة الاستثمار فى الطاقة النظيفة والمستدامة بكثير. الواقع الجديد أن تركيز ثانى أكسيد الكربون (CO2) فى الغلاف الجوى للأرض تجاوز 400 جزء فى المليون للمرة الأولى منذ عدة ملايين من السنين يؤكد على الحاجة الملحة إلى التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. الاقتصادى: كيف سيتم التعامل مع ارتفاع درجة حرارة الأرض خلال السنوات المقبلة بمعدل 2,4 – 6,4 درجة مئوية؟ العواقب الوخيمة لذلك اعتماد الصناعة على الوقود الأحفورى له أثر كبير بالنسبة لانبعاثات غازات الاحتباس الحرارى (غازات الدفيئة) العالمية GHG emissions (وهى الغازات الموجودة فى الغلاف الجوى التى تمتص وتطلق طاقة إشعاعية فى النطاق الحرارى للأشعة تحت الحمراء والتى هى فى غلافنا الجوي، وتحتوى غازات الدفيئة على بخار الماء وثانى أكسيد الكربون CO2 والميثان CH4 وأكسيد النيتروز N2O والأوزون O3 والكلوروفلوروكربون CFCs). وإنبعاث غازات الدفيئة قد زاد خلال السنوات الماضية بنسبة تعدت 45% وهو ما يؤكد الحاجة إلى التحول إلى مصادر جديدة نظيفة للطاقة وتقليل نسبة إنبعاث تلك الغازات وإلا فالعواقب وخيمة وكارثية. إن الانبعاثات من ثانى أكسيد الكربون (CO2) من خلال حرق الوقود الأحفورى فى جميع أنحاء العالم وصلت إلى رقم قياسى هذا العام بلغ 36 مليار طن. ولذلك يخشى العلماء التغير فى المناخ والاحتباس الحرارى الخطير نتيجة لزيادة غازات الاحتباس الحرارى فى الجو. والتوقعات هذا العام أن تزداد تلك الانبعاثات بنسبة 2,1%. وتشير انبعاثات غاز المداخن الناجمة عن احتراق الوقود الأحفوري إلى غاز الاحتراق حيث تحترق أغلب أنواع الوقود الأحفورى فى وجود قدر كبير من الهواء (بخلاف الاحتراق مع الأكسجين النقي)، حيث إن الهواء المحيط يحتوى على نسبة 79% من النيتروجين الغازى (N2)، الذى هو غير قابل للاحتراق، فإن القدر الأكبر من غاز المداخن الناتج عن عمليات احتراق الوقود الأحفورى يكون عبارة عن نيتروجين غير محترق إضافة إلى ثانى أكسيد الكربون (CO2) الذى يمثل نسبة حوالى 10 – 25% وثانى أكسيد النيتروجين (NOx) وثانى أكسيد الكبريت (SO2) وجسيمات عالقة وبخار الماء (H2O). الأهم فى الموضوع أن التلوث الذى يسببه احتراق الوقود الأحفورى له آثار خطيرة جداً على صحة الإنسان وباقى الكائنات الحية على وجه الأرض حيث إن الغازات الناتجة عن الاحتراق هى السبب الرئيسى فى أمراض الصدر والجهاز التنفسى وأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم والإجهاد واضطراب النوم، والقصور فى النمو لدى الأطفال والأمراض العصبية والسرطان والعيوب الخلقية. كما أن غاز أول أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الفحم وهو غاز سام الذى يمثل أكبر نسبة من ملوثات الهواء يؤثر بشكل مباشر على هيموجلوبين الدم حيث إن له قابلية شديدة للاتحاد معه وإعاقة وصول الأكسجين للدم وأنسجة وأعضاء الجسم ويحدث ضرراً خطيراً بعملية التنفس وبالجهاز العصبى المركزي، وفى حال زيادته يؤدى إلى الخمول وضعف القدرة على التفكير والانخفاض الحاد فى ضغط الدم وارتخاء عضلات الجسم والإغماء ومن ثم الوفاة. وبشكل أساسي فالكثير من مصانع الأسمنت والأسمدة الكيميائية تطلق غازات فى الجو تحتوى على مركبات شديدة السمية مثل مركبات الزرنيخ والفوسفور والكبريت والسيلينيوم، كما تطلق الغبار المحمل بالمعادن الثقيلة كالزئبق والرصاص والكادميوم وغيرها وتبقى هذه المواد المعلقة فى الهواء على هيئة رذاذ أو ضباب التى تسبب العديد من الأضرار الخطيرة لجميع الكائنات الحية بما فيها الإنسان حيث تتسبب فى أمراض الربو والسعال والانتفاخ الرئوى وتصلب الرئتين والقصور فى وظائف الرئتين والقلب والسرطان والتشوهات الجنينية. الاقتصادى: نعود إلى موضوع الفحم ما الخطورة الحقيقية فى استخدامه؟ وبالعودة لموضوع الفحم، فالفحم اسم يطلق على نوعين أساسيين من المواد الكربونية، هما الفحم النباتى الناتج عن حرق النباتات والفحم الحجرى (النفطي) المستخرج من باطن الأرض. والفحم الحجري الذى نحن بصدده الآن الذى يستخدم فى مصانع الأسمنت هو وقود أحفورى عبارة عن صخر أسود أو بنى اللون قابل للاشتعال والاحتراق، ويوجد في عروق فى باطن الأرض ويتكوّن بشكل أساسى من الكربون إضافةً إلى عناصر أخرى بنسب متفاوتة كالهيدرجين والكبريت والأكسجين والنيتروجين . وقد عرف استخدام الفحم منذ القدم حيث استخدمه عبر التاريخ كمصدر للطاقة الحرارية للتدفئة وكوقود للقاطرات فى بداية عهد اختراع المحرك البخارى على يد جيمس وات عام 1765 واستخدم بعد ذلك فى تشغيل وسائل النقل وقيام الثورة الصناعية. ويستخدم الفحم بشكل أساسى اليوم فى محطات توليد الكهرباء حيث إن محطات توليد الكهرباء التى تعمل بالفحم الحجرى تنتج ثلثى الكهرباء المستهلكة فى العالم. والفحم يعتبر من أكبر مصادر انبعاثات ثانى أكسيد الكربون حيث إن مجمل الانبعاث العالمى من ثانى أكسيد الكربون المنبعث من الفحم يزيد على 9 ملايين طن، ومولدات الكهرباء التى تستخدم الفحم تبعث حوالى 900 كجم من ثانى أكسيد الكربون لتوليد كل ميجاوات/ساعة، وهو حوالى ضعف ما يبعثه الغاز الطبيعي لتوليد ذات الطاقة (حوالى 498 كجم)، وهو ما جعل رئيس وكالة الأممالمتحدة للمناخ ينصح بإبقاء معظم مخزون الفحم الحجرى فى الأرض لتجنب احترار عالمي كارثى وحدوث كوارث بيئية وإبادة للكائنات الحية على وجه الأرض. وصناعة الأسمنت تستهلك كمية كبيرة جداً من الطاقة حيث إن كل طن أسمنت يحتاج إلى حوالى 200 كجم من الفحم، ولذلك فيمكننا بسهولة معرفة الأثر البيئى المدمر لتلك الصناعة التى يستخدم فيها الفحم كوقود نظراً لقلة تكلفته عن مصادر الطاقة الأخرى ليس إلا. الاقتصادى: وما الخطورة عندنا فى مصر تحديدا؟ عند النظر إلى صناعة الأسمنت فى مصر، وتحديدًا منذ خصخصة القطاع فى منتصف التسعينيات وسيطرة المستثمرين الأجانب عليه، نجد أن الحكومة المصرية قد عملت على توفير الغاز الطبيعى بأسعار مدعومة لصناعة الأسمنت، حيث بلغ سعره 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية BTU حتى عام 2011 ثم تم رفع السعر إلى 6 دولارات عام 2013 بسبب أزمة الطاقة التى تمر بها البلاد حالياً (بالرغم من أن سعر الغاز فى المنطقة العربية يتراوح بين 12 – 14 دولارا لكل مليون وحدة حرارية)، وهو ما جعل أصحاب مصانع الأسمنت يثيرون بشدة موضوع استخدام الفحم فى مصانعهم كبديل للغاز الطبيعى لتقليل تكلفة الإنتاج وعدم المساس بأرباحهم دون أى اعتبار للآثار البيئية المدمرة له. الاقتصادى: لماذا لم يتم بجدية التخطيط للبدائل المتاحة للطاقة والتوجه نحو استخدام الطاقة البديلة المتجددة والنظيفة؟ مصر غنية جداً بمصادر تلك الطاقة التى تشمل الشمس والرياح والوقود العضوى . لماذا لا يتم حوار فعلى بين المسئولين الحكوميين وخبراء فعليين فى صناعة الطاقة والبيئة ومناقشة الآثار السلبية لاستخدام الفحم على البيئة وصناعة السياحة التى تمثل العمود الفقرى للاقتصاد المصرى وإيجاد حل لتلك المشاكل وبدائل نظيفة للطاقة دون التأثير على صحة الإنسان ومستقبله على هذا الكوكب؟ إن التكلفة المجتمعية للفحم تتراوح بين ضعف وعشرة أضعاف سعره الأصلى (الدراسات تشير إلى أن تلك التكلفة نتيجة لتلوث الهواء بالكربون سوف تتراوح ما بين 3,9 – 5 مليارات دولار فى العام)، فإذا وُضع ذلك فى الاعتبار عند التقويم الاقتصادى لمصادر الطاقة لن يكون الفحم الوقود الأرخص. كما أن الفحم ليس من البدائل العملية لحل الأزمة فى توفير الوقود نظراً لعدم توافره فى مصر وعدم وجود البنية الأساسية لمنظومة الاستيراد عبر الموانى والنقل والتخزين والتداول. علاوة على ذلك فالمصادر التى سوف تقوم بتمويل الاستثمارات الضخمة التى يتطلبها استخدام الفحم سوف تتمسك بالاستمرار فى استخدامه مدة لن تقل عن عشر سنوات للحصول على عائد استثماراتها بهذا الخصوص دون النظر إلى آثاره السلبية على البيئة وصحة المصريين، وسوف يزيد الطين بلة وجود استثمارات خارجية بهذا الخصوص التى سوف يكون تصحيح الأوضاع معها معقدا وسوف تلجأ للتحكيم الدولى وجلب المشاكل لمصر التى هى فى غنى عنها الآن. الاقتصادى: ربما تستمد مصر اتجاهها هذا من توجه عالمى حيال الفحم؟ العالم أجمع الآن يتجه نحو الاستثمار والتوسع فى مصادر الطاقة النظيفة والتخلص خلال مدد زمنية من مصادر الطاقة التى تستخدم الوقود الأحفورى خاصة الفحم بحلول عام 2040، أما نحن فنبدأ بالتخطيط لاستخدامه الآن.. هذا شىء غريب فعلاً. فعلى سبيل المثال هنا فى ألمانيا تم وضخ خطط زمنية للاستغناء تباعاً عن مصادر الطاقة المستخدمة للوقود الأحفورى والطاقة النووية حيث تم الاستغناء حتى الآن عن 80% منها مع زيادة مقابلة فى استخدام الوقود الحيوى ومصادر الطاقة المتجددة رغم محدودية طاقتَى الشمس والرياح مقارنة بمصر الغنية بهما، وينظرون هنا إلى أن الفحم خاصةً أنه أسوأ أنواع الوقود بسبب آثاره المدمرة على الإنسان وباقى الكائنات الحية والمتسبب الرئيسى فى انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحرارى والتغيرات المناخية. وبالنسبة لأثر ذلك على صناعة السياحة قاطرة التنمية فى مصر، فإننا نود التأكيد أن ذلك سوف يتسبب فى خسارة كبيرة لمصر والتأثير على أسواق سياحية عدة خاصة أن الطلب العالمى فى الوقت الراهن على السياحة البيئية الخضراء هو الأكثر نمواً فبحسب منظمة السياحة العالمية وصل معدل النمو فى هذا النمط السياحى عام 2013 إلى 20% فى حين أن متوسط النمو السنوى فى باقى الأنماط السياحية يتراوح ما بين 4 – 6% وهو ما يشير بوضوح إلى الاتجاه العالمى للمستهلكين السياحيين نحو السياحة البيئية وتجنب الوجهات السياحية التى بها مصادر تلوث. إن الاستمرار فى هذا الاتجاه سوف يكون له تأثير خطير على السياحة المصرية والحد من التدفقات السياحية والخسارة الكبيرة فى الدخل القومي. الاقتصادى: الخلاصة..؟ إن استخدام الفحم فى صناعة الأسمنت بديل غير مناسب لمصر، لما له من آثار بيئية وصحية كارثية وسوف يكون له آثار سلبية على التنمية الاقتصادية التى أهم أعمدتها التنمية البشرية وصحة الإنسان. يا سادة الانبعاثات الناتجة عن استخدام الفحم كوقود هى السبب الرئيسى فى التغيرات المناخية الكارثية والسبب الرئيسى فى أمراض القلب والجهاز التنفسى والأمراض السرطانية والتخلف العقلى والتشوهات الخلقية علاوة على باقى الآثار السلبية على التنوع البيولوجى والزراعة وبقاء الإنسان على الأرض، وسوف يتسبب فى وضع مصر فى تصنيف «دولة كربونية» وضمن الدول غير الملتزمة بالقواعد البيئية ومصادر الطاقة النظيفة التى تحتويها وتعتبر من أغنى الدول الحاضنة لها.