سوف يستمر البنك المركزى فى اتباع سياسة مؤقتة لرفع سعر الفائدة التى بدأها منذ مايو 2016 الى المستوى الذى يحفز الافراد والمؤسسات ليكونوا اكثر ادخارا واقل استهلاكا، ومن ثم تقليل الضغط على اسعار السلع والخدمات وتخفيض معدل التضخم. وفى هذا الخصوص، إذا كانت لسياسة رفع سعر الفائدة اثر ايجابى على خفض معدل التضخم، الا ان لها آثارا سلبية على كل من الاستثمار وتكلفة الدين الحكومى الجديد واداء البورصة المصرية، لذا فان الامر يستوجب ضرورة تبنى الحكومة لسياسات اقتصادية متناغمة مع السياسة النقدية للبنك المركزى. فعلى صعيد الاستثمار، فانه من الضرورى ان تقوم وزارة الاستثمار باتخاذ اجراءات وتدابير سريعة وعاجلة لتذليل جميع العقبات امام المستثمرين لتسهيل مزاولة اعمالهم، لما لها من اولوية فى جذب مزيد من الاستثمارات رغم الارتفاع المؤقت لتكلفة الاقتراض الناتج عن رفع سعر الفائدة، كذلك يجب ان تدبر وزارة المالية الموارد المالية الكافية اللازمة لتغطية الزيادة المؤقتة فى الدين الحكومى الناتجة عن رفع سعر الفائدة. هذا بالاضافة الى ضرورة ان تسرع وزارة قطاع الاعمال العام والبنك المركزى بتنفيذ برنامج خصخصة عدد من الشركات والبنوك وطرح اسهمها للاكتتاب العام من خلال البورصة لفتح شهية المستثمرين لمواصلة وتنشيط تعاملاتهم بدلا من تصفية محافظهم وايداعها فى البنوك تحت اغراء اسعار الفائدة المرتفعة. اتباع سياسة سعر الصرف مرنة فور تعيين طارق عامر محافظا جديدا للبنك المركزى فى نوفمبر 2015 وفى خطوة ايجابية قام بالغاء القيود على عمليات الايداع والسحب للنقد الاجنبى بعد ذلك، وبالتحديد فى شهر مارس 2016 قام المحافظ وبشكل مفاجئ بخفض سعر الصرف الرسمى للجنيه مقابل الدولار بنسبة 14.5٪ كأحد الاجراءات المسبقة لبرنامج الاصلاح الاقتصادى والاجتماعى الذى كان يتفاوض عليه مع صندوق النقد الدولى فى تكتم شديد. وبعد الافصاح عن تلك المفاوضات وزيارة بعثة الصندوق للقاهرة لمراجعة البرنامج والاعلان عن موافقتها من حيث المبدأ منح الصندوق مصر تمويلا يبلغ 12 مليار دولار من خلال ما يعرف بترتيب الصندوق الممد (Extended Fund Facility ) يتم تقديمه على دفعات على مدار 3 سنوات هى فترة تنفيذ البرنامج. بعد تدبير مصر لمبلغ ما بين 5 الى 6 مليارات من مصادر اخرى ( من البنك الدولى والافريقى للتنمية ودولتى الامارات والسعودية والسندات الدولارية) الخليجية مسبقا سيلجأ البنك المركزى بتخفيض سعر الصرف الجنيه مقابل الدولار فى اتجاه السعر التوازنى الذى يتعين تحديده وفقا لما يعرف بسعر الصرف الفعلى الحقيقى (سعر صرف الجنيه مقابل عملات اهم شركائها التجاريين مرجحا بمعدلات التضخم فى تللك الدول). وفى اعتقادى ان هذا السعر التوازنى يتراوح ما بين 9.5 الى 10 جنيهات للدولار الواحد ( بدون مضاربات من قبل مافيا تجار العملة ) الذى يمكن الوصول اليه بشرط ان يرتفع الاحتياطى لدى البنك المركزى الى مستوى لا يقل عن 25 مليار دولار و بدرجة تمكنه من تغطية احتياجات البنوك من النقد الاجنبى اللازم لتلبية كل طلبات عملائها لفتح الاعتمادات الاستيرادية وانهاء قوائم الانتظار المعلقة بشكل يجعلهم لا يلجأون الى السوق السوداء طلبا للدولار. وفى ضوء ما تقدم فإنه من المتوقع ان ينخفض سعر صرف الدولار فى السوق السوداء من مستواه الحالى البالغ نحو 12.75 جنيه للدولار الى 11.5 جنيه للدولار المحور الثانى: تصحيح الهياكل الاقتصادية يعانى الاقتصاد المصرى من تشوهات هيكلية مزمنة منذ اكثر من 60 عاما كانت نتاج تجارب عديدة مر بها الاقتصاد المصرى تمثلت فى التجربة الاشتركية والانفتاح والرأسمالية المتوحشة، واخيرا اقحام الدين فى الاقتصاد. انعكس ذلك على احداث تشوهات فى الهياكل الاقتصادية المنظمة لحركة الاقتصاد المصرى بدرجة اصبحت تشكل قيودا على قدرته على النهوض وتحقيق التنمية المستدامة. لقد آن الأوان لاعادة هيكلة وصياغة هذه الهياكل الاقتصادية بشكل عصرى ومتناغم، وفى اعتقادى، ان اعادة الهيكلة الاقتصادية لهذه المنظومات المشوهة والمعقدة يتطلب حرفية فى التعامل نظرا لعبئها الثقيل على جميع شرائح المجتمع خاصة غير المقتدرين منهم، كما تتطلب جهدا متواصلا يراعى التتابع Sequencing والتناغم والتدرج على مدى زمنى طويل قد يصل 10 سنوات وهى فترة تتعدى البعد الزمنى لبرنامج الاصلاح الاقتصادى والاجتماعى الحالى والمزمع تطبيقه خلال السنوات الثلاث القادمة. المحور الثالث: تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية ومحاربة الفقر إن الحلم الذى يراود كل فرد من افراد المجتمع يتمثل فى ضمان حصوله على نصيبه العادل من الخدمات التعليمية والصحية الحكومية بجودة عالية، فضلا عن تسهيل مهمته فى البحث عن فرصة عمل بدخل يضمن له مستوى معيشيا لائقا فى ظل معدلات تضخم منخفضة. ان هذا الحلم يمكن تحقيقه من خلال قيام الحكومة باعادة تصميم مكونات شبكة الحماية الاجتماعية التى تستهدف حماية الفئات غير المقتدرة ( الفقراء والشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى) من العبء الثقيل للاصلاح الاقتصادى، ووقف تآكل الفئات شبه المقتدرة ( الشريحة الوسطى والعليا من الطبقة المتوسطة ) وحمايتها من الهبوط اسفل السلم الاجتماعى والدخول فى دائرة الفقر، تتضمن شريحة الفئات غير المقتدرة اعدادا متزايدة من ابناء مصر الذين يبلغ عددهم نحو 60 مليون نسمة اى نحو 65٪، اما شريحة الفئات شبه المقتدرة فيبلغ عددها نحو 25 مليون نسمة اى نحو 27٪ من اجمالى السكان، اما الطبقة العليا وهى الشريحة المتبقية والبالغ عددها نحو 7 ملايين نسمة اى نسبة 8٪ فلا خوف عليها من اصلاحات اقتصادية.