لا يزال الجدل مستمرا حول القرض الحائر لصندوق النقد الدولي الذي تحتاجه مصر ليس فقط لقيمته البالغة4.8 مليار دولار وانما لانه يمثل شهادة ثقة في الوضع الاقتصادي ومستقبله. وعندما يمنحنا الصندوق قرضا فهذا يعني انه قيم أداءنا واقتصادنا و أننا قادرون علي تسديد ديوننا.. ولكن علي مدي عامين ظل منح القرض لمصر صراعا وسجالا لان الصندوق يتلكأ في المنح استنادا الي عدم الاستقرار السياسي وضعف الاداء الاقتصادي وعدم القدرة علي تنفيذ توجهيات وملاحظات الصندوق وكانت النتيجة ان تعالت الأصوات برفض القرض ووقف المفاوضات حتي لا يمثل وسيلة ضغط علينا.. وفي المقابل رأي اخرون ضرورة استئناف المفاوضات حتي لا تضيع فرصة منح شهادة الثقة في الاقتصاد لعل وعسي تعود الاستثمارات الهاربة وينخفض عجز الموازنة وينشط الاقتصاد وتدور العجلة مرة اخري.. فإلي أين يأخذنا القرض ؟ وكيف سينتهي هذا الصراع ؟ د.أحمد جلال وزير المالية صرح- خلال مقابلة تليفزيونية مؤخرا- أن الفترة الأخيرة شهدت مبالغة في أهمية قرض الصندوق, داعيا إلي اتخاذ مصر الإجراءات السليمة التي تؤسس لإصلاح اقتصادي وسياسي حقيقي, بغض النظر عن الاتفاق مع الصندوق من عدمه. مؤكدا اننا لن نحصل علي هذا القرض إلا بشروطنا وليس بشروط الصندوق مثلما كان يريد النظام السابق, ولكن في الوقت نفسه سيدعمنا صندوق النقد إذا رأي أننا نقوم بحزمة من السياسات المالية الجيدة. وقد أجري صندوق النقد محادثات مع مصر علي مدي أكثر من عام بشأن القرض للمساعدة في مكافحة أزمة اقتصادية حادة. وتعثرت المحادثات مع عزوف حكومة مرسي عن قبول شروط الصندوق لخفض الدعم للوقود وزيادة ضرائب المبيعات. وأشار إلي أن الأموال التي تأتي من الخارج سواء من الدول العربية الشقيقة أو صندوق النقد تعد أحد المحاور الاقتصادية ولكنها ليست الأساس للتنمية, لافتا إلي أن التنمية قبل ثورة30 يونيو كانت تعتمد علي رؤية إقامة المشروعات الكبري وليس السياسات والإصلاح المؤسسي. وأوضح وزير المالية, أن الأموال القادمة من الخارج سيتم إيداع جزء منها بالبنك المركزي والباقي لسد العجز بالمصروفات. قال إن الاتفاق مع الصندوق هو إحدي الآليات المهمة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر عقب الثورة, ولكنه ليس الآلية الوحيدة فهو قد يكون جزءا من الحل وليس كل الحل, والاهم هو توافق المجتمع علي مجموعة من المبادئ والسياسات الاقتصادية والسياسية تكون أساس الخروج من الأزمة وبناء مستقبل مصر, كما أن البداية الحقيقية للإصلاح أن نحدد بالفعل ماهية مشكلاتنا وما الإجراءات المطلوبة لمواجهتها. وأكد أن المجموعة الاقتصادية متفقة بصورة عامة علي3 أهداف رئيسية وهي الانضباط المالي, وتنشيط الاقتصاد من خلال اتخاذ سياسات مالية توسعية وغير انكماشية, والعدالة الاجتماعية, لافتا إلي أن الحكومة ستعكف علي إعداد حزمة من الإجراءات والسياسات لتحقيق هذه الأهداف الثلاثة. وأضاف أن العدالة الاجتماعية تم اختزالها في النقاش العام في فكرة الحدين الأقصي والأدني للأجور, وهما برغم أهميتهما وضرورة التأكد من تطبيقهما فإنهما لا يحققان بمفردهما العدالة الاجتماعية المنشودة, فهي تعني أكثر من هذا بكثير. وقال إن العدالة الاجتماعية تتحقق في3 محاور هي إيجاد نظام جيد للحماية الاجتماعية لغير القادرين علي دخول سوق العمل, والمحور الثاني هو إصلاح حقيقي في الخدمات العامة خاصة التعليم والصحة, حيث لم نشهد في الفترات السابقة مبادرات إصلاح حقيقية عدا بعض الأفكار مثل جودة التعليم والتأمين الصحي الشامل, وهي أفكار لم تتعرض لكيفية تحسين الخدمة العامة بالفعل, سواء في التعليم الذي برغم مجانيته, فإن الأسر المصرية تنفق الكثير علي الدروس الخصوصية, وبالمثل الرعاية الصحية, والجزء الثالث تضمين السياسات الاقتصادية المتبعة بعدا اجتماعيا واضحا مثل تشجيع الاستثمار في الصعيد, وليس فقط بالوجه البحري, وتشجيع الشركات والصناعات بكل أنواعها. ومن جانبه أكد الدكتور أشرف العربي, وزير التخطيط, أن الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي بالغ الأهمية للاقتصاد المصري لما يمثله من شهادة ثقة في الوضع الاقتصادي ومستقبله, لافتا إلي أن قيمة القرض تكمن في شهادة الثقة التي سيحصل عليها الاقتصاد المصري.. وأضاف أنه رغم أهمية القرض فإن الظروف الحالية لا تسمح باستئناف المفاوضات مع إدارة الصندوق, نظرا للظروف الخارجية غير المستقرة وترقب المجتمع الدولي لتطور الأحداث في مصر, بالإضافة إلي الاستحقاقات الديمقراطية التي تتطلبها المرحلة الانتقالية. و شدد علي أن الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي يسهم في تحسين التصنيف الائتماني لمصر وخفض تكلفة الاقتراض واستعادة الثقة المفقودة في الوضع الاقتصادي, مشيرا إلي صعوبة الوضع الحالي نتيجة المشكلات المتراكمة التي يعاني منها الاقتصاد القومي وارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة إلي13% من إجمالي الناتج المحلي. يري الدكتور مصطفي احمد مصطفي مستشار المعهد القومي للتخطيط والخبير الاقتصادي السابق بالاممالمتحدة أن صندوق النقد الدولي يماطل منذ يناير2011 انتظارا لما سيسفر عنه صراع القوي السياسية واستنادا الي قوته داخل منظومة الاممالمتحدة اذ يعتبر من المؤسسات السوبر داخلها ومعظم مصادر التمويل تأتي من الولاياتالمتحدةالامريكية بالتالي يظن انه يمتلك القدرة والقوة في التدخل في الاحداث العالمية ويحاول ان يضغط ويحقق توجهاته. ويضيف ان الصندوق له اجراءات معقدة ويعقد اجتماعات ويرسل ويستقبل وفودا حتي يثبت حسن نية الحكومة التي يتعامل معها في تنفيذ الاصلاحات ولكن عندنا عجز موازنة كبير في مصر ادي الي خلل هيكلي في ميزان المدفوعات وزيادة نسبة البطالة والتضخم وانخفاض متتال في قيمة الجنيه وتخفيض في التصنيف الاتماني لمصر وكلها مبررات في يد الصندوق كي يضغط ويتلكأ مستفيدا من الوضع الضعيف للاقتصاد المصري. ويضيف: لن تأتي الاستثمارات الي مصر بقرض الصندوق بل بالاستقرار والامن والمؤشرات الايجابية للاداء الاقتصادي خلال الفترة الالنتقالية وان تعمل الطاقات العاطلة وطالما كانت هناك مشاكل ضاغطة علي الاقتصاد لن يعطينا الصندوق قرضا.. فلدينا الان اكثر من3000 مصنع متوقف وهناك نقص في المواد الاولية ومستلزمات الانتاج وضعف في الانتاج والتصنيع الزراعي.. في المقابل لدينا قطاعات صغيرة جاهزة للشغل والتنمية ولكن يقف غياب الامن والاستقرار عقبة تحول دون تحقيق ذلك, والمشكلة الرئيسية هي تشغيل الطاقات العاطلة وليس الأموال, فقد جاء الي مصر12 مليار دولار في48 ساعة في شكل مساعدات عربية ولكننا نحتاج الي ارساء دولة القانون في مؤسسات الدولة وان يشعر الناس بالامن وان تحصل علي حقوقها المجتمعية والاقتصادية كل هذه معطيات تكون منظومة غائبة يجب استردادها قبل اقرار قرض الصندوق.ويؤكد د. مصطفي انه اذا كان الاستثمار الخارجي حافزا فان الاستثمار المحلي حافز اكبر ولابد ان يكون في المرتبة الاولي لاثبات ان عجلة الاقتصاد تدور وتعمل. وتري د. يمن الحماقي استاذ الاقتصاد ان مصر عضو في صندوق النقد الدولي وتدفع حصتها وتغطي التزاماتها وبالتالي من حقها الاستفادة من التسهيلات الممنوحة بجانب ان الصندوق يضم مجموعة من الخبراء المتميزين الذين يمكن الاستفادة منهم لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي والقضية هنا ليست فقط الحصول علي4.8 مليار دولار, لابد من التحاور بين الخبراء المصريين والاجانب ولكن بشرط ان يكون الوضع الاقتصادي في مصر مناسبا ومشجعا امام العالم كله, كما يتميز الصندوق بان لديه منظومة متابعة وتقويم تتيح المتابعة المستمرة للاداء الاقتصادي والاستفادة كذلك من التجارب السابقة وعندما يمنحنا الصندوق قرضا فهذا يعني انه قيم اداءنا واقتصادنا وأنه يشهد بأننا دولة قادرة علي تسديد ديونها مما يترتب عليه شهادة استقرار للوضعين المالي والاقتصادي امام العالم.