عاد الجدل إلى الساحتين السياسية والاقتصادية حول جدوى الحصول على قروض دولية، بعد إعادة حكومة قنديل طلب الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار بدلا من3.2 مليار دولار، رغم رفض السابق للفكرة أثناء تولى حكومة الجنزوري.. فهل سيوافق الصندوق علي منح مصر إجمالي القرض؟ وما هي الشروط التي يجب على مصر تنفيذها للحصول عليه! «الشروق» التقت الدكتور فخري الفقي، المساعد السابق للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي بحثا عن إجابة لهذه التساؤلات.. فإلى نص الحوار..
*سألناه في البداية عن تقييمه لاتجاه الحكومة للاقتراض لموجهة العجز في الموازنة العامة للدولة؟
* الاقتراض من صندوق النقد ضروري لسد الفجوة التمويلية والاستثمارية التي يعاني منها الاقتصاد، والتي تصل إلى 11 مليار دولار للسنة ونصف القادمين؛ بمعني: إذا كنا نسعى لنمو اقتصادي بمعدل 4% : 4.5%، لخلق نحو 400 ألف فرصة عمل للشباب، وزيادة الإنتاج، فإننا نحتاج استثمارات بنحو 280 مليار جنيه، حسب المرصود في المرحلة الأولى من الخطة الخمسية حتى 2017 ، كما تبلغ مدخرات قطاعات الأفراد والأعمال والخاص والعام المتاحة داخل الاقتصاد نحو 220 مليار جنيه، لذلك نحتاج إلى 60 مليار جنيها، بما يساوي تقريباً 10 مليار دولار.
وفي هذه الحالة هناك بديلان أمام الدولة: الأول تسير فيه حاليا، وهو الاقتراض الداخلي من مدخرات المصريين في البنوك والمصارف – أذون وسندات الخزانة - بنسب تصل إلى 16% فائدة، وهذه تكلفة عالية جدا، وأجلها قصير لا يتعدى العام، كما أنها تزيد المديونية المحلية، وتعتبر محاولات متفرقة دون رابط بينها، وبالتالي لا تدخل في إطار منظومة للإصلاح الاقتصادي والهيكلي.
والبديل الاخر: الاقتراض من صندوق النقد الدولي، مع رفع قيمة القرض إلي 4.8 مليار دولار بدلا من 3.2 مليار دولار، وباقي المبلغ الذي يحتاجه الاقتصاد سوف يأتي في صورة استثمارات مباشرة وغير مباشرة.
* البعض يقول إن القرض ليس عليه فوائد، وأن نسبة ال1.1% هي مصاريف إدارية، ما دقة هذه المعلومة!؟
* نسبة 1.1% التي وضعها الصندوق على التسهيل الائتماني ليست مصاريف إدارية فقط كما ردد بعض الإسلاميين, القرض به نسبة 0.85% فائدة، وهذا الغلط المتعمد لا يليق، لكنني في النهاية أؤيد هذا القرض بعيدا عن المصالح المختلفة؛ لأنه البديل الأكثر جدوى والأقل تكلفة.
* بتقييم شامل وموضوعي.. ما هي مزايا وعيوب القرض؟
* بداية الاقتراض هو البديل الأقل تكلفة حيث فائدة القرض 1.1%، مقارنة مع البدائل الأخرى مثل طرح أذون وسندات الخزانة بنسبة فائدة وصلت إلي 16%.
ثانيا: مصر عضو مؤسس في الصندوق منذ تأسيسه في عام 1945، ولنا حصة في الصندوق تبلغ 1.6 مليار دولار غير مستغلة, وعدد الأعضاء بالصندوق 188 دولة، وعند الموافقة علي هذا القرض يعتبر شهادة ثقة وجدارة للاقتصاد من جميع الدول الأعضاء؛ مما يعطي ثقة كبيرة للمستثمر الأجنبي والمصري.
ثالثا: الاتفاقات التي تتم بين الحكومة والصندوق تسمى «تسهيل ائتماني» وليس قرضا؛ بمعنى أن الحكومة ستحصل علي 4.8 مليار دولار علي عدة شرائح، وبنسبة 1.1% فائدة على كل شريحة وليس على إجمالي المبلغ، وبالتالي إذا تعافي الاقتصاد بعد سحب الشريحة الأولي أو الثانية فيمكن أن نتوقف عن سحب باقي المبلغ.
رابعا: سداد قيمة التسهيل الائتماني بين 3 : 5 سنوات، مع إعطاء مصر فترة سماح ثلاث سنوات منذ الحصول علي القرض.
لكن في نفس الوقت، هناك عدة محاذير يجب أن تضعها الحكومة نصب أعينها، فمثلا يجب أن يضع برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والهيكلي، الذي سوف يوضع بالاتفاق مع الصندوق، خبراء مصريون، وأن يراعي بدقة وضع محدودي الدخل وأصحاب الدخول المتدنية، وأن يكون لدى حكومة قنديل آليات لتنفيذ ذلك، وإذا لم تراعي الحكومة هذه النقطة الهامة، فمن الممكن تشكل رفض شعبي للبرنامج الجديد، بما يعيد الاقتصاد إلى المربع صفر مرة أخرى، كما يجب مراعاة سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، لأن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه سيرفع ال القيمة الإجمالية للقرض، بما يشكل عبئا كبيرا علي الدولة.
* هل تتوقع أن يوافق الصندوق علي إعطاء مصر إجمالي قيمة القرض المطلوب؟
* مصر لها حصة في الصندوق غير مستغلة، وهي أيضا غير مدينة للصندوق، وقواعد الصندوق المعمول بها تتيح لأي دولة عضو أن تقترض ما بين ضعف إلى 6 أضعاف حصتها، وفي حالات استثنائية تكون 10 أضعاف، ومصر اختارت مؤخراً أن تقترض 3 أضعاف؛ لذلك فأنا اعتقد أن نحصل عليه كاملاً.
*هناك تخوف لدي الرأي العام من وجود شروط غير معلنة للصندوق للموافقة علي إعطاء القرض لمصر.. هل يمكن ذلك!؟
* في البداية كل شئ جائز، لكن كرستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي، استجابت لدعوة الحكومة المصرية بأسرع مما كنا نتصور، وجاءت إلى القاهرة علي رأس وفد رفيع جدا، وهذا من النادر أن يحدث، وأكدت في بيانها الصحفي وحديثها لرئيس الجمهورية وحكومته أنه لا توجد مشروطية علي الاطلاق كما كان معهودا من قبل، وبالفعل منذ فترة السبعينات إلى بداية الألفية وقبل الأزمة المالية العالمية، كان الصندوق يضع البرنامج ويشارك الحكومات في وضع البرنامج وبشروط قاسية، ولكن بعد الأزمة المالية العالمية بدأ يعدل الصندوق يعدل شروطه، وخاصة مع الدول النامية.
واعتقد أنه يوجد توجه عالمي لدي القوي الكبرى لمساعدة الديمقراطية الوليدة في مصر، واحتواء ثورات الربيع العربي، أما إذا وضع الصندوق سياسات تضر الجانب المصري وتؤثر على استقلالية قراره أو مصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة وأصحاب الدخول المنخفضة، فيجب أن نرفضه.
* بعيدا عن هذه الشروط، هل هناك معايير فنية يضعها الصندوق مقابل الحصول علي القرض؟
* هناك ثلاث اشياء يطلبها الصندوق؛ أولها: أن تضع الحكومة إصلاحي مالي واقتصادي بتصميم خبراء وطنيين، بشرط التأكد من أن البرنامج سوف يحقق الاستقرار ويساعد علي تعافي الاقتصاد، والثاني: التأكد من وجود آلية لدى الحكومة لتعزيز وضع الفقراء، وثالثا: يحتاج القرض إلى موافقة ممثلي الشعب، والتأكد من وجود قبول مجتمعي لهذا البرنامج الإصلاحي.
* ألا يهدد القرض مصر بالوصول إلى مصير إسبانيا، التي وصلت إلى أزمة ديون متفاقمة، في ضوء البرنامج الإصلاحي المتفق عليه بين الحكومة والصندوق؟
* أعتقد أن الصندوق رفع يده نهائيا عن موضوع تصميم البرنامج الإصلاحي ويترك الأمر الآن للحكومات والخبراء المحليين، ومصر تعيد الآن صياغة برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي لحكومة الجنزوري، بحيث نضيف إليه بعض المعايير الهيكلية التي تتصل بجميع شرائح المجتمع، لذلك فخبراء مصر هم الذين يضعون البرنامج، ولابد أن يكون لديهم آلية تخفف وطأة هذا البرنامج علي الشرائح ذات الدخل المحدود.
* هل يكون للقرض تأثيرات سلبية على الدين الخارجي الذي وصل 35 مليار دولار؟
* سيتحدد ذلك حسب عدد الشرائح التي ستسحبها الحكومة من الصندوق، فمن الممكن أن تسحب الحكومة الشريحة الأولى أو الثانية ثم يبدأ الاقتصاد في التعافي، وبالتالي التوقف عن سحب باقي المبلغ.
ومن الواضح أن البنك المركزي يدير احتياطي النقد الأجنبي بحرفية تامة، وفي البداية كان هناك محاولة لتثبت سعر صرف الدولار عند 6 جنيهات وثلاث قروش، ولكن مؤخرا وعقب التفاهمات مع الصندوق يبدو أن هناك اتفاق علي أن يبدي المركزي مرونة أكثر في إدارته لسعر الصرف، خاصة وأن سعر صرف الجنيه المصري مقدر بأكثر من قيمته.
* هل التخوفات من دخول استثمار عربية مباشرة من دول محددة وبكثافة إلي مصر حقيقية؟
* أعتقد أنه يجب الحرص من كل شيء، ولكن على الحكومة أن تأخذ في اعتبارها ما يضر بالسيادة واستقلال القرار المصري.
* اخيرا.. هل يمكن أن يتحول الاقتصاد المصري إلى النموذج الإسلامي؟
* من المفيد ألا نلون الفلسفة الاقتصادية، سواء باللون الأبيض «حر»، أو الأخضر» «إسلامي»، أو الأحمر «يساري»، أتصور أن جمع الأطياف الثلاثة في اقتصاد يمكن تسميته «اقتصادا حرا منظبطا» سيكون أفضل، من خلال التركيز علي 3 أبعاد: البعد الاجتماعي ليهتم بأصحاب الدخل المتدني، والعبد الأخلاقي بمعني غير مفسد وملتزم بتعاليم الاديان السماوية، والالتزام بأخلاقيات المهنة، مع حسن إدارة المخاطر التي نعيش فيها مع عصر العولمة.
أعتقد أنه في إطار مشروع النهضة وبرنامج حزب النور، هناك اتجاه لتشجيع المصارف الاسلامية، وهذا لا غبار عليه، طالماه ناك بنوك تقليدية إلي جانب البنوك التي تعمل وفق لتعاليم الشريعة الاسلامية، ولكن إذا تطلب الامر إعادة النظر و تعديل قانون 88 لسنة 2003، المنظم لعمل البنك المركزي والمصارف، لأن البنك المركزي متشدد في تراخيص بنوك جديدة.