مشروع قانون تداول المعلومات الذي انتهت وزارة العدل من صياغة ملامحه الرئيسية يحمل روحا استبدادية بدلا من ان يعكس روح ثورة25 يناير علي اعتبار أن القانون الجديد هو من ثمار هذه الثورة وإقرار السلطة بحق الشعب في المعرفة. ملامح الاستبداد والتسلط والالتفاف علي حرية تداول المعلومات ووصولها للمواطن صاحب الحق الأصيل في هذا البلد تتبدي في الكثير من بنود مشروع القانون. خذ عندك التعريفات المطاطة لما يسمي بمقتضيات المصلحة العامة ودواعي الحفاظ علي الأمن القومي للبلاد, بالطبع لا أحد يعترض علي ضرورة حجب المعلومات التي قد تضر بالأمن القومي ولكن عدم تحديد طبيعة هذه المعلومات وإدخال مصطلح مقتضيات المصلحة العامة- وهو تعبير كما نري غير محدد ومطاط- يفتح الباب واسعا أمام السلطة العامة وبيروقراطية الدولة لإخفاء أي معلومات تريد إخفاءها بحجة مقتضيات المصلحة العامة ولا ندري من هو المسئول أو الجهة التي يحق لها تحديد مقتضيات هذه المصلحة العامة وكيف يمكن منع اساءة استغلال هذه السلطة التقديرية التي يمنحها مشروع القانون لبعض الوزارات وكيف يمكن الرقابة علي سلامة هذه القرارات بمنع المعلومات لاسيما ان مشروع القانون لا يحدد وسيلة او طريقا للطعن علي عمليات حجب المعلومات في مثل هذه الحالات. مثال آخر علي الروح التسلطية المستبدة التي تشيع في معظم مواد القانون وهو انه حدد مدة75 عاما- نعم75 عاما بالتمام والكمال للإفراج عن وثائق الدولة الرسمية علي الرغم من ان القوانين المماثلة في بلاد العالم تحدد مددا تتراوح بين30,25 عاما فقط بعدها تصبح هذه الوثائق متاحة للباحثين والدراسين وكل من يريد الاطلاع عليها وكأن أسرار مصر ووثائقها أكثر خطورة من وثائق الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تتحكم في مصائر البلدان والشعوب. وتخيلوا أن الوثائق التي تتناول فترة ثورة25 يناير وهي من أخطر فترات التاريخ المصري الحديث لن تكون متاحة قبل عام2088 اذا ما قدر لهذا القانون ان يصدر في عام2013, أي منطق في مثل هذا الكلام سوي الرغبة في تكريس حالة الاستبداد والاستمرار في تضليل الشعب وإخفاء المعلومات التي تخص مستقبله ومستقبل أبنائه عنه وكأن السلطة وصية علي الشعب وليست مفوضة منه لإدارة شئونه. والمثير للسخرية أن يخرج علينا وزير العدل المستشار أحمد مكي الذي صدع رءوسنا بكلامه عن ضرورة استقلال القضاء وأهمية غل يد السلطة التنفيذية قبل الثورة ثم تجلي سلوكه السياسي عندما ذاق طعم السلطة منافيا لكل هذه الشعارات, يخرج علينا يقول ان مشروع قانون تداول المعلومات هو من اعظم قوانين تداول المعلومات في العالم. أرأيتم تضليلا أكثر من ذلك؟! - يا سادة إن حرية تدفق المعلومات ليست منحة من حاكم في عصر الانترنت والسماوات المفتوحة والأجيال الجديدة القادرة علي التواصل عبر الشبكات الافتراضية مع البشر في كل بقاع المعمورة. المعلومات أصبحت ركنا أساسيا في قضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ذلك لأنه بدون معلومات وشفافية يكون البديل فسادا مابعده فساد, حيث يمكن لقلة أن تستأثر بخيرات البلاد, أما حرية تداول المعلومات فهي كفيلة بإيجاد الحد الأدني من تكافؤ الفرص في المجتمع لأن المعلومة سوف تصل الي الجميع في وقت واحد وبالتالي لن يستطيع أحد استغلالها لحسابه حال حصوله عليها بمفرده. وحرية تداول المعلومات هي التي تمنع تغول السلطة وترسي أسس الحكم الرشيد وتتيح الرقابة الشعبية علي كل القرارات والتصرفات الحكومية وبالتالي تصبح وسيلة مثلي للمحاسبة حال حدوث أي أخطاء او تجاوزات. وأخيرا من يريد ان يحجب المعلومات عن الشعب هو من يريد ان يرتكب جرائم في الظلام ولا نظن ان المصريين بعد25 يناير لديهم أدني استعداد للقبول بأي جرائم ترتكب في الظلام فالعصر هو عصر المعلومات والمعلومات حق الشعب والحكومة خادمة للشعب وعليها ان تتيح له المعلومات دون قيد أوشرط وما دون ذلك يعود بنا الي عصور الاستبداد ومن لديه حنين الي هذه العصور عليه ان يتحمل النتيجة*