أصبح حق الحصول علي المعلومات وتداولها أمرا مفروغا منه في أي دولة تنتمي إلي عصرنا الراهن. فالدولة التي تهدر هذا الحق تحكم علي نفسها بالتهميش في عالم شهد أكبر ثورتين في تاريخ البشرية, وهما ثورة المعلومات وثورة الاتصالات. ولذلك ينبغي أن يقوم قانون المعلومات المفترض إصداره قريبا علي تيسير حق الحصول علي المعلومات, وليس فقط إباحته وعدم تقييده سواء بشكل مباشر أو بطريقة غير مباشرة. ولن يتحقق ذلك إلا إذا خلا القانون من مسمار جحا, الذي وضع في المادة47 من الدستور الذي لم يحدث توافق عليه, أو ما يشبهه. فقد تضمنت هذه المادة ثلاثة قيود علي حق الحصول علي المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق, والإفصاح عنها وتداولها. ومنها قيدان طبيعيان لا غبار عليهما, وهما حرمة الحياة الخاصة وحقوق الآخرين. أما القيد الثالث( بما لا يتعارض مع الأمن القومي) فهو يفتقد الوضوح والتحديد علي نحو يمكن أن يجعله ذريعة لحجب أي معلومات أو بيانات أو وثائق أو إحصاءات دون إبداء الأسباب التي تجعلها متعارضة مع الأمن القومي. وقد أثبتت تجربتنا وخبرات غيرنا أن استخدام تعبيرات مطاطة في النصوص الدستورية والقانونية المتعلقة بالحقوق يفتح الباب أمام تقييد أي حق بل مصادرته أيضا. ولذلك فقد حاولت مع عدد من أعضاء الجمعية التأسيسية قبل انسحابنا منها وضع صياغة أكثر تحديدا وانضباطا بشأن علاقة مسألة المعلومات بالأمن القومي, واقترحنا أن يكون النص هو( بما لا يعرض الأمن القومي لخطر محدد في وقت معين). والفرق هو أن الصياغة التي اقترحناها تفرض علي الجهة المختصة تحديد السبب الذي يجعل تداول معلومة ما تهديدا للأمن القومي, ونوع الخطر المتضمن في إباحتها في فترة معينة فلا يصح اتخاذ الأمن القومي الذي يحرص الجميع عليه ذريعة لإخفاء حقائق أو وقائع لا علاقة لها به, بل ربما يكون في منع بعضها من التداول ما يعرض هذا الأمن للخطر وليس العكس. لذلك لن يتوافر حق الحصول علي المعلومات وتداولها إذا تضمن القانون صياغات مطاطة تجعل الاستثناء هو القاعدة, أو وضع تنظيم هذا الحق بين يدي مجلس سلطوي يمثل السلطتين التنفيذية والتشريعية دون غيرهما تقريبا علي النحو الذي ورد في المشروع المتداول الآن في بعض وسائل الإعلام. المزيد من أعمدة د. وحيد عبدالمجيد