أعلنها طارق عامر، محافظ البنك المركزي من قبل صراحة بأنه ينوي تعويم الجنيه فقط عندما تصل احتياطيات النقد الأجنبي إلى 25 مليار دولار، معتبراً قرار التعويم أمراً حتمياً دون الإفصاح عن موعد اتخاذ القرار، وبدأت هذه الموجة من التصريحات في يوليو الماضي.
ولكن يبدو أن وجهة نظر "المركزي" تغيرت فبعد 4 شهور من إعلان نية التعويم، أتت المفاجأة، صباح اليوم، بإعلانه تحرير سعر الصرف وفقا لآليات العرض والطلب بدون أي زيادة معلنة في الاحتياطي الأجنبي، واضعاً سعراً استرشادياً للدولار بنحو 13 جنيه مع السماح للبنوك بالتحرك فى حدود 10٪ ، أى 14.30جنيه كحداً أقصى.
وتعد تصريحات وزير التجارة والصناعة المصري، المهندس طارق قابيل حول نية الحكومة تعويم الجنيه هي الأكثر إثارة للجدل لليورومني لهذا العام، قائلاً إن تخفيض العملة المحلية هو السبيل الوحيد أمام الحكومة لتعويض تراجع حجم السيولة بالعملات الأجنبية من جراء تراجع موارد النقد الأجنبي، مؤكداً أن تلك الخطوة باتت حتمية وتنفيذها مجرد وقت وتستهدف تعزيز الصادرات المصرية.
حيث لاقت تلك التصريحات ردود فعل غاضبة من جميع المتخصصين، ما اضطر الوزير إلى التراجع عن تصريحاته في بيان رسمي، واصفاً إياها بأنها قد شابها بعض الأخطاء نظراً لخروجها عن سياقها ونشرت بأسلوب يخالف الحقيقة حيث جاءت هذه التصريحات في رد على تساؤل من كريستوفر جارنيت مدير مؤتمر اليورومني خلال مشاركة الوزير في إحدى جلسات المؤتمر حول وجود نية لدى الحكومة لتعويم الجنيه للقضاء على أزمة سعر الصرف.
ولكن تقرير بنك الاستثمار "بلتون" الذي أفاد بأن البنك المركزي سيقدم على إجراء تعويم للجنيه المصري خلال ساعات في أول الشهر الماضي، متضمناً جدولاً زمنياً متوقعاً لتنفيذ عملية تعويم الجنيه، اعتبره البعض بالونة اختبار وقياس لردود أفعال السوق على هذا القرار وبناءً عليه يتم الاختيار بين سيناريوهين الأول التعويم الكامل للجنيه، والثاني خفضه من خلال طرح عطاء استثنائي لبيع الدولار، يعلن بالتزامن معه تحول مصر لنظام سعر صرف أكثر مرونة، على أن ينتقل المركزي للتعويم الكامل بعد ذلك في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على الأكثر.
ويعتبر تعويم سعر صرف الجنيه، هو أسلوب فى إدارة السياسة النقدية، ويعنى أن يترك البنك المركزي سعر صرف عملة ما ومعادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب فى السوق النقدية، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها تبعاً لمستوى تحرر اقتصادها الوطنى وكفاية أدائه ومرونة جهازها الإنتاجى.
وتضم سياسة التعويم نوعان، الأول هو "التعويم الحر" ويعني أن يترك البنك المركزي سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوى السوق والعرض والطلب، ويقتصر تدخل البنوك المركزية في هذه الحالة على التأثير فى سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير.
ويتم الاعتماد على هذا النوع من التعويم في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة، مثل الدولار الأمريكى والجنيه الاسترلينى والفرنك السويسرى، لكن لا يكون مجدياً أو يمكن الاعتماد عليه في الحالة المصري التي يعاني اقتصادها من العديد من الأزمات ولم تتحول بعد إلى دولة منتجة ترتفع صادراتها عن وارداتها.
والنوع الثانى من التعويم هو "التعويم المدار"، ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب مع تدخل البنك المركزى كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات، وذلك استجابة لمجموعة من المؤشرات مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب فى سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات فى أسواق سعر الصرف الموازية.
ويواجه قرار التعويم برفض واسع من جانب أغلب المتخصصين مؤكدين أنه سيحمل الكثير من المخاطر خاصة مع عدم وجود احتياطيات أجنبية آمنة، ما يعني سيطرة كاملة للمضاربين وتجار السوق السوداء على أسعار الصرف مع تعمق السوق الموازية في مصر رغم كافة الجهود الحكومية لمواجهتها والقضاء عليها.
ولابد أن تجدر الإشارة هنا إلى أن العامل الوحيد القادر على التخفيف من حدة الآثار السلبية لقرار التعويم هو زيادة الإنتاج لدعم الصادرات وفي المقابل زيادة الحصيلة من العملات الأجنبية.
ومن جانبه أوصى هاني توفيق، رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر بالتعويم الكامل و ليس التخفيض، و إلا سيستمر وجود سعرين للدولار وتستمر الاختلالات والمشاكل المترتبة على ذلك .
وطالب باتخاذ عدة إجراءات بالتزامن مع تعويم الجنيه أهمها منح3750 فرع بنك على امتداد مصر كلها صلاحية التعامل على الدولار، وبنفس آليات ومرونة شركات الصرافة، بحيث لايحتكر عدة أفراد تحديد سعر الدولار، ويكون السعر فى هذه الحالة هو السعر التوازني الناتج عن تفاعل قوى العرض و الطلب بحرية كاملة، فضلاً عن الإبقاء على سعر الدولار الجمركى عند 8.88 جنيه لتحجيم الارتفاع فى أسعار السلع بالسوق.
وناشد توفيق المواطنين بعدم المضاربة على الدولار، فالتجارب تقول إنه سيحدث ارتفاع مؤقت مصاحب لقرار التعويم ثم ماتلبث الأمور أن تعود بالسعر إلى مستويات توازنية أدنى خلال أيام قليلة.
ولفت إلى أنه على محافظ البنك المركزى توخي الحذر من استخدام الاحتياطى الدولارى لديه فى الدفاع عن سعر الجنيه لأنه أولاً سيكون تكراراً لأخطاء سابقة أضاعت أكثر من 70 مليار فى الماضى دون جدوى، و ثانياً أن الدولة لا تمتلك هذه الأموال وسيأتى موعد سدادها لأصحابها قريباً.