لا يمكن التفكير في اختفاء إسرائيل بل الأفضل التعامل على أنها الورقة الرابحة في وجه إيران وحلفائها
العرب وإسرائيل يتبادلون العلاقات والتعاون وراء واجهة من العداء
إيران أصبحت قوة إقليمية ذات بعد إيديولوجى قوى في حين أصبحت السنة الجهادية هى أقرب جواب على التطرف الشيعى
باعتبار أن العدو الرئيسى المشترك لإسرائيل ودول الخليج هو العدو الإيرانى، فإن هذه الدول تحافظ على علاقاتها الرسمية ومصالحها المشتركة مع إسرائيل، بالطبع هذا التحالف الموضوعى الذي يوحدهم لن يتحول بالطبع إلى تحالف رسمى بسبب القضية الفلسطينية، والتى تعتبر حجر عثرة حقيقيا في العلاقات بين الدولة اليهودية وأعضاء مجلس التعاون الخليجى. وفى الوقت الذي تهاجم فيه الدول الخليجية حزب الله، فإنها تلتفت من ورائه لتتحالف مع إسرائيل ضد الهلال الشيعى، الغريب أن حزب الله وهو حزب مدعوم من إيران ومصنف كمنظمة إرهابية من قبل إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجى، في الوقت نفسه الذي تعتبر فيه إيران المتمردين على الأرض السورية هم مجموعة من الإرهابيين، وبعيدا عن حرب التصنيفات هذه، فإن من الواضح أن إسرائيل ودول الخليج لديهم عدو مشترك واحد هو إيران. أما أسباب وأصول هذا العداء سواء مع إسرائيل أم مع الدول الخليجية فتعود وفقاً لما نشرته مجلة «أتلانتيكو» الفرنسية، من وجهة نظر المؤرخ الفرنسى «الآن روديير» إلى أن الثورة الإيرانية عندما جاءت عام 1979 فإنها أسست وضعا ونظاما سياسيا مبنيا للمرة الأولى على الإسلام السياسى، وفى منطقة مثل منطقة الشرق الأوسط، حيث الدين هو أساس كل شىء، حيث تمثل المملكة العربية السعودية مثلا حامى حمى الأماكن المقدسة والوصى عليها بل إنها بالإضافة لذلك تعتبر أساس الشرعية كان ذلك بمثابة تغيير عميق زاد من خطورته أن إيران شيعية وهو ما أضاف بعدا جديدا للتوتر الناتج عن تغيير الاتجاه إلى طهران، وليس أدل على ازدياد هذا التوتر هو أنه سرعان ما اندلعت الحرب بين العراقوإيران ليزداد الوضع خطورة، وتظل المنطقة تعانى منه حتى اليوم، في حين أن إيران أصبحت قوة إقليمية ذات بعد إيديولوجى قوى في حين أصبحت السنة الجهادية هى أقرب جواب على التطرف الشيعى، وفى هذا السياق وبما أنه عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979 لم يعد من الممكن التفكير جديا في اختفاء إسرائيل من على وجه الأرض بل إن وجودها أصبح مؤكدا، إن لم يكن هو الورقة الرابحة في وجه إيران وحلفائها. فإسرائيل لديها ثلاثة أعداء رئيسية على حد تعبير آلان روديير في مجلة أتلانتيك الفرنسية هم إيران وإيران وإيران ! وفى الواقع فإن إيران تمثل تهديدا وجوديا للدولة العبرية بل إن جهودها النووية تثير مخاوف إسرائيلية كبيرة. وقد فعلت إسرائيل كل شىء لإبطاء وعرقلة عملية التفاوض بشأن الاتفاق النووى الذي وقعته مجموعة الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن وألمانيا مع إيران في 14 يوليو 2015، وفى الوقت الحاضر، فإن إيران هى العدو الرئيسى لإسرائيل ويرتبط هذا في الواقع بأن التهديد التقليدى ضد الدولة اليهودية قد تغير بشكل كبير منذ الربيع العربى، فالآن لا توجد دولة في المنطقة كلها تشكل تهديدا لإسرائيل، ففي الماضي كانت العراقوسوريا ومصر تلك البلدان التى دخلت في صراعات عديدة مع إسرائيل كانت تمثل تهديدا لإسرائيل. وبالنسبة لدول الخليج فإنها تتهم إيران بسعيها لإنشاء الهلال الشيعي الذي يبدأ من إيران ليتكئ على سورياوالعراق وحزب الله المزروع بحرفية في لبنان وجزء ولو بسيط من البحرين واليمن، فهاتان الدولتان الأخيرتان تمثلان حجر عثرة للبحرين التى يعد غالبية سكانها من الشيعة بينما الأسرة الحاكمة من السنة، فدول الخليج تخشى اندلاع الثورات فيها وتحاول أن تحمى نفسها من عدوى الاحتجاجات داخل حدودها، ففى اليمن على سبيل المثال تدور رحى الحرب، حيث سقطت نصف البلاد الغربية في أيدى الحوثيين الذين تدعهمهم طهران والمؤيدون السابقون للرئيس صالح والذين يواجهون بدورهم قوات الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى وتحالف الدول العربية الذي تقوده المملكة العربية السعودية، فالشعور بأن طهران لديها نيات الهيمنة على المنطقة هو شعور مشترك لدى جميع دول الخليج السنية. وعلى ذلك فإن إسرائيل ودول الخليج تتوحد ضد عدو مشترك، وبالتالى فإن هناك إجراءات مشتركة ومنسقة تنفذها دول الخليج وإسرائيل لمواجهة التهديد الإيرانى، فوفقا لصنداى تايمز فإن رئيس الموساد السابق مائير داجان قد زار المملكة العربية السعودية لمناقشة التعاون العسكرى في سياق القيام بهجوم ضد إيران ويعلم الجميع أيضا أن إسرائيل تحتفظ بعلاقات شبه رسمية مع قطر منذ 20 عاما، وبالتالى ليس من المستغرب أن يكون هناك افتراض بوجود اتصالات مباشرة بين القادة الإسرائيليين والحكومات فى المنطقة العربية أو غيرها، فوثائق ويكيليكس قد كشفت بدورها أن هناك علاقات ملموسة بين دول الخليج وإسرائيل بل إن هناك اجتماعات غير رسمية قد عقدت. فقطر في الواقع أعلنت أنه في حال تنظيمها لكأس العالم المقبل، فإنها ستدعو الإسرائيليين، وعلاوة على ذلك فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين قطر وإسرائيل آخذة في النمو والتطور، لاسيما من خلال التمويلات القطرية في إسرائيل. وبصرف النظر عن هذا العدو المشترك وهو إيران، فإن هناك مصالح مشتركة لإسرائيل ودول الخليج العربى في منطقة الشرق الأوسط والأدنى وغيرهما. فهذه الدول الخليجية برغم أنها دول فاحشة الثراء فإنها دول هشة على حد تعبير المحلل السياسى الفرنسى جيل ميالى” فهو يرى أن هذه الدول تحتاج إلى الاستقرار، لتكون قادرة على استخراج وتصدير النفط والغاز كما أنها تحتاج للحفاظ على الوضع السياسى والاجتماعى والدينى الراهن داخل حدودها. وبالإضافة إلى كل ذلك فهى تحتاج لتكون أكثر قدرة على الحوار البناء مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية وخصوصا عندما تكون هذه الجهات تتمتع بقوة عسكرية واقتصادية كبيرة وعلى علاقة وثيقة بالولاياتالمتحدة. فكل دولة من دول الخليج تسعى إلى الحفاظ على الحكم بل إنها تتوجس خيفة من أية محاولة لزعزعة الاستقرار في الحكم، وبالتالى فإن إسرائيل بدورها تفضل هى أيضا أن يكون شركاؤها معروفين جيدا بالنسبة لها على أن يكونوا من الدول التى خاضت مغامرات ثورية، لأنها لن تكون مطمئنة لمن سيتولى الحكم بعد الإطاحة بالزعيم القديم، وبعبارة أخرى فإن إسرائيل تحديدا مثلها مثل دول الخليج لا مصلحة لهم في أن تتولى الحكم حركات متشددة مثل داعش أو تنظيم القاعدة، وعلاوة على ذلك فإن الأمريكيين في طريقهم للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط لمصلحة الشرق الأقصى، وهو ما أصبح مدعاة للقلق بالنسبة للدول العربية في المنطقة التى تجمعها علاقات قديمة مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وبرغم كل ذلك فلا يمكن أن نذهب إلى الحديث عن تحالف موضوعى بين إسرائيل ودول الخليج، فهو مصطلح غير مناسب على حد تعبير المجلة الفرنسية والتى وصفت العلاقات بأنها علاقات غير رسمية بين فاعلين يتبادلون الأفكار والمواقف والحوارات والتعاون ولكن وراء واجهة من العداء. يمكن للمرء الحديث عن وجود تحالف موضوعى ولكنه ليس تحالفا رسميا فالمشكلة الحقيقية التى تواجهها الدول العربية وكذلك إيران في علاقتهم بإسرائيل هى القضية الفلسطينية التى ستعنى منع إنشاء أى علاقات دبلوماسية مفتوحة بين إسرائيل والدول العربية إلى أن تحل المشكلة في السنوات المقبلة، فالقضية الفلسطينية هى حجر العثرة الذي يمنع من وجود تحالف رسمى، بالإضافة إلى ذلك فإن سياسة الاستيطان في الأراضى المحتلة، خصوصا في القدس يعتبر أمرا سلبيا للغاية من قبل الرأى العام في الخليج العربى، فقادة هذه الدول حتى لو كانت دولا ديكتاتورية يأخذون في الاعتبار حساسية شعوبهم الشديدة تجاه القضية الفلسطينية كما يكرهون سياسة إسرائيل الاستيطانية، إذن فمحاولة اعتماد موقف رسمى مع إسرائيل يبدو وكأنه تطبيع او تصالح من شأنه أن يتسبب في انفجار الاحتجاجات الداخلية، وبالتالى فإن هذا هو السبب في أن تستمر إسرائيل ككيان مدان دائما فور إعلانه إنشاء مستوطنة جديدة أو تنفيذه لعملية عسكرية مثل عملية الرصاص المصبوب التى وقعت في صيف 2015 والتى استعدت كل الدول العربية ضدها.