لا يمكن تقبل فكرة عجز أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية عن معرفة مصادر تمويل داعش - لم نكن رعاة رسميين أو غير رسميين للإرهاب وندعو لبناء الإنسان المسلم اعتمادا على الوسطية والاعتدال والحكمة
- حرصنا على تحصين الشباب بعلوم الدين والشريعة ضد محاولات الاستقطاب من التنظيمات الإرهابية
- دعمنا الثوار فى ليبيا لتخليصهم من ديكتاتور ولإنقاذ السودان من شروره الفظيعة
- القذافى قدم الأسلحة لحركات التمرد فى الجنوب ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودعم إريتريا وأوغندا فى حربهما معنا
- لدينا علاقة مع كل الثوار فى ليبيا ونرى ضرورة دمجهم
- فى الحياة العامة حتى لا يتركوا مسلحين دون نظام
- لا بد من تغليب لغة العقل والالتفاف حول الجيش الليبى للوصول إلى ظروف أمنية أكثر استقرارا
- ندعم الجيش الليبى واتفقنا على تمويله وتسليحه
- رحبنا بحكومة «السراج» وأيدنا خطواته بالانتقال إلى طرابلس
أكد الرئيس السودانى عمر البشير فى حواره مع "الأهرام العربي" أنه لا يمكن تقبل فكرة عجز أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية عن معرفة مصادر تمويل داعش، مشيرا إلى أن حفتر يحمل توجها عدائيا تجاه السودان، ولكن فى المقابل هناك حكومة ليبيا نتعامل معها ولم يكن «للإخوان المسلمين» أى وجود عند قيام الثورة فى ليبيا ولذلك لم يكن لديهم فى هذه الثورة أى حضور أو مشاركة يعمل لها حساب، فإلى نص الحوار:
بمناسبة الحديث عن بناء الثقة، دعنا نتطرق إلى موجة الإرهاب والتطرف التى تضرب منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، أتحدث تحديدًا عما يدور من إرهاب على أجزاء من أرض مصر.. هل ترك المجتمع الدولى مصر وحدها تحارب الإرهاب نيابة عنه.. أين السودان من هذا؟ السودان ومصر فى خندق واحد، لأننا نتأثر بالعمليات الإرهابية ولسنا استثناء، والسودان ومصر وغيرهما من بلدان المنطقة أصبحت تواجه مخاطر غير مسبوقة تهدد أمنها القومى وتستهدف استقرارها السياسى ومؤسساتها ومكاسبها الاقتصادية والحضارية، وهذه الظاهرة المؤسفة تزداد تناميًا وانتشارًا وخطورة على دول المنطقة وكذلك على دول الجوار الإفريقى، وذلك عبر الامتداد الجغرافى فى ساحات تبدو بعيدة من حيث المسافة ولكنها قريبة بحكم الأهداف والتعاون والمد التضامنى والتأثير العقائدى التكفيرى بين الكيانات المتشددة التكفيرية. حديثكم عن الكيانات المتشددة التكفيرية يدفعنى إلى الحديث عن نظرتكم إلى تنامى تحركات «داعش» ورفقائه مثل «القاعدة» و «الحوثيين» و«بوكو حرام» و«حزب الله»؟ هذه المنظمات تجد البيئة المناسبة للعيش عندما تنهار أنظمة الدولة، حيث تحدث فراغات فى هذه الدول فى ظل محاولة بعض وسائل الإعلام عكس بعض المظالم من الأنظمة أو بعض المظالم التى تنفذها إسرائيل فى حق الشعب الفلسطينى التى تعد عوامل محفزة لبعض الشباب الذين يجدون متنفسًا فى مثل تلك المنظمات والتصرف بشكل غير مسئول فى ظل فراغات أمنية وتصدع أنظمة الدولة، وهذا ما يحدث فى العراقوسوريا ودول أخرى أصبحت مهيأة لمثل هذه الحركات والتنظيمات حيث وجود إمكانيات من خلال المقاتلين بجانب الدعم المادى من بعض الجهات التى تحاول اللعب فى الماء العكر مما يضعف الأمن والوضع العربيين. تتحدث عن دعم خارجى ومالى لهذه التنظيمات التكفيرية هل أصبحت هذه التنظيمات أقوى من جيوش نظامية؟ وهل تعجز أجهزة الاستخبارات فى فك شفرتها؟ إن تنظيم «داعش» يعد امتدادًا طبيعيًا لتنظيم القاعدة الإرهابى الذى وجد عبر مجموعة من السياسات الخاطئة التى عملت على تقويته ودعمه فى العديد من الدول فى المنطقة، إلى أن بات بهذا الشكل المفاجئ والمثير للقلق، تنظيمًا يمتلك كل الترسانة من الأسلحة والمعدات لا يمكن أن يظهر بشكل مفاجئ دون وجود دعم خارجى ولوجستى. إن التنظيم بدأ بالفعل فى تعزيز مصادر دخله وتمويله بعد أن بلغ إجمالى إنتاجه من النفط 150 ألف برميل يوميًا، إن حجم العمليات العسكرية والذخائر المستخدمة فى النزاعات الدائرة فى كل من سورياوالعراق يفرض علينا طرح الأسئلة المباشرة حول الآليات التى تسمح لهذا التنظيم من الوصول إلى كل ذلك الدعم اللوجستي، ولا يمكن تقبل فكرة عجز أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية من معرفة مصادر تمويل هذا التنظيم. قد أفهم أن هناك اتهامات مباشرة للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية بدعم هذا التنظيم.. فى حين هم يؤكدون أنكم كنتم «الراعى الرسمي» لتنظيم القاعدة، على الرغم من قلة عدد الإرهابيين السودانيين داخل تنظيم «داعش»، بماذا تفسر ذلك؟ لم نكن يومًا ما رعاة رسميين أو غير رسميين للإرهاب، نحن دائمًا ندعو إلى ضرورة الاهتمام بالبناء الداخلى للإنسان المسلم والتركيز فى ذلك على الوسطية والاعتدال والحكمة، وهى صفات ثلاث جاءت فى القرآن الكريم نحن دائمًا ندعو إلى محاربة الأفكار التى تروج لها التنظيمات الإرهابية والتكفيرية الضالة، والسودان يعانى من فترة من عمليات الاستقطاب السرية لشباب السودان ضمن الجماعات الإرهابية المقاتلة، ولقد تنبهنا إلى تلك المشكلة مبكرًا وعملنا على إيجاد عدد من الطاقات الشبابية المحصنة بعلوم الدين والشريعة، وعملنا على إعدادهم للتصدى لما تزرعه تلك التنظيمات فى عقول الشباب. نجحنا إلى حد بعيد فى السيطرة على مثل تلك الممارسات، بل أوجدنا من العناصر العائدة من يسهم معنا فى توصيل حقيقة الجماعات الإرهابية التى تتستر خلف عباءة الدين، لأننا نؤمن أن الفكر الإرهابى لا يمكن مواجهته إلا بالفكر. ومع ذلك يرى البعض أن سجلكم ليس ناصع البياض فيما يتعلق بدعم الإرهاب، أتحدث عما يردده البعض عن دوركم الواضح فى زعزعة الاستقرار وبث الفرقة فى ليبيا؟ دعنا نقسم ما حدث فى ليبيا إلى فترات، فقبل قيام الثورة ضد معمر القذافى كنا نحن فى السودان أكثر جهة متأزمة من ليبيا، حيث كان القذافى يقدم كل الدعم والتمويل والسلاح لحركات التمرد فى السودان سواء فى الجنوب أم دارفور أم النيل الأزرق، كردفان، فالأسلحة كانت تأتى بنسبة 100 % من القذافي، ومنذ عام 1983 دعم جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ووفر كل احتياجاته لخوض حروب ضد حكومة السودان، وعندما انتهى أمر قرنق إلى اتفاقية السلام الشامل التى عمل ضدها لتنتهى بانفصال جنوب السودان، وجد بعد ذلك ضالته فى حركات التمرد فى دارفور، وكذلك الحال عندما كانت إريتريا وأوغندا فى حالة حرب معنا، القذافى كان دعمه مفتوحًا من حيث السلاح والمال للتضييق على السودان ومحاربته، وعندما اشتعلت الثورة فى ليبيا رأينا ضرورة تخليص الشعب الليبى من الديكتاتور، فضلاً عن حاجتنا لتقية السودان من شروره الفظيعة، فدعمنا الثوار. وبدعمكم للثوار فقد اخترتم الجماعات الإرهابية المتطرفة التى تدين بالولاء لكم، وأرسلتم طائراتكم بالسلاح إلى «الكفرة» وغيرها من المدن الليبية؟ لقد عملنا على دعم الثوار هناك الذين لم يكونوا تحت قيادة واحدة فالكل تحرك فى منطقته سواء فى «الكفرة» أو «بنى غازي» أم «مصراتة» أم «الزنتان» أو «سبها» ولم تجمع بينهم قيادة موحدة ونحن تواصلنا معهم جميعًا، وبالتالى كانت لنا علاقات مع كل مكونات الثوار بعد التغيير، ونحن دعونا إلى ضرورة جمع هذه المجموعات الثورية ودمجها فى أجهزة الدولة لأن بقاءها بهذه الصورة يشكل تهديدًا، ولو كنا نريد أن نرسل ذخيرة كتلك التى أرسلت إلى «الكفرة» لم نكن لنرسلها بطائرات «أنتينوف» وكان يمكن إرسالها مباشرة من الخرطوم، هذه أحاديث غير صحيحة واتهامات باطلة. لست أنا من يقدم هذه الاتهامات ولكنها حكومة «عبد الله الثني» هى التى تؤكد أنكم تدعمون فصائل على حساب أطراف أخرى؟ لم ندعم فصيلا ضد آخر، وحينما حصل الخلاف بين الفصائل كان لدينا موقف واضح أن كل دول الجوار الليبى تشترك مع بعضها لجمع الفرق المختلفة، وهذا هو موقفنا وقد اقتنع الرئيس «عبد الله الثني» أن المعلومات التى بنى عليها الاتهامات كانت خطأ لأنه هو من وقع معنا اتفاقية مشتركة بين ليبيا والسودان حيث لدينا قوات مشتركة فى «الكفرة» ولدينا قوات داخل ليبيا لتأمين الحدود ونحن أسهمنا فى بناء جيش وطنى، وبالتالى فتحنا الكليات العسكرية والمدارس والمعاهد للإخوة الليبيين. إذا لم تتفق مع كلام «الثني» فماذا تفسر ما قاله الفريق «خليفة حفتر» من دعمكم لميليشيات «فجر ليبيا» المتطرفة، ومحاولة دعمكم «الإخوان المسلمين» خلال ثورة ليبيا؟ لا نزال نرى فى «حفتر» توجها عدائيا تجاه السودان، ولكن فى المقابل هناك حكومة ليبيا نتعامل معها ولم يكن «للإخوان المسلمين» أى وجود عند قيام الثورة فى ليبيا ولذلك لم يكن لديهم فى هذه الثورة أى حضور أو مشاركة يعمل لها حساب، لأن القذافى كان قد طاردهم وقتلهم وشردهم، ولذلك لدينا علاقة مع كل الثوار فى ليبيا بمختلف توجهاتهم وتياراتهم، لكننا نؤكد دمج كل الثوار فى الحياة العامة حتى لا يتركوا هكذا مسلحين دون نظام. بالفعل هناك ميليشيات مسلحة دون نظام فى بلد مترامية الأطراف دون حكومة مركزية قوية، أين علاقاتكم مع الجميع التى من المفترض أن توظف لصالح استقرار هذه البلد، وكيف يمكن السيطرة على ليبيا؟ بحكم علاقتنا مع الأطراف المختلفة فى ليبيا كان توجهنا لاستغلال هذه العلاقة فى إصلاح ذات البين ولم شمل البيت الليبى بغض النظر عن مكونات الشعب الليبي، وبالتالى منع الصراع داخل البلاد، ليبيا التى تتميز بأنها بلاد واسعة وبها مناطق صحراوية وعرة جداً ولا تستطيع أى جهة أن تسيطر من خلال العمل المسلح على ليبيا، ويقينى أن ليبيا لا يمكن السيطرة عليها إلا من خلال توافق سياسى، لأن انهيار ليبيا يخلق بيئة صالحة جدًا للجماعات الإرهابية. وبالطبع مصر من أكثر الدول المتضررة من تنامى الإرهاب فى ليبيا.. هل هناك تنسيق إقليمى بهذا الخصوص؟ السودان لها مواقف ثابتة فى قضايا الدول المجاورة لابد من ضرورة تغليب لغة العقل والالتفاف حول الجيش الليبى للوصول إلى ظروف أمنية أكثر استقرارا وأمنًا، الحكومة السودانية أبرمت معاهدة مع القوات المسلحة الليبية تضمن حماية الحدود بين البلدين، وبحثنا مع الإخوة فى مصر تأمين الحدود السودانية المصرية الليبية لأن تهديد أمنها يشكل خطرًا على مصر كما هو على ليبيا والسودان، ولذلك أمنت مصر حدودها مع ليبيا حتى لا تتسلل أى قوة معادية من طرف آخر ولدينا تفهم حول قوة ثلاثية لتأمين الحدود. كيف ترى الخطوات الداعية لرفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي، وكيف هى رؤيتكم لحكومة «فايز السراج» المنبثقة عن حوار «الصخيرات»؟ نحن على قناعة تامة بتكوين جيش ليبى قوى وفتحنا كل مراكز التدريب للإخوة الليبيين ولايزال عدد منهم موجود فى الكلية الحربية وكلية القادة واتفقنا على تمويل الجيش الليبى وتسليحه وندعم الجيش الليبى وضد أى تدخل عسكرى من أى دولة لدعم أى طرف فى ليبيا، وقد رحبنا بحكومة «السراج» وأيدنا خطواته الجريئة بالانتقال إلى العاصمة طرابلس والوضع بدأ يستقيم لأن أى قتال داخل ليبيا سيخلف نزاعات وستملأ هذه الفراغات مجموعات إرهابية وخاصة «داعش» التى تتواجد فى مدينة «سرت»، ونحن مع استقرار ليبيا ووحدتها ووجود حكومة واحدة قوية تسيطر على الأوضاع هناك. نتخوف من وجود «داعش» فى «سرت» الذى تمدد بالفعل وأصبح ينسق مع تنظيم «بوكو حرام» فى منطقة الصحراء الكبرى، وبدأ تدفق السلاح من تشاد والسودان ودول إفريقية أخرى، من هنا تبدأ مآسى اللاجئين والهجرة غير الشرعية هل أصبحت هذه المنطقة رخوة وحاضنة للإرهاب؟ السودان يقوم بعمل احتياطاته؟ تأمينًا للحدود خصوصًا الغربية؟ لمنع استغلال الحركات الإرهابية لحالة الفراغ الأمنى الموجود فى بعض المناطق الحدودية لدول الجوار، حيث إن الحركات المسلحة تنشط فى نفس المناطق وتقوم بنقل السلاح بين الدول بصورة غير مشروعة، وملف الإرهاب هو شأن إقليمى ودولى وليس له دين ولا جنسية ولا وطن، وليس شأنا يخص دولة واحدة، ولذلك تحدث التحالفات بين الدول كى تحافظ على الأمن ومواطنيها. وقد اتفقنا مع تشاد ودولة إفريقيا الوسطى على تأسيس قوات مشتركة لمناهضة تدفق السلاح ومنع الهجرة غير الشرعية، ولن نسمح بأن تكون السودان أرضًا خصبة لزراعة الإرهاب. تبدو الأمور وكأنها تفرض فرضًا من الخارج على المنطقة، هل تقبل بتدخل عسكرى عبر «الناتو» فى ليبيا، وهل توافق على إرسال قوات عسكرية سودانية إلى هناك، ولماذا كنتم من المعارضين وغير المتحمسين لتكوين القوة العسكرية العربية المشتركة؟ لقد رفعنا شعار الرفض البات للتدخل الأجنبى فى ليبيا، لأنه سيزيد الأمر تعقيدًا وستكون ليبيا ساحة حرب حقيقية للإرهاب، إن مواجهة الإرهاب تتطلب وقوف المجتمع الدولى بشكل حازم، وللأسف لا توجد رؤية واضحة ومتكافئة لدى القوى الخارجية حول كيفية التعامل مع قضايا وشعوب المنطقة. لا نوافق على إرسال قوات عسكرية سودانية إلى ليبيا ونؤيد فكرة التعاون العربى العسكرى ولم نرفض فكرة إنشاء القوة العربية المشتركة، لكنها لم تحصل على الإجماع ولا نستطيع أن نفرض رؤيتنا على أحد. لكن القوة العربية مطلوبة لحماية الأمن العربى وخدمة المصالح العربية. ترفض التدخل العسكرى الغربى وحتى الآن لم تستطع دول المنطقة هزيمة الإرهاب عسكريًا، وهناك حملات إعلامية غربية منظمة تستهدف تشويه الإسلام ومحاولة ربطه بالإرهاب، كيف يمكن المواجهة؟ نعم هناك جهات تحاول إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام وتعمل على وصمه بأنه دين العنف والقتل والتدمير والإيذاء والنيل من الغير، ومحاولة إلباس الإسلام لباس الفوضى والعشوائية والقمع، ولكن الإسلام هو دين المحبة والتسامح والرحمة وسبيل دعوته اللين والحكمة وليس حد السيف، ولابد من محاربة الأفكار التى تروج لها التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، وكذلك مواجهة الحملات الإعلامية المغرضة التى تستهدف تشويه صورة الإسلام، ولابد من مد الجسور للتعريف بالإسلام أكثر من المؤسسات الثقافية والبحثية ومع وسائل الإعلام، ولابد من التركيز على الوسطية والاعتدال والحكمة.