السيد رشاد فى وقت لا يزال فيه المجتمع المصرى فى حالة «الصدمة» الأولي، بعد تكرار تسريب امتحانات الثانوية العامة، وهى ورقة التوت الأخيرة التى ألقاها مجتمع الفساد فى مصر فى وجه الحاضر والمستقبل معاً، فاستبدلنا لفظ «الحب يجمعنا» و«الوطن يجمعنا»، إلى «الغش يجمعنا» خصوصاً بعدما أصبح مثاراً للتفاخر، وخصص له العديد من الصفحات «العلنية» على مواقع التواصل الاجتماعى مثل «شاومينج» وغيره، ولأن الدولة الحاضر الغائب فى كل ما يخص المجتمع وقضاياه، فقد تبنت مواقع التواصل الاجتماعى ذاتها طرح حلول لهذه المعضلة الجديدة، التى عجزت وزارة التربية والتعليم بجيوشها ومستشاريها وأجهزتها، ومن ورائها الحكومة المصرية كلها عن إيقافها، صحيح أن تسريب الامتحانات والغش موجود حتى فى دول العالم المتقدمة، طالما هناك ضعاف نفوس وانتهازيون، لكن تبقى هناك حالات استثنائية يسهل محاصرتها، ومحاسبة مرتكبيها ومنع تفاقمها، بينما هنا تكاد تكون أسلوب حياة، المثير للدهشة ومع غياب الدولة، تفننت مواقع التواصل فى رصد وطرح حلول لمواجهة ظاهرة الغش، وتسريب الامتحانات استعانة بتجارب دول أخري، ومن أبرزها موقع «هافينجتون» من تدوين محمود كارم الذى يطرح عدداً من التجارب يبدأها بتجربة الصين التى تعرضت لحالات تسريب الامتحانات على نطاق واسع عبر الإنترنت خلال العامين 2014 و2015، وهو ما ترتب عليه إلغاء الامتحانات وكانت معاناة كبري، لكن مدينة صينية تمكنت من التوصل إلى حل لتلك المشكلة، حيث قامت بمراقبة الامتحانات بطائرات صغيرة دون طيار ونجحت الخطة وأوقفت الغش الجماعي. أما اليابان فأنشأت هيئة مستقلة لوضع الامتحانات باسم «الوكالة الإدارية المستقلة»، وذلك للقضاء على الغش فى الامتحانات خصوصا بعد أن ابتكر الطلبة طرقاً جديدة تمكنهم من الحصول على الإجابات، وهذا ما نجحت فيه بالفعل، كما اختصرت فترة الامتحانات فى المرحلة الثانوية ليومين فقط من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساءً. إلا أن واقعة غش طالبة بالمرحلة الإعدادية عبر البريد الإلكترونى من هاتفها، دفعت فريقاً من الباحثين لاختراع جهاز لتحديد أماكن الطلاب الذين يستخدمون الهواتف المحمولة داخل قاعات الامتحانات أطلق عليه جهاز مراقبة الموجات. أما أطرف وسيلة فقد اتخذتها لمنع تسرب الامتحانات والغش، فبالإضافة إلى قطع خدمات الهواتف والإنترنت خلال وقت الامتحانات، كان الإجراء الأغرب يتمثل فى قيام الجيش الهندى بإجبار مؤدّى امتحانات القبول على خلع ملابسهم، والبقاء فى اللجان بالملابس الداخلية لتفادى الغش مع تخصيص مراقبين ولجان للذكور وأخرى للإناث من ذات الجنس. وقد جاءت تلك الإجراءات بعد أن تم إلغاء عدد من الامتحانات بسبب تسربها على مواقع الإنترنت على نطاق واسع عدة مرات. فيما شهدت الإمارات التى تحتل المركز الأول عربياً وال45 عالمياً فى قائمة جودة النظام التعليمي، بعض وقائع تسريب الامتحانات، إلا أن نظام SIS «إدارة معلومات الطلبة» استطاع أن يحدّ من تلك الوقائع، حيث تنقل عبره الامتحانات من الوزارة إلى المدارس وسط نظام أمنى مُحكم. وكما تخطط الإمارات لإجراء الاختبارات المدرسية إلكترونياً بشكل تدريجى بدءاً من العام الدراسى المقبل، بحيث يشمل التحديث الجديد رفع سرعة الإنترنت، وزيادة سعة خوادم التخزين ومعالجات البيانات، فضلاً عن تعزيز أنظمة الحماية الرقمية. بينما اتخذت الحكومة العراقية إجراءات لوضع حد لمشكلة تسريب الامتحانات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قامت بقطع الإنترنت عن الدولة بأكملها بالتزامن مع مواعيد امتحانات طلاب الصف السادس الابتدائي، وبدأت الحكومة فى تنفيذ ذلك القرار منذ 2015، والسبب وراء ذلك الإجراء الحاسم مع طلاب الصف السادس الابتدائي، يرجع إلى أن تلك المرحلة التعليمية هى الأهم فى العراق، فالقانون العراقى ينص على أن التعليم إلزامى على جميع الأطفال حتى الصف السادس الابتدائي، ومن لا يتمكن من النجاح فى تلك المرحلة يتم إخراجه من المدرسة؛ لذا فهى مرحلة مصيرية.