هشام الصافورى منذ استيلاء الكيان الصهيونى على أم الرشراش واحتلالها فى عام 1949، وعبر أكثر من دورة برلمانية حافلة بالمناقشات والاستجوابات وطلبات الإحاطة، فإن قضية أم الرشراش لم تحظ بكثير من الاهتمام من نواب البرلمان منذ أكثر من 65 عاما وحتى الآن، لكن كانت هناك محاولات فردية من بعض النواب لإثارة هذا الملف والتأكيد على مصرية أم الرشراش. كان من ضمن هذه المحاولات ما أثاره النائب محمد العدلى فى برلمان عام 2006، بسبب ما أعلنته تل أبيب عن شق قناة تربط بين أم الرشراش - إيلات - والبحر الميت، مؤكدا أنها أرض مصرية طبقا لتقارير إدارة الشئون السياسية بالجامعة العربية، ومن الواجب أن تستعيد مصر هذه القرية الحدودية التى تسيطر عليها إسرائيل. وفى لجنة العلاقات الخارجية التى كان يرأسها د. مصطقى الفقى، ثار جدال كبير بين العدلى وبين بعض أعضاء اللجنة حول الهوية الحقيقية لهذه المنطقة، وقال السفير عبد العزيز سيف النصر مساعد وزير الخارجية للشئون القانونية سابقا، إن أم الرشراش فلسطينية وليست مصرية، وفقا لمعاهدة السلام الموقعة بين إسرائيل ومصر عام 1979، واتفق معه فى الرأى د. نبيل العربى أمين عام الجامعة العربية الحالى وممثل مصر السابق فى محكمة العدل الدولية، الذى حضر الاجتماع حينئذ بصفته خبيرا متخصصا. وأكد السفير سيف النصر الذى حضر اجتماع اللجنة أيضا بصفته خبيرا فى هذا المجال، على أن إيلات لم تكن مطلقا داخل الحدود المصرية، وأن وزارة الخارجية لا تتقاعس فى هذه المسألة، وأن الحدود الدولية المثبتة هى الحدود بين مصر وفلسطين عندما كانت تحت الانتداب، وهى حدود مصونة لم يمسسها أحد. وهذا ما دعا لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب أن تطلب من وزارة الخارجية مخاطبة جامعة الدول العربية لإرسال تقريرها حول مصرية قرية أم الرشراش الحدودية لمجلس الشعب لحسم الجدل الدائر حول القضية، وللتأكيد على أن أم الرشراش كانت جزءا من الخريطة المصرية. وكان العدلى قد أكد فى بيانه أمام اللجنة أن إدارة الشئون السياسية بالجامعة العربية قد أعدت تقريرا حول أم الرشراش أثناء أزمة جزر حنيش بين اليمن وإريتريا التى احتل فيها الجانب الإريترى الجزر بإيعاز إسرائيلى لإثارة أزمة فى البحر الأحمر لوضع قدمها فى هذه المنطقة الإستراتيجية. وشدد التقرير على ضرورة أن تطالب مصر باستعادة قرية أم الرشراش الحدودية استنادا إلى مصادر تاريخية وجغرافية موجودة لدى الجامعة والمنظمات الدولية. وجاء فى التقرير أيضا إن إسرائيل اقتطعت أم الرشراش فى 10 مارس 1949 عقب إعلان الهدنة ب 6 شهور لضمان فرض نفوذها على البحر الأحمر. وكان أحمد أبو الغيط وزير الخارجية الأسبق قد رد على اجتماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، مؤكدا أنه كانت هناك دولة مسيطرة على مصر هى بريطانيا، كما كانت هناك دولة عثمانية مسيطرة على إقليم فلسطين، وقامت - بريطانيا والدولة العثمانية - بالتوقيع عام 1906 على اتفاق خططا بمقتضاه الحدود بين الدولة العثمانية وبين مصر الخاضعة للسيطرة البريطانية، وعندما استقلت مصر تم توقيع اتفاق بين حكومة مصر الجديدة وبريطانيا التى أوكل لها الانتداب على إقليم فلسطين بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية عام 1922، وأنه تم وضع نفس الخط الوارد فى اتفاق عام 1906 وتم تأمين هذا الخط، فأصبح هو خط الحدود المصرية مع إقليم فلسطين تحت الانتداب. واعتبر أبو الغيط أن حدود مصر فى العصر الحديث هى الواردة فى اتفاقى عام 1906 و1922، وأن قرية أم الرشراش لا تدخل وفقا لهذين الاتفاقين داخل الأراضى المصرية. وقال إنه فى 29 نوفمبر عام 1947 اتخذت الأممالمتحدة قرارا برقم 181 يتم بمقتضاه إنشاء دولتين الأولى اسمها الدولة اليهودية وتم تحديد إقليمها بخريطة، والثانية اسمها الدولة العربية وحددوا لها خريطة، وكانت أم الرشراش ضمن الأرض المعطاة للدولة الفلسطينية وفقا لهذا القرار. وأكد أبو الغيط أن القوات المصرية وجدت فى قرية أم الرشراش لعدة أيام وعندما اقترب الجيش الإسرائيلى من العريش ليهددها ويطوق الجيش المصرى فى قطاع غزة، وبعد توقيع اتفاق الهدنة خرجت القوات المصرية من القرية التى هى خارج الحدود المصرية الفلسطينية فدخلتها إسرائيل بالعدوان على حقوق الفلسطينيين فى أرض الدولة الفلسطينية. وعندما أعلنت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية العثور على مقبرة جماعية لمسلمين قتلوا شنقا أو رميا بالرصاص، وتضم بقايا مصاحف وأسلحة بيضاء فى مدينة إيلات كانت هناك ردود أفعال كبيرة فى مصر باعتبارها أرضا مصرية محتلة باسم أم الرشراش قبل أن تغير إسرائيل اسمها. تقدم النائب طلعت السادات فى عام 2008 بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الشعب المصرى د.فتحى سرور موجها إلى لجنة الدفاع والأمن القومى، لمناقشته، مؤكدا أن هناك وثائق مهمة تؤكد أن هذه المقبرة دفن فيها 350 من قوة حرس الحدود المصرية بعد أن قتلتهم جماعيا قوات كان يقودها إسحاق رابين رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق فى عملية عوفيدا فى 10 مارس 1949. وأكد السادات فى طلب الإحاطة بأن قوة مصرية كانت ترابط فى أم الرشراش عددها 350 جنديا وضابطا عندما دخلتها قوات إسرائيلية بقيادة إسحاق رابين، ويعتقد بأنهم ضحايا هذه المجرزة الجماعية، مما يتطلب متابعة من وزارة الخارجية المصرية وغيرها من الجهات المختصة. وأوضح أنه من السهل الوصول إلى أسماء رجال هذه القوة وعائلاتهم، وما استتبع انقطاع اخبارهم فى تلك الفترة من أواخر أربعينيات القرن الماضى، ومن المهم عدم ترك هذه المذبحة الجماعية تمر كسابقاتها من المذابح التى ارتكبت ضد الأسرى المصريين فى حربى 1956 و1967 واعترفت بها القيادات العسكرية الإسرائيلية نفسها. وطالب السادات بالتحقيق فى هوية الرفات، والتى تأكد أنها لجنود مسلمين بعد العثور على بقايا ملابس عسكرية وأوراق مصاحف فى المقبرة الجماعية، وهى جرائم لا تسقط بالتقادم، مؤكدا أنه قد طالب أن تثير مصر مسألة استعادة جزء من أرضها بموجب فرمان رسم الحدود مع فلسطين عام 1906، ولكن تم رفض ذلك، وقام مسئول بوزارة الخارجية فى مجلس الشعب قبل عامين بالتصريح بأنها أرض فلسطينية، وهذا ليس صحيحا حسب الوثائق التاريخية وبموجب القانون الدولى الذى يتيح المطالبة بها، خصوصا أن اتفاقية كامب ديفيد التى وقعها الرئيس الراحل السادات لم تنص على تنازل مصر عنها، وأن مسألتها كانت مؤجلة فقط.