يقول المولى سبحانه وتعالى :" إن الأبرار لفى نعيم، وإن الفجار لفى جحيم" . فمن هم الفجار ؟ هذا يدعونا إلى العودة إلى الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما، ولفظه كما فى بعض روايات البخارى : عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». والفجر هنا معناه الميل عن الحق . والحقيقة أن السماء العربية امتلأت بالكثيرين من الفجار خلال الفترة التى أعقبت ما أوهمونا بأنه الربيع العربى، وما هو بالربيع لكنه - على حد ما قال به الكاتب الصحفى الأشهر محمد حسنين هيكل فى حوار له نشرته "الأهرام" اليومية الغراء يوم 23 سبتمبر 2011 – هو المخطط الأمريكى الأوروبى لإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط من جديد بعدما استنفدت الخرائط القديمة - التى رسمت فى أعقاب اتفاقية سايكس بيكو - أغراضها وتم الاستعداد لنزعها من على الجدران لصالح القوة الوحيدة المسيطرة على العالم اليوم وهى الولاياتالمتحدةالأمريكية . إن الخرائط الجديدة هى خرائط تقسيم مناطق الثروة والنفوذ مجددا طبقا لمقاييس القوة والسيطرة ولا شىء آخر . والفجر هنا هو أن المئات من أفراد النخبة العربية غيبوا الحق عامدين متعمدين فى غباء منقطع النظير لمجرد وجود ما نصفه باللهجة المصرية العامية "التار البايت " بينهم وبين أنظمة عربية مستبدة ديكتاتورية ظلت جاثمة على صدور الشعوب العربية لسنوات طوال . ولم يكن المطلوب مطلقا أن يتخلى هؤلاء عن ثأرهم "المبرر يقينا " لكن كان المفترض أن يضعوا المصلحة العربية العليا وأن يعلنوا للشعوب العربية حقيقة هذا الصقيع العربى البهيم – على حد وصف الروائى العربى الكبير جمال الغيطانى فى مقال له بصحيفة "الأخبار" اليومية المصرية يوم 16 مايو الماضى متسائلا : "هل حقا مازلنا فى الربيع العربى أم أننا نتجه إلى الصقيع البهيم ؟؟" تحدث فيه بعد طول انتظار عن مخططات أمريكية صهيونية لتقسيم وتفتيت العالم العربى والإسلامى. وإذا كان هيكل قد كشف عن المخطط المبنى أساسا على أفكار المستشرق اليهودى الأشهر برنارد لويس، وأكد عليه الغيطانى بعد ما سبقهم كثيرون من المفكرين الأمريكيين والغربيين على رأسهم الأمريكى الألمانى الأصل ويليام انجدال F.William Engdahl “ Creative Destruction “ - صاحب سلسلة المقالات الشهيرة بعنوان "التدمير الخلاق " فى كل من مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية فان الفجار - وهم كثر- من النخبة العربية مالوا عن الحق وابتعدوا تماما عن مناقشة هذه المخططات الخبيثة لا لشىء إلا لأنهم ظنوا – وكل الظن إثم – أن مناقشة شىء من هذا قد تبعدهم عن تحقيق شهوة الانتقام والثأر "القديمة " من أنظمة عربية مدانة يقينا ارتكبت الكثير من الفظائع ضد خصومها . لكن أن يكون من بين هؤلاء الفجار مجموعة ضخمة من هؤلاء الذين يرفعون لواء الإسلام فتلك هى المصيبة بعينها . إن الخريطة العربية تهتز من تحت أقدامنا، وبوادر التقسيم أقرب بكثير مما يظن الملايين بفضل نخبة فاجرة فى ميلها عن الحق تأخذنا إلى أن نصبح ملعونين نحول دون أنفسنا ودن رضا الله عندما يضيع الحق بيننا تأسيا بقول الرسول الأعظم :" لعن الله قوما ضاع الحق بينهم " . ولو سألنا أنفسنا عن النتيجة الحتمية لتواصل حال الفلتان والاستباحة التى تعيشها مصر قلب العروبة النابض وأبناؤها لا يريدون أن يتيحوا فرصة للشعب المغلوب على أمره فى أن ينعم – فى هدوء واستقرار – بثمار ثورته الشعبية النقية من ديمقراطية حقيقية وحرية تعبير غير مسبوقة، وشعور بالمواطنة الحقة فى دولة بلا طوارىء، ونخبتها تجر البلاد والعباد نحو مواجهة غير محسوبة العواقب من أجل الساعين إلى السلطة بأى طريقة ومهما كانت الوسائل ولو على حساب تمزيق الوطن، لوجدنا الإجابة المنطقية الوحيدة هى أن هذا لا يمكن أن يؤدى إلى اتجاه مصر الكنانة فى طريق المجهول الأسود . ونفس الشىء إذا لم تتوقف الحملة العنيفة التى تقوم بها القوى السلفية بشعار الإسلام لضرب كل المظاهر العلمانية فى تونس الخضراء أو فى التشرذم والغطرسة باستخدام القوة لدى من يلتحفون برداء الثورة فى ليبيا الأقرب إلى أن تصبح ثلاث دويلات متحاربة . ولا ننسى ما يجرى فى كل الدول العربية تقريبا من إرهاصات لمواجهات بين الأنظمة والشعوب فى المشرق والمغرب العربى من خلال جماعات تسعى سعيا حثيثا إلى الاستفادة من مناخ تصفه ب "الربيع العربي" وأصفه ب "التدمير الخلاق" لإيجاد أكبر قدر من بحور الرمال الناعمة من أجل زيادة الأرض رخاوة تحت أقدام مؤسسات الدول العربية تمهيدا لإيقاعها وتفكيكها . ولعل الموقف فى سوريا يبدو هو الإنذار الأوضح بحرب أهلية طائفية لا تبقى ولا تذر بين المدافعين عن مكتسبات أكثر من 40 سنة من السلطة، وآخرين عاشوا الهوان طويلا . والكارثة كل الكارثة هى أن مثل تلك الحرب الأهلية المنتظرة لن تقتصر مطلقا على سوريا وإنما من المؤكد – يقينا- أنها ستجر معها لبنان والأردن وغيرها . فيارب اهد قومى فإنهم لا يعلمون، واحفظ لنا بلادنا بعيدا عن مؤامرات الشرور والفتن .