حامد عزالدىن علي رغم زمالتنا القديمة في مؤسسة "أخبار اليوم " الصحفية العملاقة الا أن اللقاءات التي جمعت بيني وبين الأديب المصري العملاق جمال الغيطاني صاحب القامة والقيمة العالية ليست كثيرة. لكن معرفتي بقيمة الغيطاني ترجع الي ماقبل تعرفي عليه أديبا مبدعا من أهم أدباء مصرفي القرن العشرين - أطال الله في عمره - عن طريق طرف ثالث. ولأنني بدأت حياتي الصحفية محررا في القسم الخارجي لصحيفة الأخبار اليومية فيما كان هو علما من أعلام صفحة "الأدب" قبل أن يترأس هو تحرير " أخبار الأدب" الصحيفة الأدبية الأولي في تاريخ مؤسسة أخبار اليوم فقد يبدو غريبا أن أقول ان معرفتي به كانت عن طريق شيخ شيوخ النقاد الرياضيين الراحل عبد المجيد نعمان رئيس تحرير الرياضة والشباب في أخبار اليوم. فقد تولي نعمان منصب مدير تحرير مؤسسة " أخبار اليوم" في الستينات عندما تولي رئاسة مجلس ادارتها خالد محيي الدين عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 بفضل العلاقة الوثيقة التي ربطت بين نعمان وبين هذه الثورة التي قدم الكثير لمساعدتها من خلال عضويته السرية في الحركة الشيوعية المصرية وحزب "حدتو" الشيوعي وهي قصة مثيرة للغاية لم يقترب منها الاعلام مطلقا وقد أعود اليها فيما بعد. وبمجرد نشوء علاقة عمل جمعتني بالكابتن نعمان الرائع الراحل كان يحكي لي الكثير من تاريخه في عالم الصحافة. ومن الأشياء التي كان نعمان - بوصفه عاشقا من عشاق مؤسسة " أخبار اليوم " - لا يمل من الحديث عنها أنه كان السبب في ضم جمال الغيطاني للمؤسسة علي رغم معارضة الكثيرين لضمه لظروف تتعلق بإجراءات التعيين وعدم اكتمال مسوغات تعيينه آنذالك وأنه حرص علي ضمه رغم كل شيء متغاضيا عن أمور روتينية لأنه اكتشف فيه موهبته الأدبية الفذة من خلال بعض ما كان قرأ له علي رغم أنه تفوق أيما تفوق في عمله كمراسل حربي صاحب فلسفة وأسلوب خاص في الكتابة الصحفية . وكان يقول بفخر : ألم تكن أخبار اليوم ستخسر كثيرا لو لم ننجح في ضم موهبة بحجم الغيطاني اليها. يبدو أن المقدمة طالت كثيرا لكنها كانت ضرورية للغاية حتي يكون التقديم كاملا لأهميةما يقوله الغيطاني الباحث صاحب الرؤية الواسعة والمؤرخ المتميز بخصوصيته في قراءة تاريخ مصر والعرب والعالم. ولأن أحدا لا يمكنه أن يشكك ولو قليلا في ثورية شخصية بحجم الغيطاني بتاريخه الطويل فقد استقبلت بكثير من الاهتمام ما كتبه في عموده اليومي في "الأخبار" يوم الخميس الماضي واصفا فيه ما يجري في مصر والعالم العربي بعين خبير ليصل من خلاله الي حقيقة مهمة للغاية هي أن الربيع العربي "المزعوم " يبدو أنه سيقودنا الي الصقيع البهيم. وهو تعبير جامع مانع بالفعل لما يمكن أن نصير اليه في ظل مؤامرة صهيو أميركية محبوكة يتم تنفيذها علي الأرض بمنتهي المهارة والحنكة سبق لي أن تناولتها في "الأخبار" يوم 10 مارس 2011 وبعدها عشرات المرات صحفيا وتلفزيونيا واذاعيا . يقول الغيطاني : " لم يعد خافيا أن أمرا يدبر في المنطقة، شيء واحد له سمات يمكن الآن رصد بعضها، خاصة مع اتخاذ الامور في مصر مسارا فيما تلي ثورة يناير يخالف مضمونها والأهداف التي خرجت من أجلها جموع المصريين الحقيقيين ".. ثم يدخل مباشرة الي لب الأمر الخفي ذ الذي سبقه الي الحديث عنه الأستاذ محمد حسنين هيكل في مقال له بصحيفة "الأهرام" يوم 23 سبتمبر 2011 - وهو يقول : " بعد مضي عام ونصف العام تقريبا من المفروض ان نفكر فيما جري وما يجري لكي نعرف ملامح المستقبل، اذا ما نظرنا إلي مسار الاحداث من تونس إلي السودان إلي اليمن إلي مصر إلي سوريا ومن قبل فلسطين والعراق، سنجد أن خيطا رئيسيا يربط حلقات الاحداث، أهم ملامحه، تدمير الدولة القائمة، ليس اسقاط انظمة وتبديلها، إنما اسقاط أعمدة الدول من مؤسسات وكيانات قديمة، تدمير البعض بواسطة القوة العسكرية العراق وليبيا وتدمير الأخري من خلال الاحداث التي مرت بها سواء عن تدبير مسبق أو تلقائية.. تونس، مصر، اليمن.. الملاحظ ان المؤسسات الرئيسية التي جري التركيز عليها الجيوش. اختفي الجيش العراقي، وتورط السوداني في حرب أهلية مدمرة، وتم الا جهاز علي المؤسسة العسكرية الليبية، لم يعد لها أي بقايا. ونتيجة للتركيبة الطائفية في سوريا يتهاوي الجيش السوري وللأسف تخسر القوة العربية بمحاولة الإجهاز عليه، اما المؤسسة العسكرية الوحيدة التي ما تزال صامدة فتتمثل في الجيش المصري الذي تسدد السهام اليه من بعض بني وطنه وسط تهليل من اصيبوا بشطط في الفهم والتعبير".. كان الأستاذ هيكل في ذلك التاريخ تحدث عن خطة أوروبية أميركية لاعادة رسم خرائط الشرق الأوسط بهدف اعادة تقسيم مناطق الثروة والنفوذ وفقا للتفوق والهيمنة الأميركية.. وهو نفس ما سبق الجميع في ايضاحه الصحفي والمؤرخ الأميركي من أصل ألماني فريدريك ويليام انجدال في 5 فبراير 2011 تحت عنوان "التدمير الخلاق " يحكي فيه أسباب ما جري وما يجري وما سيجري في العالم العربي بعد تونس ومصر في كل من ليبيا واليمن وسورية في اطار خطة التدمير الخلاق الأميركية الصهيونية التي تستهدف تقسيم العالم العربي والاسلامي.. ويبدو أن الغيطاني لم يتابع شيئا عن ذلك ومن هنا كان أسلوبه المعتمد علي التساؤل اليوم بعد مرور نحو عام ونصف العام علي ثورة 25 يناير , لكنه قال بالحرف في مقال الخميس الماضي : " لقد أصبح احد شروط اثبات الثورية الآن مهاجمة المجلس العسكري خاصة والجيش عامة ويجري وصف قادته بالقتلة، ليس من اسرائيل ولكن من بعض الذين يعتبرون أنفسهم واجهة الثورة ورموزها، اما المشترك الآخر فهو صعود التيارات الدينية بكل طوائفها والتي بدأت في الانتقال الي مرحلة جديدة، الهجوم المسلح من خلال احداث العباسية، بعد تدمير ليبيا وتقسيم السودان واليمن والاستيلاء تدريجيا علي الدولة في تونس ومصر، هذه التيارات ليس لديها عقيدة الوطن، وما يعنيها الإمارات أيا كان عددها، فالطائفية تبرز الآن كبديل للكيانات القائمة والتي كان يمكن ان تتغير بطرق أخري، هل حقا مازلنا في الربيع العربي ام اننا نتجه الي الصقيع البهيم؟". انتهي كلام الغيطاني وأخشي أن يضمه أصحاب الدم الخفيف "الثقلاء جدا " ليكون موضوعا للسخرية لأنه يتناول موضوع تقسيم مصر والعالم العربي. وقبل الختام أدعوهم الي مراجعة ما قاله المستشار هشام البسطويسي المرشح الرئاسي ونشرته صحيفة "الأهرام" صباح الجمعة الماضي عن لسانه حيث أكد أن هناك مؤامرة تريد ليس فقط تقسيم مصر بل والدول العربية كلها الي دول صغيرة تتناحر وتتحارب فيما بينها. فهل سينضم البسطويسي أيضا موضوعا للسخرية من أصحاب الدم الخفيف "البترولي " من النوع الثقيل جدا ؟. اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.