ريم عزمى جاء فى الكتاب المقدس «متَى كَانَتِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، أُبْصِرُهَا لأَذْكُرَ مِيثَاقًا أَبَدِيًّا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ» سفر التكوين 9:9-16، والمقصود بهذه الكلمات الروحانية أن ظهور ألوان الطيف فى السماء هو بمثابة علاقة وجدانية خاصة بين ملكوت السماء وأهل الأرض، ومن حسن حظنا أنه بعد هطول الأمطار تظهر الشمس شيئا فشيئا وتتخذ الأجواء صفاءها، ثم تفاجئنا هذه الألوان السحرية مفاجأة سعيدة على ضفاف بحيرة جنيف وهى المعروفة باسم «ليه ليمان Le Leman»، لتكتمل الصورة البديعة على صفحات المياه الرائقة التى تسمح لنا بنزهة بالمعدية فى البحيرة.
إنه ربيع منعش على الطريقة الأوروبية، فهو ليس كما اعتدنا عليه فى بلادنا العربية حيث تطغى عليه الحرارة ورياح الخماسين، بل هو ناعم ومائل للبرودة، وربيعنا وربيعهم يلتقيان فى بدء تفتح الزهور، لكن يبدو أننا فقدنا بعضاً من شاعريتنا وكلما سمعنا كلمة ربيع ارتبكت مشاعرنا وربما أمعاؤنا! ولعلنا نعود بأذهاننا للمعنى الحقيقى وليس المجازى، فهو موسم الخضرة والتعرف على جمال الطبيعة التى ترتدى أبهى ثيابها وتصاحبنا فى رحلة انتقالنا من الشتاء إلى الصيف. مدن الروائع وفى سويسرا كل الصور الجميلة عنها ستتحطم لو كان الجو رماديا، وستتبدل الأحوال للأفضل ما إن يتوقف المطر ونشعر بحرية أكثر فى الحركة. أما إذا أشرقت الشمس فسوف يكون يوم سعدنا لأن يلعب الضوء دورا هاما للغاية لكى نستمتع بمجموعة مشاهد رائعة للمدن والبشر والجبال والمراعى والمزارع. ومع بداية الربيع تنطلق فاعليات فنية وثقافية مثل المهرجان الدولى للفيلم الشرقى بجنيف فى دورته الحادية عشرة ومعرض جنيف الدولى للكتاب فى دورته الثلاثين، وعند دخول الصيف تظهر حفلات الموسيقى والعروض المسرحية. وما إن نصل إلى جنيف وبرغم شهرتها العالمية سنجد أنها صغيرة نسبيا، المدينة مقامة حول بحيرة ليمان، أكبر بحيرة فى غرب أوروبا، على هيئة هلال يعبر نهر الرون من شرقها إلى غربها. وسويسرا دولة شديدة التنظيم. حتى جيرانها الفرنسيون سيعترفون بكل موضوعية أن سويسرا أكثر نظافة، وذلك بسبب الغرامات التى توقع بشكل فورى من قبل الشرطة لكل من يرمى ورقة على الأرض! ويرى السويسريون أنفسهم أنهم أكثر انضباطا من دول أخرى فى أوروبا، وبرغم ذلك بدأت تنتابهم مخاوف من الإرهاب فهم يعتقدون أنه للأسف لا أحد بمنأى عنه فى وقتنا هذا، وهم يتمتعون بوعى كبير فى النقاشات السياسية والثقافية. وهى مدينة كوزموبوليتانية مكونة من أعراق مختلفة ويصعب إيجاد شخص سويسرى فيها! وتشتهر سويسرا عموما بأقدم البنوك وأرقى محلات الشيكولاتة، ومن أشهر الأنواع المصنعة آليا فحدث ولاحرج، مثل توبليرون ومن الأنواع المصنعة يدويا رور التى تقدم نوعا معروفا باسم «بافيه ديه جنيف»، وأنواع مختلفة من الأجبان، وأجمل ساعات حائط على شكل طائر «كوكو»، وأعرق بيوت الساعات عموما، وأقوى الأسلحة البيضاء مثل مطاوى وسكاكين الجيش السويسرى، بأشكالها التقليدية الحمراء الداكنة وغير التقليدية بألوان غريبة ومزودة بإبتكارات حديثة.والميزة فى أوروبا الغربية أنه توجد خرائط للمدن ومن ليس معه واحدة، فالحركة سهلة لأن المدن منظمة، كما تنتشر المكاتب السياحية لإرشاد الزائرين، وتقدم الفنادق بطاقات مجانية لاستخدام المواصلات العامة فى جنيف، وهناك شبكة ضخمة للترام تربط كل أحيائها، وهناك صفوف من الدراجات المخصصة للإيجار، وسنلاحظ أن كل المبانى التى تحمل أهم أسماء الشركات العالمية تطل على البحيرة. وحملت جنيف اسمها فى فترة حكم يوليوس قيصر، وكان جينوفا أى جنوة مثل المدينة الإيطالية الشهيرة وتعنى المكان القريب من المياه، وتبعد جنيف عن جنوة نحو مسافة أربع ساعات. وهى أكبر ثانى مدينة فى سويسرا بعد زيورخ، وأكبر مدن الجزء الناطق بالفرنسية. وتضم جنيف منظمات عالمية على رأسها هيئة الأممالمتحدة، والصليب الأحمر. وتبنت سويسرا تأشيرة الاتحاد الأوروبى شينجن لتسهيل فتح الحدود بين دول أوروبا، وبالفعل ساعد ذلك على مرونة الحركة. ولكنها ما زالت متمسكة بالفرنك السويسرى وتتعامل بعض المحلات باليورو للتسهيل على الزبائن القادمين من دول الجوار وهى إيطالياوفرنسا وألمانيا وليختنشتاين والنمسا، لكن تقدم باقى النقدية بالفرنك، ولا شك أنها من أهم مدن التسوق وأغلاها، وشوارع جنيف خالية يوم الأحد كعادة أوروبا لكن ربما نسمع فى الخلفية عزفاً بالأكورديون للمتسولين الذين يجمعون بعض السنتات فى الترام ويضفون جوا من المرح من خلال ألحانهم المبهجة.وعند إغلاق المحلات يوم الأحد تصبح «الحديقة النباتية» هدفا للزائرين وهى أشبه بالحدائق الشهيرة مثل جزيرة النباتات فى أسوان، حيث تجمع نباتات وأشجاراً وأزهاراً من مختلف دول العالم. الاتحاد السويسرى الحديث هو جمهورية فيدرالية تتكون من 26 كانتونا، مع برن كمقر له، وأصل كلمة سويسرا الإنجليزية الكلمة ألمانى وجاء من شفايزر ويعنى سكان منطقة شفايز. وتضم سويسرا أربع مناطق رئيسية لغوية وثقافية: الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانشية، وبرغم أن الغالبية ناطقة الألمانية، فهناك شعور قوى بالانتماء إلى البلد الذى تأسس على الخلفية التاريخية المشتركة والقيم المشتركة (الفيدرالية والديمقراطية المباشرة) منذ 1291 وجبال الألب رمزية. لكل مجموعة لهجاتها، فهناك الألمانية السويسرية، وهناك بعض اللهجات الفرنسية فى المجتمعات الريفية، والمعروفة باسم «سويسرا الروماندية»، وهناك لهجة من لومبارديا فى المنطقة الناطقة باللغة الإيطالية، أما الرومانشية فهى أيضا لغة لاتينية موجودة فى كانتون جراوبوندن، ويقسم السويسريون الأنشطة حسب المناطق فيقولون إن الجزء الناطق بالألمانية يشتهر بالصناعة والأعمال مثل زيورخ، والجزء النطاق بالإيطالية يشتهر بالسياحة مثل مدينة لوكارنو، والجزء الناطق بالفرنسية مثل جنيف يشتهر بالثقافة. وتعتز سويسرا بأعلامها، فكل مدينة فى أوروبا ما زالت تحافظ على علمها الخاص الذى يرمز لقيم معينة وتضرب جذوره فى التاريخ. فنجد على سبيل المثال مجموعة أعلام كانتونات سويسرا ترفرف على جسر البحيرة مثل: نصف النسر والمفتاح الذهبى رمز جنيف، وتعتبر سويسرا من أبرز مجتمعات الرفاهية وهناك أندية تعبر عن هذه الثقافة مثل أندية الشكولاتة ومن بينها «نادى عشاق الشيكولاتة Le Club «des Passionnés de Chocolat الذى أسسته نيكول فالونى ليبير فى جنيف 1997 وترأسه جوديت آنجى. قطار الأحلام وإذا رغبنا فى إجراء بعض التغيير وزيارة مدن قريبة من جنيف، فهناك مدينة لوزان المطلة على نفس بحيرة ليمان وتشبه جنيف، لكنها أقل ديناميكية وبها مناظر خلابة أكثر، وكذلك على مسافة أبعد قليلا وسط الجبال مدينة جرويير التى تصنع الجبن الشهير على الطريقة التقليدية وهى مدينة تاريخية تنقلنا للعصور الوسطى وتعد من أجمل مدن أوروبا غير المكتشفة، ونسافر بثلاثة قطارات عبر الجبال المدهشة وندخل أنفاقا، وهناك باص مجانى ينتظر الزائرين عند محطة القطار ويصعد بهم إلى أعلى حيث المدينة الصغيرة الأشبه بقرية والتى حافظت على طابع شديد الخصوصية بأبنيته المميزة والهدوء، وهى بعيدة كل البعد عن الحياة المدنية وتبيع الجبن الجرويير على الطريقة التقليدية وبعض التذكارات للسائحين. وبالنسبة للمدن خارج حدود سويسرا، فهناك ثلاث مدن فرنسية شهيرة وقريبة من جنيف وهى أنميس الأقرب، وآنسى التى يطلقون عليها «لؤلؤة الألب»، وليون التى تستغرق المسافة بينها وبين جنيف أقل من ساعتين، وفى هذه اللحظة سنتذكر فيلم «قطار الشمال السريع»، فيلم الرسوم المتحركة الأمريكى الذى جعل الأسطورة ممكنة، عندما يخترق القطار السماء ويسافر الأطفال إلى عالم بابا نويل ليكتشفوا موطن الهدايا!فالرحلة فرصة لتأمل الطبيعة التى تبث فينا المشاعر الجميلة، والتى تكتمل بنفاذ عربات القطار داخل السحاب! فنجد أنفسنا وسط لوحات ساحرة مكونة من غابات متعددة الأشكال والألوان، وسوف يزداد الحلم روعة إذ نشاهد الجبال المحيطة وهى تخترق السحاب وتصل للبيوت وأحيانا تمر بالقطار نفسه! وفى ليون هذه المدينة المبهجة التى تقع فى جنوب شرق فرنسا، يمكن الاستمتاع بجمال المدينة بتكلفة أقل عن سويسرا نظرا لاختلاف الفرنك السويسرى عن اليورو. وبخلاف موقعها الاقتصادى الهام فى ربط شمال أوروبا بجنوبه، فتم استغلال أنهار فرنسا للترويج الثقافى والسياحى. وفى وسط ليون شبه جزيرة بين نهرى الرون والسون حيث موقع ميدان تيرو ودار العمدية. ويتوسط الساحة المستطيلة تمثال على هيئة نافورة من إبداع المثال فريديريك أوجوست بارتولدى فى عام 1891، وتتوزع المقاهى والمطاعم ومحلات الآيس كريم فى المكان، وبجانبه حديقة رائعة داخل متحف الفنون الجميلة كفرصة لتأمل الأشجار النادرة والتماثيل القيمة، ومن أطرف معالم ليون الفنية هو بنك كريدى ليونيه المعروف باسم «كريون» أى قلم رصاص باللغة الفرنسية، وهو مبنى بالفعل علي هيئة قلم رصاص.