أحمد إسماعيل أحدث إعلان الحكومة المصرية عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، وإعلانها سعودية جزيرتى تيران وصنافير صدمة كبيرة للشعب المصرى، وفجر عاصفة من الجدل الواسع والعنيف ما بين مؤيد ومعارض، وكل طرف يسعى وبكل الوسائل لتأكيد وجهة نظره، انتشرت شائعات خطيرة ومخيفة تنهش فى أواصر الدولة، والسؤال الآن.. أين الحقيقة فى كل ما يحدث؟ وهل يمكن معالجة هذه الإشكالية.. وكيف ؟
بداية.. حتى يطمئن الجميع فإن المادة 151 من الدستور تنص على " يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة". وعليه فإنه لا يجوز ولا يمكن لأى فرد أن يتنازل عن أى شبر من الأرض المصرية. ومن جانبه أوضح السفير جمال بيومى: أن الموضوع ليس فى حاجة لخبراء، فالمعروف لكل من شارك فى حرب فلسطين عام 1948، أن هذه الجزر تقع فى المياه الإقليمية السعودية وكانت بالفعل جزرا سعودية، لكن بعد حرب فلسطين عام 1948 التى انتهت بهزيمة الجيوش العربية، عقدت إسرائيل اتفاقية رودس نسبة إلى الجزيرة الشهيرة مع كل من مصر وسوريا والأردن ولبنان، وكانت تنص كأى اتفاقية هدنة بأن يبقى الحال على ما هو عليه، لكن إسرائيل بعد أقل من شهر هجمت على ميناء أم الرشراش واستولت على المنطقة وغيرت اسمها إلى إيلات فى 1949، وهنا خشى الملك عبدالعزيز أن تكون خطوة إسرائيل المقبلة الاستيلاء على تيران وصنافير، ولما لم يكن يملك من القوة ما يمكنه من مجابهة إسرائيل، فقد قام بالاتفاق مع الملك فاروق بالتنازل عن الجزيرتين واعتبارهما مصريتين، واعتبرتا ضمن الحدود المصرية واستمر الأمر كذلك حتى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التى وقعت فى كامب ديفيد عام 1979، التى اعتبرت الجزيرتين أراضى مصرية تقع ضمن المنطقة (ج) بسيناء.. وهو ما ساعد مصر على التحكم فى حركة الملاحة فى البحر الأحمر، لكن ما أثار الموضوع حاليا هو مشروع إنشاء جسر بين مصر والسعودية سيعبر فوق هذه الجزر وستكون له قاعدة على إحدى هذه الجزر، وهنا السؤال المهم هل إنشاء الجسر يقتضى فنيا وقانونيا تحديد السيادة لأنه ستكون هناك منطقة حدود فوق الكوبرى والعبور سيكون بالتأشيرات وهذا هو الموضوع فقط، وليس الموضوع أن هناك تنازلا من جانبنا عن أراضينا فهذا كلام عار من الصحة وترديده شىء مؤسف، خصوصا أن هناك من تناول تلك القضية بدون علم، ووعى خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعى التى زعمت تنازل مصر عن تلك الجزر، رغم عدم الإعلان عن بنود الاتفاقية، التى تشكل سابقة قانونية لحسم خلافات السيادة على المياه الإقليمية بين الجانبين المصرى والسعودى، فى الحدود البحرية المتقاطعة بينهما سواء فى خليج العقبة أو فى البحر الأحمر. فمثلا هناك جسر بين البحرين والسعودية عندما تعبره تجد نقطة حدود وشرطة جوازات للكشف على تأشيرة المرور، وبالتالى الموضوع كله يدور حول تحديد نقاط الحدود فقط، وهنا يجب أن نعترف أنها جزر سعودية تنازلت عنها لمصر سابقا إداريا لإدارة الحرب مع العدو الإسرائيلى، ويجب أن نعلم أن الحدود المعترف بها دوليا هى التى تم تحديدها بعد الحرب العالمية الثانية، وعندما نستعرض اتفاقية السلام الناتجة عن مفاوضات كامب ديفيد، سنجد أنها تنص على انسحاب القوات الإسرائيلية خلف الحدود التى كانت قائمة بين مصر وفلسطين وقت الانتداب البريطانى وهذا ليس مجرد كلام وإنما هو مستند لوثائق ومستندات معترف بها دوليا. من ناحية أخرى أكد الدكتور شوقى السيد: أن الموضوع يتوقف على مضمون الاتفاقية فهل نحن نتحدث حول ترسيم حدود جديدة أم عن تنازل وتصالح بمعنى إذا كان الموضوع قائما على أساس التنازل المشترك بين الدولتين وبها نصوص مخالفة للدستور، فهنا يجب أن يتم بناء على الاستفتاءالشعبى، وبالتالى بما أن النصوص حتى الآن مجهولة وليست معلومة فلن نستطيع تحديد الطريق الصحيح الذى يجب أن نسير فيه، لكن عموما إذا اشترطت الاتفاقية تحديد الحدود بين الدولتين كأنها تعديل أو وضع حدود جديدة بين الدولتين فهى تندرج تحت بند الحقوق السيادية للدول، وبالتالى لا بد أن يجرى بشأنها استفتاء ولا يملك مجلس النواب وحده الموافقة عليها، وبناء عليه دار الحديث حول قيام مجلس النواب ببحث هذه الاتفاقية، وذلك حسب قرار رئيس الجمهورية، الذى ينص على أنه تم الموافقة على الاتفاقية المعقودة بين مصر والسعودية بشرط التصديق، وصراحة المسألة بها لغط كبير ولا يصح توظيفها سياسيا لأننا نتكلم فى مجال العلوم الدولية والحقوق الدستورية. بينما ترى الدكتورة فوزية عبد الستار: أن المسألة فى حاجة لدراسة متأنية من لجان مختصة تبحث تاريخ هاتين الجزيرتين، للتأكد من نقطة مهمة، وهى هل هذه الجزر جزء من الدولة المصرية أم لا؟ فإذا كانت جزءا من الدولة المصرية فلا سبيل لعقد أى معاهدة للتنازل عنها حتى لو وافق مجلس النواب، ويتبقى الفرض الثانى وهى أنها خاضعة للإدارة المصرية فقط ففى هذه الحالة يتم إبرام المعاهدة وتعرض على مجلس الشعب ثم تتطرح للاستفتاء الشعبى عليها وأعتقد أنه يمكن الاكتفاء بالعرض على مجلس النواب باعتبار أنه يمثل الشعب.