فرحات مهنى، زعيم ما يعرف بالحركة الانفصالية في منطقة القبائل «الماك›› ، وهي حركة سياسية تطالب بحكم ذاتي في هذه المنطقة الواقعة شرق العاصمة الجزائرية وعاصمتها تيزي وزو، زار إسرائيل الأسبوع الماضي! الزيارة لها أكثر من معنى ومغزى في هذا التوقيت الذي يشهد أجواء متوترة عربيا، وأوضاعا تتّسم بهشاشة وعدم استقرار يهددان مصير المنطقة برمتها، ويغري بالسير في اتجاه ما يطلق عليه النزعات الانفصالية لدى بعض الأقليات، ومنها منطقة القبائل البربرية، وتداعياتها الخطيرة في إثارة نعرات التقسيم وفتح الأبواب للتدخل الأجنبي في أعقاب ثورات الربيع العربي، كما أن تزامن الزيارة مع الذكرى الرابعة والستين للنكبة، ليس تاريخاً مجانيا، فهو التاريخ الذي استولى فيه اليهود على أرض فلسطين وطردوا منها السكان الأصليين، وأقاموا عليها دولتهم وارتكبوا المجازر وسلبوا الممتلكات. كما أن الزيارة تأتي أيضا بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي عرفتها الجزائر، والتقاط بعض دعاة الانفصال لمنطقة القبائل لأنفاسه وتجميع قواه مسببا ارتباكا وزعزعة لاستقرار البلاد وتهديدا بتقسيمها..هذا الانفصالي الجزائري، الذي كان قد أعلن عن إنشاء الحكومة المؤقتة لمنطقة القبائل» أنافاد» عام 2010 من باريس وتشكيل حكومة ضمت العديد من الوزراء ورئاسته لها، يفتتح نشاطاته الدبلوماسية المزعومة بزياراته إلى إسرائيل ،لتتضح نيات هذه الحكومة القبائلية وهي دق مسمار مسممّ بالصدأ الانفصالي مدعوم من المصالح الأمريكية وحليفتها الإسرائيلية في تلك المنطقة العربية السخيّة بالخيرات والثروات الطبيعية والموارد البشرية عالية القيمة. لم تعد تلك القوى الاستعمارية تحتاج إلى أجهزة مخابرات لزرع عناصر سريّة ما دام العملاء المحليون متطوّعين في العلن . لم تعد الخيانة العظمى على ما يبدو أمرا جللا، بل يتم الترويج لها حاليا وكأنها رحلات حجّ إلى الأراضي المقدسة وهذا أخطر ما في هذه القضية :العودة مجدّدا لمحاولات كسر الحاجز النفسي الذي سبق وجرّبته إسرائيل في مصر أيام الرئيس السادات عندما حاولا إضفاء صبغة شعبية حميمة على التطبيع،لكن السادات دفع ثمنها حياته ! والآن يجري تمرير التطبيع بمؤامرة محبكة في الشق الغربي من الوطن العربي مجددا وبالتحديد في الجزائر، أكثر الراديكاليات العربية تشددا ضد التطبيع ،بعد أن جرت من قبل محاولات من خلال دول الجوار، تونس والمغرب،لم تؤت أُكلها كما كانت ترغب وتشتهي الصهيونية العالمية. لذلك ظهر مقاوِل التطبيع المستنسخ، فرحات مهني ، ليسوّق لأفكار استعمارية سامّة كريهة سبق ورفضها الشعب العربي عبر رحلة طرق الأبواب إلى إسرائيل والتي لم تكن الأولى، وإنما سبقتها زيارتان على الأقل هذه السنة، انطلاقا من العاصمة الفرنسية في طائرة شركة العال بجواز سفر فرنسي، تحت اسم ‘'كاري لويس"، وتم تنظيم هذه الزيارة من طرف جاك كابفر، المكلف بالعلاقات الخارجية بحزب الليكود ،والمعروف أيضا بقربه من اليمين المتطرف الإسرائيلي ومن المتوقع تكرار رحلات الحج إلى الكيان الإسرائيلي. السيناريو تم التجهيز له بحبكة وتخطيط من خلال البيت الأبيض الذي زاره مهني في 2011، وجرى الإعداد لكل التفاصيل وأغدقت الإدارة الأمريكية الدعم على هذا الانفصالي، فعندما تجد إسرائيل وأمريكا فرصة كهذه لعميل جاهز لكل ّ الأدوار تتوفر فيه كل صفات العملاء من الارتماء في أحضان الخيانة، فإنها بالتأكيد سوف تسعى إلى تنميط هذا النموذج والترويج له لاقتناص المزيد من هذه النوعية من العملاء في الوطن العربي. وقد ماتت في عروق “مهنى" دماء الوطنية والكرامة، لذلك ذهب إلى وكالة الأمن القومي برجليه وأيضا وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، وأودع لديهما طلبا لمقابلة مسئولين من الهيئتين ،لكن الهيئتين كشفتا الأمر لفوكس نيوز! وقبل ذلك وفي العام 2009 قام أيضا بمساع حثيثة داخل منظمة الأممالمتحدة طمعا في الحصول على دعم لمخططه الانفصالي. ولم يحرِّك مهنى ساكناً أمام سيل الإنتقادات ضده والمطالبات بسحب الجنسية الجزائرية منه بل ظهرفي زيارة تل أبيب مع نائب رئيس الكنيست الأسبوع الماضي، وطبعا طيّرت الماكينة الدعائية للصهيونية تلك الصوروالتصريحات على وجه السرعة، كما أعطى لنفسه الحق للحديث بالنيابة عن الشعب القبائلي وادَعى أنه متأكد من أن شعبه سيبقي خلفه يدعمه كما وعد بفتح سفارة إسرائيلية في الجزائر ودعم من أسماهم “الشرفاء في الكنيست"! ..هؤلاء الشرفاء المزعومون هم الذين يدعمون الأقليات الأمازيغية في كل المغرب العربي، وهم أنفسهم الذين وصفتهم خافييت ماريزا مستشارة الشئون السياسية في السفارة الإسرائيلية بباريس، بأنهم يتطلعون إلى فرض حق الانفصال لشعب قبائل الجزائر، وأنهم سيدفعون الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى النظر بعين الاهتمام إلى حركة “الماك “القبائلية الانفصالية والاعتراف بها. وسارعت إسرائيل إلى إعلان الدعم المالي للحركة، وقالت الملحق العسكري بالسفارة الإسرائيلية ببوخارست زهرة شارووت، إن المجمع اليهودي الأمريكي قدم مليون يورو للحركة. لابدّ من الانتباه إلى هذا المخطط الانفصالي في المنطقة، فبعد أن نجح في تقسيم السودان إلى شمال وجنوب ،وقطع أوصال العراق يستمر في التحريض على تقوية نوازع بعض الأقباط، والنوبيين في مصر للمطالبة باستقلال ذاتي، وإذا كانت هذه الدعاوي ضعيفة اليوم فمن يدري مع تطورات الأحداث سوف تجد ضالتها، في عملاء ينفذون المخطط، مثلما وجدت ضالتها في هذا المطرب الأمازيغي، الذي ينحدر من إحدى القبائل الأربع المسماة “آت أوغشلال" والتي تدعي أن لها روابط مع اليهودية،لتبدأ غرس المخالب في كل المناطق الإستراتيجية بسيناريوهات استعمارية تفتيتية جديدة، وليس من باب المصادفة أن تتكثف الزيارات من البلدان العربية لإسرائيل أخيرا فمنذ أيام قليلة فقط زار الأديب الجزائري بوعلام صنصال تل أبيب، واستنكرت النخبة المثقفة في الجزائر ذلك وأدانتها جهات سياسية فلسطينية بشدة. كما إن مغازلة إسرائيل لهذه الأقليات بالجزائر أو في المغرب العربي عموما ليست بمعزل عما يدار في مصر، ونتذكرّ تلك المفاجأة عندما كُشِف عن رحلة للحجاج المسيحيين إلى القدس تم تدبيرها في غفلة من الزمن، وخلال الأيام الأولى بعد رحيل البابا شنودة، وجاهر لأول مرة هؤلاء أيضا بالدفاع عن الفكرة في تحدٍّ صارخ لموقف شعبي صارم في مصر بالمقاطعة بما في ذلك من أعلى رأس في الكنيسة الأرثوذوكسية..أصابع الصهيونية تتحرك بسرعة وبدون تخفٍ أحيانا لتنفيذ المخطط الشيطاني لتقسيم المنطقة.. فهل نعقل ذلك ونستيقظ من الغيبوبة؟!