هبة عادل فقدت الأمة المصرية الدكتور بطرس بطرس غالى، أحد ألمع الدبلوماسيين المصريين على مدار التاريخ الحديث، وأحد مهندسى الوجود المصرى فى عمق القارة الإفريقية السمراء التى فتح أبوابها فى لحظات كانت فيها مصر فى أمس الحاجة إلى ظهير فى معركة الاستقلال والتحرير من الاستعمار.
كان الدكتور بطرس غالى، أحد أساتذة العلوم السياسية التى اخرجت أجيالا وراء أجيال فى الحياة السياسية المصرية، ولا يزال تلاميذه يملأون محافل السياسية المصرية والعربية، ولا ينسى العرب والعالم موقفه عندما أصدر تقريرا شهيرا يدين إسرائيل بعد قصفها لجنوب لبنان عام 1996، فيما عرف بمذبحة قانا للمرة الأولى فى تاريخ الأممالمتحدة، وهو التقرير الذى عجل بخروجه من منصب الأمين العام للأمم المتحدة. كان الراحل العظيم قد توفى عن عمر يناهز 94 عاما فى أحد مستشفيات المهندسين بالجيزة.
وكان من أهم أولويات بطرس غالى عند توليه منصب الأممالمتحدة، هو تحقيق السلام ونشر الديمقراطية فى العالم، فكان يراها فرصة لن تتكرر، وكان يسعى لتحقيقها دائماً وإعادة إرساء المحاكمات الدولية.. وكان الهدف الدائم هو تشييد السلام الشامل والعادل فى المنطقة..
وينتمى غالى إلى عائلة عريقة تاريخياً وسياسياً، ما أعطاه خبرة وراثية جعلته يصل إلى هذا المنصب الحساس والخطير.. تميز غالى بمعرفته الواسعة فى علوم شتى منها الاقتصاد والسياسة والقانون المحلى والدولى مع عبقريته الطبيعية وموهبته النادرة وانتمائه للتراب المصرى وخلفيته المسيحية ذات الجذور الأصيلة، والتى تنتمى إلى حضارة فرعونية ضاربة فى عمق الحضارة الإنسانية. بطرس بطرس غالى (14 نوفمبر 1922 - 16 فبراير 2016) دبلوماسى مصرى مسيحى ينتمى لعائلة قبطية وأم أرمنية، فهو حفيد بطرس نيروز غالى رئيس وزراء مصر فى أوائل القرن العشرين، الذى تم اغتياله على يد إبراهيم الوردانى.
ويعود أصل عائلة البطارسة إلى قرية الشيخ مرزوق، وكانت لهم أراضى تسمى باسمهم.. وكان أحفاد بطرس أغا قد حافظوا على ثروة ومجد جدهم وصاروا من كبار الملاك والتجار، وكانوا وكلاء للبلدان الأجنبية بجرجا مثل روسيا وإيطاليا وفرنسا.. حيث يرجع إليهم الفضل فى بناء عدد من الكنائس وأشهرها الكنيسة البطرسية بالعباسية. فعائلة بطرس أغا تعود إلى القرن الثامن عشر، وكان يعمل مباشراً لحاكم جرجا، وفى عهد محمد على وصل إلى منصب حاكم قسم برديس، وكان لقب "أغا" يطلق على الحكام فى ذلك الوقت، وكان محمد على قد بدأ فى بناء دولته الحديثة ولم يفرق بين قبطى ومسلم.. وفى عهده وصل الأقباط لأول مرة منذ قرون ليكونوا حكاما للأقاليم، وهو منصب مشابه للمحافظ حاليا.. لذلك نجح بطرس أغا فى فرض النظام بجرجا، وظل فى منصبه حتى وفاته وترك عائلة كبيرة وأراضى شاسعة وسيرة حسنة شملت أسرته بالرعاية بعد وفاته .
كما ترأس منصب الاممالمتحدة من يناير 1992 إلى ديسمبر 1996، حيث كان هو الرئيس السادس وهو العربى الوحيد الذى ترأس هذا المنصب، فقد ولد فى القاهرة فى 14 نوفمبر 1922م من عائلة عريقة فى حكم مصر، جده كان رئيس وزراء مصر، وكان عمه وزير خارجية مصر، وقد تزوج ليا نادلر، وهى من عائلة نادلر اليهودية الشهيرة التى كانت تصنع وتبيع الحلوى للمصريين.. وقد التحق بطرس بطرس غالى بكلية الحقوق جامعة القاهرة لدراسة القانون، وحصل على ليسانس الحقوق فى سنة 1946 م Ll.B .. وفى سنة 1947 حصل على دبلومة فى القانون العام من جامعة باريس .. عمل مديرًا لمركز الأبحاث فى أكاديمية لاهاى للقانون الدولى (1963-1964) ثم أستاذًا للقانون الدولى والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة فى الفترة (1949- 1977)، ترأس "غالي" منظمة الفرانكوفونية الدولية بعد عودته من الأممالمتحدة. وكان آخر مناصبه رئاسته للمجلس الأعلى لحقوق الإنسان فى مصر، والذى استقال منه عام 2011.