زينب هاشم منذ أيام وتحديدا مع نهاية ديسمبر الماضي ودعت الجزائر، السياسي المعارض حسين أيت أحمد، آخر كبار المحاربين وأبرز قادة الثورة الجزائرية في جبهة التحرير الوطني، وعلى الرغم من أنه أسس بعد استقلال بلاده عام 1962، أقدم حزب معارض في الجزائر (جبهة القوى الاشتراكية)، فإنه لم يتقلد أي منصب رسمي حتى أطلق عليه لقب “المعارض الأبدي”. وبوفاة “المجاهد” المناضل ذى المشوار الطويل في المعارضة السياسية الجزائرية أجمع جميع قادة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية بأن “البلد يفقد في شخصه رجلا سياسيا مهما، مكنته تجربته الطويلة وحسه الوطني العالي من تمييز الأهم خلال أصعب الظروف. وفي شهادات جمعتها “الأهرام العربي” من رموز المجتمع الجزائري، قال فارس لونيس أستاذ ونائب رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة حسيبة بن بوعلي، إن مواقف الزعيم الراحل حسين أيت أحمد ونشاطاته تظهر من خلال محاربته للاستعمار الفرنسي، فكان من الأوائل المفجرين للثورة التحريرية وفضل الانضمام والتوحد تحت راية جبهة التحرير الوطني على الرغم من المبادئ التي كان يؤمن بها (أمازيغية)، مؤكدا أن تاريخ بلاده أقدم من أن يختزل في الاحتلال الفرنسي، كمحطة لبداية التاريخ الجزائري فإنه رأى في الهدف الأسمى الضرورة والأولوية ألا وهي الاستقلال. وأضاف لونيس، أن استقلال الجزائر حدث يحسب للمجاهد الراحل أيت أحمد وبعض ممن ساندوه في الفكرة ومن بينهم العقيد الراحل شعباني، الذي رفض مركزية السلطة وحاول من البداية عدم الخروج عن مبادئ أول نوفمبر، وهو ما لقي رفضا ومعارضة من رجالات السلطة آنذاك، ليحاول إنشاء حزب معارض سمى (جبهة الفوى الاشتراكية)، يقوم من خلاله بالممارسة السياسية والمعارضة السلمية، الذي لقي رفضا هو الآخر، ما دفعه للهجرة إلى أوروبا – البعض يقول نفي- ومن المهجر بقي على مبادئه لا يخرج عن نطاق الوحدة الوطنية، في ظل غياب المشروع الوطني..وألمح لونيس، إلى أن أيت أحمد خلق من المسألة الهوياتية الإثنية إطارا لإيديولوجيته واختص بالأمازيغية بعيدا عن إلغاء الآخر أكثر من أي شيء، حتى أنه طالب بترسيم اللغة الأمازيغية والتي تمثل أحد مطالب الأمازيغ، بالإضافة إلى رفضه كل أشكال التعصب الديني على شاكلة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وإعادة الاعتبار للغة الأمازيغية واعتبارها لغة وطنية، كما تبني الإسلام كدين بعيدا عن أي تعصب. وفي موقفه من انفصال منطقة القبائل، حاول حسين أيت أحمد الخروج بقناعة مفادها أن حزبه هو الممثل الوحيد للأمازيغ والقضية الأمازيغية من بين كل الأحزاب السياسية في الجزائر، وأن كل من يحاول القول بانفصال منطقة القبائل عن الجزائر إنما هو مسيس للقضية الأمازيغية لا مدافعا عنها في رسالة صريحة للانفصالي فرحات مهني وإلى النافين للأمازيغية وما طرد ابن الراحل لفرحات مهني في تأبينية الراحل بسويسرا إلا خير دليل على ذلك، لأن الراحل ببساطة كان مقتنعا تماما بأنه لا عداء بين الأمازيغية والعروبة ولا جزائر من دون أمازيغ ولا أمازيغ من دون جزائر. وفى الأخير يمكن القول بإنه لا مكان لأي مشروع سياسي وطني وديمقراطي أن يتجاهل هذا المطلب الشرعي باعترافه باللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية إلى جانب لغة الإسلام، ويعد الانضمام لهذا المطلب اختبارا لصراحة ومصداقية جميع القوى السياسية والاجتماعية ولا يمكن تحقيق السلم والديمقراطية ونظام سياسي جديد متسم بالتعايش بدون أو بمعارضة الأمازيغية. أما سمير قلاع الضروس أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة البليدة الجزائرية فقال ل (الأهرام العربى)، إن رحيل رجل القيم المثلى الوطنية”. عاش معارضا ومات زعيما”، “رجل القرن الجزائري، الزعيم حسين أيت أحمد رمز النضال السياسي في الجزائر قبل وبعد استقلال الجزائر سنة 1962 من مواليد 1926 بعين الحمام في منطقة القبائل الكبرى وبالضبط بمدينة تيزي وزو الجزائرية. التحق بحزب الشعب الجزائري عام 1943 حينما كان يزاول دراسته في ثانوية بن عكنون في الجزائر العاصمة. وأضاف، أن أيت كان من المدافعين عن الكفاح المسلح من أجل الاستقلال.أصبح عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وفي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي أعلن عن تشكيلها في القاهرة بجمهورية مصر العربية عام 1958. كان مؤمناً بقضايا التحرر في الجزائر وفي كل دول الوطن العربي والدول التي انهكها الاستعمار ويعتبر أيت أحمد أحد الوجوه الرئيسية في الحركة الوطنية الجزائرية، لعب دورا رئيسيا فى تفجير الثورة التحريرية باعتبار أنه كان من أهم القادة التسعة التي هندست لتفجير الثورة أين كان مكلفا بالدعاية من مكتب جبهة التحرير الوطني، وأوقف في طائرة عام 1956 حيث مكث في السجن حتى الاستقلال عام 1962. وبعد استقلال الجزائر واجه مشاكل مع الرئيس الأول أحمد بن بلة أين كان لا يتفق معه في الكثير من القرارات السياسية مما جعله يدخل في مواجهة النظام ويتبنى فكر المعارضة التي لم يطلقها لغاية مماته، حيث أوقف عام 1963 وحكم عليه بالإعدام، سجن عدة مرات ولم يعدم إلى أن هرب من السجن ومن الجزائر ولم يعد إلا مع الانفتاح الذي أعقب أحداث 5 أكتوبر 1988، لكن سرعان ما قفل راجعا إلى منفاه الاختياري بسويسرا بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف عام 1992، وفي تلك الفترة برز حزبه السياسي جبهة القوى الاشتراكية الذي يحمل التوجه اليساري الذي يرتكز جغرافيا بشكل قوي في منطقة القبائل.. أبرز إسهاماته السياسية كانت تدعو لرفع راية الجزائر حرة ديمقراطية بعيدة عن التطرف كما شارك في اتفاقية سانت إيجيديو من أجل وقف إطلاق النار في ظل تزايد العنف وانتشار الإرهاب والجماعات الإرهابية وانفجار حنفية الدم بعد توقيف المسار الانتخابي وكانت هذه الاتفاقية في جانفي 1995ووقع وهندس رفقة أحمد بن بلة ولويزة حنون وعبدالله جاب الله وعبد الحميد مهري والوزير أحمد بن محمد والمناظل الحقوقي علي يحيى عبد النور، وصولا لمشاركته في منافسة الانتخابات الرئاسية في مطلع سنة 1999 منافسا الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة قبل أن يخرج من السباق عشية الانتخابات، وكانت تلك الفترة فارقة في حياته حين ينتقل في معارضة النظام من الداخل إلى الخارج وبالضبط إلى مدينة جنيف ومن بعد لوزان السويسرية إلى أن وافته المنية أواخر الشهر الماضي عن عمر ناهز 89 عاما إثر مرض عضال، حسبما أفادت به وكالة الأنباء الجزائرية. ويعتبر الراحل الفقيد مؤسس أول حزب معارض في الجزائر”جبهة القوى الاشتراكية” مباشرة غداة الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي. وأحد أبرز زعماء ثورة نوفمبر والمناضل الباسل من أجل الديمقراطية”. كما خصصت له كل اليوميات وسائل الإعلام السمعية والمكتوبة حيزا واسعا في كتابة شخصه مشيرة لكن الجزائر فقدت برحيله أحد أبرز قادة الثورة، كما تضمنت صفحات الجرائد عدة مقالات تحت عنوان “حسين أيت أحمد أو مشوار مناضل”، “المعارض الدائم”، “الثوريين بمكانة هذا الرجل والمناضلين ذوي المشوار الطويل مثله لا ينسون أبدا”.. ويعلق رباح عرفات باحث متخصص في الشئون الأمنية والإستراتيجية قائلا: في منطقة القبائل المترامية الأطراف وتحت شموخ جبال جرجرة التي تأبى أن تبكي أسدها الراحل، هناك يقال إنه عندما يموت شخص كبير بعلمه وقدره بين قومه فكأنما مكتبة بأكملها قد احترقت.. وأضاف، أن “الدا الحسين” أو حسين أيت أحمد، مثلما دافع عن جزائر واحدة موحدة في حياته، فإنه جمع الجزائريين على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم في جنازته وقد رحل وهو الشيء الأكيد، لكن أفكاره بقيت راسخة في وجدان كل جزائري، وفى ختام تصريحاته رثى المناضل الثورى قائلا:«صدق الروائي الطاهر وطار عندما قال الشهداء يعودون هذا الأسبوع، عاد الأسد إلى عرينه وأعاد معه الأمل، أمل جزائر واحدة».