حوار هبة عادل على مر عشرين عاما، عمل د.أحمد صدقى كمصمم معماري وعمراني وخبير تطوير إستراتيجي للمناطق التاريخية والمتدهورة عمرانيا، كما صمم وأشرف على تنفيذ عدة مشروعات معمارية.. وله العديد من الأعمال المنشورة أهمها كتاب «الحياة مع التراث الحفاظ العمراني بالمدينة العربية الإسلامية» .كانت رحلة البحث والعمل شاقة، بعد أن أعاقته البيروقراطية في مصر لدرجة انتزاع جائزة الدولة التشجيعية منه وإلغاء الفيزا الممنوحة له للسفر إلى إيطاليا. ومن هنا يأتي هذا الحوار لفتح الأبواب المغلقة وكشف المستور وإلقاء الضوء على جزء من معاناته، وما يواجهه من ضغوط فهو مثل كثيرين واجههم الوطن بالرفض فهربوا إلى الخارج.
متى بدأت رحلتك العلمية ومتى قررت ترك مصر والمضى في طريقك بعيدا عن أرض الوطن؟ لقد تخرجت في كلية الهندسة قسم عمارة عام 1992 وعملت في مجال الديكور والعمارة، وبعد ذلك قمت بعمل رسالة الماجستير عن تاريخ العمارة والفن الإسلامي سنة 1998 ثم حصلت على الدكتوراة في العمارة والحفاظ العمراني مدرسة العمارة كلية الدراسات العليا، بكلية الفنون الجميلة بأدنبرة جامعة «هيريوت وات» فى عام 2004 ، ثم دبلومة دراسات عليا فى إدارة الأراضى والمناطق العشوائية للمعهد الدولى لبحوث الإسكان والتطوير العمرانى روتردام - هولندا ومعهد لنكولن لسياسات الأراضى كمبردج، مساتشوتس الولاياتالمتحدة 2005 بعد رفض الجامعات المصرية الإشراف عليها، لأنهم وجدوا صعوبة فى الإشراف عليها، ثم سافرت إلى السعودية للعمل هناك.. وقمت بفرش للقصور الملكية وعمل ديكورات لها.. ولكن بعد فترة عمل خمس سنوات، شعرت بأن طبيعة هذا العمل لا تحقق رغبتى الحقيقية.. وقررت العودة إلى وطنى بعد أن حصلت على الدكتوراة، ولكن قبل ذلك قمت بدراسة ماجستير عن تاريخ الفن والعمارة الإسلامية فى الجامعة الأمريكية وتعلمت على يد أساتذة كبار فى الجامعة الأمريكية مثل «د. بيرنارد أوكين» من أصل إيرلندى الفن الفارسى وفن الخزف والمعادن.. ثم «د. جورج أسكالف» أستاذ العاشق والمعشوق المملوكى، فكان يطلق عليه اللورد إنجليزى لتفوقه.. وبعد سنة تقريباً منحنى عميد كلية العلوم الإنسانية منحة الدكتوراه.. ومن ضمن العظماء الذين درسوا فى الجامعة، وكانت لهم بصمة فى حياتى هى «ليلى على إبراهيم باشا» ابنة إبراهيم باشا - الذى قام بمشروع القرش فى بناء قصر العينى - والغريب إنها ليست حاصلة على دكتوراة أو شهادة كبيرة فقد كانت الجامعة تمنح من لهم علم ومعرفة حقيقية.. شرف التدريس لديهم. وكانت أول مأساة أواجهها، عندما رفضت جامعة القاهرة موضوعى لنيل الدكتوراة «عن العمارة والحفاظ العمرانى» فقد أخبرونى أن الموضوع صعب فكيف اقوم بدراسة مصر بكل تطوراتها وفكرة بنائها.. ولكن الجامعة الأمريكية قامت بمنحى فرصة إعداد الدراسة نفسها في الخارج، وبعد ذلك تقدمت لمسابقة جائزة الدولة للإبداع الفني والحفاظ على المدن التاريخية واكتسحت الجميع .وكان في اللجنة د. سامح العلايلي ود.سيد التوني رئيس قسم العمارة بجامعة القاهرة ود.يحيي الزيني رئيس المكتب العربي ورئيس لجان الحفاظ العمراني واللجان الوزارية لإنقاذ القاهرة التاريخية، وبإجماع الجميع وافقوا على ولكن حدثت المؤامرة وقاموا بإخفاء جواز السفر الخاص بى، وتم ترشيح شخص آخر وإخفاء جواز السفر وهذه الحادثة مسجلة بالقنصلية الإيطالية لأنهم طلبوا الإطلاع على جواز السفر بعدها. فقد كانت قلعة الفساد والفسدة في وزارة الثقافة لا حدود لها .. وبعد ذلك قام هذا الشخص بعد كسر الفيزا في روما وأحرج الأكاديمية بروما، وكان يرأس جهاز التنسيق الحضاري وقتها د. سمير غريب. كيف ترى جهاز التنسيق الحضاري الآن وما دورك حينما كنت تعمل به؟ ولماذا قمت بتقديم الاستقالة؟ عملت كخبير توثيق معماري وعمراني بهيئة العامة للتخطيط العمراني وقمت بالاستقالة لماذا؟ لم يقم جهاز التنسيق الحضاري بدوره في تغيير ثقافة العمران والتنسيق مع الوزارت العينية مثل وزارة البيئة والعمران والإسكان ووزارة الحكم المحلى.. وإصدار دلائل تشمل المقاييس العالمية الخاصة بشكل الرصيف وأعمدة الإنارة. وقد ذهبت إلى الجهاز منذ حوالى عام وعرضت عليهم خبرتي البحثية والأكاديمية خصوصا أنى استشارى مسجل بمنظمة «الإليكسو».. ومع هذا لم يهتم أحد بالاستعانة بخبراتى. ماذا عن كتابك “الحياة مع التراث بالقاهرة”وكيف قمت بعرض كل هذه المشاكل به؟ الحياة مع التراث بالقاهرة هو كتاب خلاصة تحليل وجهد كبير، بعد دراسة علمية تعتبر الأخطر من نوعها فقد تبنتها دار نشر «الجامعة الامريكية» وبرغم تحفظاتي على سياسة الأمريكان فإنهم في هذا المنتج العلمي كانوا محترفين ومنهجيين. وقد كشفت من خلال الدراسة كيف أن جهود ومليارات ظلت تنفق على القاهرة التاريخية منذ 1980 وللأسف أساءت إلى تراثنا، حيث لا توجد إستراتيجية للدولة في حين نجد دولا أقل من مصر، ومع هذا نجدها مليئة بالكوادر البشرية والإمكانات وحتى المنح الدولية مثل سوريا وتونس اللتين أحرزتا تقدما كبيرا. وقد تم الاحتفاء بالدراسة في عدة دول أوروبية وأمريكية. قمت إبان تولى الإخوان مفاصل الدولة بعمل حملة شعبية والتصدي لهم لعدم هدم تراث مدينة بورسعيد؟ كان هذا من خلال مؤتمر شعبى كبير دعمه شباب بورسعيد الجدعان شديدى الوعى والنضج الفكرى الفطرى.. فجهاز التنسيق الحضارى لم يدعمنا، كما لو أن مصر لا تخصهم ولا تهم أحدا من المصريين.. وقد أزلنا بالفعل آثار الهدم والفساد لعدة أشهر من بعدها وعادت الأمور كما كانت وكأن شيئا لم يحدث، فكان هذا العمل بمثابة حملة شعبية بدعم من الفرنسيين عبر المركز الثقافى الفرنسى لحماية الطراز المعمارى. كيف ترى الآن ما يحدث من تعد على تاريخ مصر المعمارى وفى الإسكندرية بوجه خاص وما تم فى فيلا شيكوريل وما حدث مع فيلا أجيون وما يحدث لقصر عزيزة فهمى؟ أرى أنها كارثة حقيقية سوف تمحو هويتنا البصرية والتاريخية.. فقصر عزيزة فهمى أحد معالم لوران بكورنيش الإسكندرية سوف يهدم ويبنى مكانه فندق.. والإسكندرية بشكل خاص، كان يوجد بها قصور وفيلات بشكل كبير تم هدمها ولم يتبق منها سوى القليل.. فهذا القصر لا يوجد به أى أضرار فهو تحفة معمارية وفنية فلماذا كل هذه الجرائم التى تحدث ولصالح من؟ فجهاز التنسيق الحضارى برئاسة د. سمير مرقص الذى لا يفعل أى شىء لحماية تلك الأماكن يقف ساكنا بلا حراك. حتى هدمت فيلا «شيكوريل» على يد بلطجية وكأن أحدا لا يرى أو يسمع.. فهذا الجهاز لا يقوم بدوره على الإطلاق. وفى حالة فيلا أجيون التى بنيت عام 1922 للمصمم المعماري الكبير «أوجست بيرت» وهو من رواد العمارة بالعشرينيات والثلاثينيات وقد صمم هذه الفيلا المعروفة باسم فيلا أجيون، وهى من أوائل المبانى التى بنيت بنظام الإنشاءات الهيكلية للخرسانة المسلحة بمصر حيث أنها كانت تقنية تستخدم لأول مرة وللأسف هدمت هذه الفيلا أيضاً نتيجة لعدم الوعى. المأساة كل المأساة تتجسد فى الإدارة ومناهجها التى تعد السبب الرئيسي فى إفراز العشوائية والفشل. وإلى متي ستظل الدولة - في رأيك - تعتنق أسلوب إدارة إصدار التصاريح لهدم المبانى ذات القيمة التاريخية؟ مع نهضة الخديو إسماعيل بالقاهرة وتخصيص الأراضى بأسعار زهيدة الثمن للمشترين، كان يتم وضع شروط قاسية فى البناء، بما يضمن أن تتحول مصر إلى صورة أخرى من أوروبا، وبالفعل نجح بقوة.. وقبل ذلك عندما جاء محمد على ووجد الطراز المملوكى رفضه بشدة، وقرر أن يصنع طرازا خاصا به وبثقافة إسطنبول، وقد نقل طراز قصر دولاما باشا فى إسطنبول وقد قام بمنع المشربيات واستبدالها بالشبابيك الحديثة.. وجاء على مبارك مؤكداً هذا التغير بعد توليه منصب وزير الأشغال كى تصبح مصر شكلا منفرداً للحداثة. لك دراسة مهمة حول المنهج العمراني.. فما أهم مفرداته؟ قمت بتقديم ما يسمى بمشروع المرصد العمراني عام 2010 إلى المغاربة والأردنيين.. وهو عبارة عن فكرة مشروع لحماية الذاكرة والهوية البصرية للمدن والمناطق المختلفة الهوية وحقوق يتم مراقبتها وتوثيق الخروقات وتطوير آليات الحماية والحفاظ عليها، وبالفعل ومنذ أكثر من أربعة أعوام تقدمت به لرئيس الإليكسو، حيث إننى استشارى إدارة عمران وتراث لها، وبالفعل تم عرض الفكرة واعتمادها من وزراء الثقافة العرب منذ ما يقارب العامين. ولكنى أتمنى أن يكون مقر المرصد العربي هو القاهرة، لكن لم تدرك مصر للآن أهميته بالرغم من استمرار النزيف في عمراننا التقليدي للمباني ذات القيمة والطراز والطابع، كما المذابح المعمارية ببورسعيد والإسكندرية ومصر الجديدة وغيرها، حيث كنت أحاول الوجود وتطوير حملات مع جهات أوروبية في الأغلب مثل المراكز الثقافية والأبحاث المعنية بالتراث والآثار لنشاطهم. وللتعامل مع هذه الكارثة يجب إصدار قرار بوقف أى عملية تطوير مشفوعة بأن أي بناء سيتم خلال فترة تجميد التطوير سيتم هدمه تماما على حساب المالك، وهذا لأن الضرر الاقتصادي سينعكس على جدوى العملية الاستثمارية الفاسدة التى يحتكرها العديد فى ربوع هذا الوطن المكلوم بأبناء فسدة.. ولابد أن يقوم الجهاز القومى للتنسيق الحضارى بالتنسيق مع أجهزة الدولة، لحماية ما تبقى من هوية مصر الثقافية المعاصرة والتى أشك أنهم يفهمون مدى تأثيرها. ماذا تفعل الآن بعد عودتك إلى مصر عام 2010؟ بعد عودتى إلى مصر من مايو 2010 كنت وما زالت أقوم بالأبحاث لجهات خارجية أو إدارة مشاريع صغيرة لصالح منظمة الإليكسو وجهات مثل شركات تنمية سياحية وأماكن تراث ومناطق جذب سياحى بالمنطقة بتونس وعمان وغيرها، لأن مصر تمنع تعيينى فى الجهة التى أنتمى لها وهى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى أو حتى جهات بحثية وإدارة عمران لضمان جودة بيئة عمرانية وحماية تراث. كما أدرس أحيانا فى الجامعة الفرنسية. وأقوم بعدة جولات أسبوعية للترويج لتراثنا بطريقة جذابة تعتمد على قراءة النقوش وشرح الزخارف، وقد قمت بتقديم هذا في سهرات رمضانية بمصاحبة الموسيقي، لذا طورت فكرة برنامج فى هذا السياق اسمه أحاديث عن الجدران، لأن الجدران وزخارفها والفراغات هى من نتحدث عنها، ومازلت أبحث عن جهة تدعم تلك الفكرة.