صكوك الأضاحى 2024 محافظة مطروح.. الأسعار    الأمل كفعل مقاومة    نائبة «حماة الوطن» تثمن إعلان مصر دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل    مانشستر سيتى القوى نحو لقب آخر    رد حاسم من «فيفا» على الاتحاد المصري لكرة القدم في قضية الشيبي والشحات    ضبط 8 أطنان أسمدة قبل بيعها في السوق السوداء بالفيوم    الرئيس السيسي: خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت والصحابة    «ثقافة الشيوخ» تناقش اقتراح لإنشاء متحف شمع لعظيمات مصر.. والحكومة: تكلفته باهظة    مصر تعتزم دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    يوفنتوس بالقوة الضاربة في مواجهة يوفنتوس بالدوري الإيطالي    تفاصيل اعلان وزارة الداخلية قبول دفعة جديدة بمعاهد معاوني الأمن.. فيديو    "جنايات قنا" تقضي بالمؤبد على سائق بتهمة قتل زوجته    غدًا.. وزير العمل: طرح مشروع قانون العمل على "الحوار الاجتماعي"    وظائف في 50 شركة ومؤسسة.. انطلاق الملتقى التوظيفي الأول لجامعة طيبة التكنولوجية في الأقصر    "أثر الأشباح" للمخرج جوناثان ميليت يفتتح أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي    بعد تصدرها التريند..تعرف على عدد زيجات لقاء سويدان    أمينة الفتوى: سيطرة الأم على ابنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    رئيس جامعة طنطا يتفقد أعمال تنفيذ مشروع مستشفى الطوارئ الجديد    اسكواش.. نتائج منافسات السيدات في الدور الثاني من بطولة العالم    فرحة في الكامب نو.. برشلونة يقترب من تجديد عقد نجمه    قائد الجيش الأوكراني: الوضع في خاركيف تدهور بشكل كبير    إعلام النواب توافق على موازنة الهيئة الوطنية للصحافة    موعد عيد الاضحى 2024 وكم يوم إجازة العيد؟    الدورى الإسبانى.. قاديش يعزز من فرص تواجده فى الليجا بالفوز على خيتافى    الصحفيين تعلن فتح باب الحجز لعدد 75 وحدة سكنية فى مدينة السادس من أكتوبر    "العيد فرحة وأجمل فرحة".. موعد عيد الاضحى المبارك حسب معهد البحوث الفلكية 2024    أحمد عز يصور «ولاد رزق.. القاضية» بحلوان.. متبقي 3 أيام للانتهاء منه    الثلاثاء.. مناقشة رواية "يوم الملاجا" لأيمن شكري بحزب التجمع    إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص فى ترعة ببنى سويف    لجنة حماية الصحفيين: نشعر بالقلق جراء إفلات إسرائيل من العقاب    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    «تعليم النواب»: موازنة التعليم العالي للسنة المالية الجديدة 2024/2025 شهدت طفرة كبيرة    لحماية صحتك.. احذر تناول البطاطس الخضراء وذات البراعم    الصحة: الجلطات عرض نادر للقاح أسترازينيكا    تعرف على أماكن اختبارات الطلاب المتقدمين لمعهد معاوني الأمن لعام 2024    إعلان خلو مقعد الراحل عبد الخالق عياد من الشيوخ وإخطار الوطنية للانتخابات    في العالمي للتمريض، الصحة: زيادة بدل مخاطر المهن الطبية    جامعة الأقصر تخطط لإنشاء مستشفى وكليتي هندسة وطب أسنان    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بأفغانستان إلى 315 شخصًا    المشاهد الأولى لنزوح جماعي من مخيم جباليا شمال غزة هربا من الاجتياح الإسرائيلي    مظاهرات الجامعات توقظ ضمير العالم    مجلس الشيوخ يقف دقيقة حدادًا على النائب الراحل عبد الخالق عياد    هشام آمنة: 256 مليون جنيه لتطوير منظومة إدارة المخلفات بالمنوفية    بعد توجيهات الرئيس بتجديدها.. نقيب الأشراف: مساجد آل البيت أصبحت أكثر جذبا للزائرين    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في الفيوم لعدم حضور الشهود    البورصة تخسر 25 مليار جنيه في ختام تعاملات أول الأسبوع    مجلس الجامعات الخاصة يكشف قرب الانتهاء من إنشاء 7 مستشفيات    تطورات قضية زوج المذيعة أميرة شنب.. وقرار جديد من المحكمة    وزير الخارجية: لن نكتفى بالتحدّث وسنتخذ إجراءات عملية تضمن تنفيذ ما نطالب به    البريميرليج يقترب من النهاية.. من يحسم اللقب؟    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    «الداخلية»: ضبط 4 عاطلين بتهمة سرقة أحد المواقع في أسوان    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    أسيوط: إزالة 8 تعديات على أراضي زراعية ومخالفات بناء بمراكز أسيوط وصدفا وحي شرق    الإفتاء: توضح حكم سرقة التيار الكهربائي    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الجنيه غلب الكارنيه".. فضيحة.. محرر "الأهرام العربى" مستشار فى 4 أيام بألف جنيه!
نشر في الأهرام العربي يوم 28 - 12 - 2015


أين وزارة العدل ونادى القضاة والأجهزة الرقابية؟

إذا كنت تبحث عن السلطة والوجاهة الاجتماعية معا، وتريد تحقيقهما فى أقصر وقت، فهناك طريقة سهلة جدا ولن تكلفك أكثر من 1000 جنيه، حيث تستطيع الحصول على كارنيه يحمل لقب «سيادة المستشار»..
الأجمل من ذلك أنه ليس مطلوب منك أى شهادات دراسية لنيل هذا اللقب «المزيف»، فإذا كنت تحمل شهادة محو الأمية أو تعرف القراءة والكتابة تستطيع أن تتقدم للاشتراك فى إحدى الدورات التى تنظمها مراكز التحكيم الدولى والتى نتشرت إعلاناتها أخيرا وبكثرة سواء على مواقع الإنترنت المختلفة أو فى الشوارع والميادين، وبعد انتهاء الدورة والتى لا تستغرق أكثر من 4 أيام تحصل على كارنيه يحمل صورتك ولقب سيادة المستشار وشهادات أخرى تحمل ألقابا وشعارات تتشابه مع تلك التى يتمتع بها القضاة والدبلوماسيون والتى تستطيع أن تتباهى بها أمام الناس بل وقد تستعملها فى تحقيق مصالح شخصية مستغلا جهل الكثيرين.


«الأهرام العربى» رصدت هذه المراكز والتى انتشرت بكثرة أخيرا تعلن عن دورات تدريبية لمراكز تحكيم دولية، وتؤكد قدرتك على العمل فى سلك القضاء ولا تشترط مؤهلات معينة على المتقدم للالتحاق بهذه الدورات ولا حتى سن معينة، وإنما يكفى أن تمتلك أو «تستلف» الألف جنيه، المهم يكون معاك قيمة الاشتراك فى الدورة، كذلك فهى لا تشترط عليك حضور المحاضرات وإنما تستطيع متابعتها «أون لاين» عبر الإنترنت، ولإضفاء مزيد من المصداقية على هذه الدورة، استعان مسئولى هذه المراكز بمجموعة شهيرة من الأسماء الشهيرة فى إلقاء المحاضرات.. ومنهم الدبلوماسى والسياسى الدكتور مصطفى الفقى واللواء الدكتور أحمد البدرى، رئيس أكاديمية الشرطة سابقا، والمستشار الدكتور إبراهيم الشواربى، المفتش القضائى الأول بوزارة العدل.. وغيرهم.

وفى هذا التحقيق الاستقصائى تكشف «الأهرام العربي» حقيقة هذه المراكز الوهمية التى تبيع هذه الكارنيهات لمن يملك قيمة الاشتراك بعيدا عن أعين الجهات المسئولة، برغم أن من يدرسونها والمحاضرين فيها كانوا قبل ذلك مسئولين بعد أن خاضت المجلة تجربة استصدار كارنيه يحمل لقب «المستشار فى التحكيم الدولى» إثر الالتحاق بدورة تدريبية فى إحدى المراكز وهو «الهيئة الدولية للتحكيم»، بعد أن دفعت مبلغ 1050 جنيها قيمة مصاريف الدورة فى مقر الهيئة بمنطقة الدقى، وتم إبلاغى بميعاد الدورة والتى بدأت يوم الجمعة الموافق 28 نوفمبر وحتى يوم الإثنين 1 ديسمبر 2015 على أن تكون المحاضرات فى قاعة المؤتمرات بالمدينة الجامعية التابعة لجامعة القاهرة.. وبالفعل أصبحت بعد يوم الإثنين وفور تسلم الكارنيه «السيد المستشار» ولى الحق فى التحكيم بداية من مصالحة زوجين وحتى الخلافات فى الحدود الدولية .


أول القصيدة
فى الميعاد المحدد توجهت إلى المدينة الجامعية لحضور أول أيام الدورة، وعند دخولى القاعة لفت نظرى وجود لافتة كبيرة مكتوب عليها "أن إدارة الجامعة غير مسئولة نهائيا عن المواد التى يتم تدريسها أو مناقشتها داخل القاعة "، كذلك فاجأنى عدد المتقدمين والذى زاد على 700 متقدم، فضلا عن من لم يحضر واكتفى بالمتابعة «أون لاين»، وكانت السمة الغالبة للحاضرين من كبار السن من الجنسين وعدد كبير من شباب الأقاليم، وقد ظهر جليا من خلال حديثى مع عدد منهم أن الغالبية العظمى جاءت بحثا عن الوجاهة الاجتماعية فقط، ومنهم أيضا من شاهد الكارنيه مع أحد أصدقائه أو أقاربه ورغب فى تقليده، مثل الأستاذ محمد صاحب شركة السياحة، الذى تفاجأ بوجود الكارنيه مع أخوه التوأم وأراد تقليده، بينما كنا ننتظر القائمين على الدورة فوجئنا بحركة غريبة من أفراد الأمن التابعين للجامعة، والذين فاجأونا بقرار طردنا من القاعة بناء على أوامر من الدكتور جابر نصار - رئيس جامعة القاهرة - مما أثار استياء ودهشة الجميع، وعندما توجهنا لمندوبى المركز لمعرفة حقيقة الموقف، قالوا إن هناك خلافا مع إدارة الجامعة ومن ثم سوف يتم تأجيل الدورة لمدة 48 ساعة لحين تحديد مكان وموعد جديد، وهو ما قوبل بالرفض من الحضور، مطالبين المركز بتوفير مكان بديل أو استعادة أموالهم، لأن الغالبية جاءت من أقاليم من مسافات بعيدة، وهناك من حصل على إجازة من عمله لحضور الدورة، وبعد فترة من الشد والجذب أخبرنا مندوبو المركز أنه تم توفير مكان بديل فى قاعة أخرى بإحدى فنادق وسط البلد، وأنه تم توفير عدد 4 أتوبيسات لنقل المتقدمين للدورة لمكانها الجديد.

استياء وغضب شديدان
وقبل أن تبدأ أول محاضرة لنا فى القاعة الجديدة، حضر الأستاذ محمد داوود مدير المركز والذى أبدى غضبه الشديد واستنكاره لما قام به الدكتور جابر نصار قائلا: "ما حدث مخالف للقانون فنحن لدينا عقود مع إدارة الجامعة وهى ليست أول مرة نؤجر هذه القاعة، إنما نستعملها منذ خمس سنوات، وأؤكد أننا سوف نتقدم بمذكرة ضد إدارة الجامعة، مضيفا وحول الموقف الغريب للدكتور جابر نصار فهذا كان متوقعا لأنه يعد منافسا لنا، فهو شريك فى أحد مراكز التحكيم الدولى، وبالتالى يعمل ضدنا ويستغل سلطاته فى ذلك، وهو سبب نزوله يوم الجمعة من بيته من أجل طردنا من القاعة فى محاولة منه لزعزعة ثقتكم فى المركز الخاص بنا " وهنا انتهى حديث الأستاذ محمد داوود، مدير المركز بعد أن تقدم باعتذاره عن ما حدث، وقدم لنا المستشار رضا الملاح، نائب رئيس مجلس الدولة والذى بدأ يلقى لنا أولى محاضراته بعنوان "إطلاله عامة عن التحكيم"، وأثناء ذلك تم تسليمنا حقيبة تحمل اسم المركز وشعاره وتحتوى على كتيب بعنوان الهيئة الدولية للتحكيم من إعداد المستشار رضا الملاح، وعدد 2 ستيكر تحمل شعار مشابه لشعار وزارة العدل وC.D يشمل عددا من الموضوعات الخاصة بالتحكيم، وفى نهاية الدورة وتحديدا بعد أربعة أيام تم تسليم الدارسين كارنيهات تفيد بأن كلاً منهم أصبح مستشارا فى التحكيم الدولى، كما تسلم كل دارس أربع شهادات تفيد أنه أصبح خبيرا فى التحكيم الدولى، وأنه يمكن لأى جهة الاستعانة به فى نزاعاتها مع أى جهة أخرى.


خبراء القانون
وبحثا عن حقيقة تلك المراكز وحقيقة الدرجة العلمية التى يحصل عليها الدارس، بها التقت "الأهرام العربى" رجال القانون والقضاء للإجابة عن تساؤلات متعددة حول كيفية عمل هذه المراكز، وما هو القانون المنظم لعملها؟ وهل لديها تراخيص تمنحها الحق فى إصدار هذه الكارنيهات والشعارات التى تصل إلى وصف الحاصلين على دوراتها بالقاضى الاتفاقى والمستشار بالقضاء الخاص والمستشار الدبلوماسى؟
بداية يقول المستشار عمرو جمعة - نائب رئيس مجلس الدولة والمحكم الدولى المعتمد - إنه على الرغم من أن مبدأ التحكيم ضاربة جذوره فى حل النزاعات عموماً منذ عصور التاريخ الأولى، وعرفته وطبقته حضارات العالم القديم على اختلافاتها وانتماءاتها، إلا أنه مع تطورات الدولة الحديثة تسيد القضاء المسألة وتطورت تنظيماته وأدواره، وأصبح القضاء سلطة مستقلة من سلطات الدولة وهو الأصل الدستورى والتشريعى لحل جميع المنازعات. غير أن الملاحظ أنه مع ازدياد العلاقات التجارية فى القرن الماضى بين الدول أو ما بينها من كيانات كبرى، برز مبدأ التحكيم من جديد حتى أصبح أحد أهم البدائل القانونية للقضاء فيما يتعلق بالنزاعات التجارية والاقتصادية.

وأضاف جمعة أنه كان بالضرورة أن يصاحب ذلك تنظيم قانونى خاص من خلال الهيئات المتخصصة القائمة على تسوية المنازعات بوسيلة التحكيم بأنواعه المختلفة، وهو ما حدث بالفعل على المستوى الدولى من خلال عدد معتمد دولياً من هيئات التحكيم أهمها بغرفة التجارة الدولية بجنيف وغرفتى باريس ولندن ومركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى وغيرها، كما صدرت قواعد التحكيم للجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولي. إلا أنه مع بداية الألفية الثالثة بدأت تظهر بعض المراكز والغرف التحكيمية على المستوى المحلى أو ألإقليمى فى بعض دول الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر، تتولى زمام العديد من القضايا التحكيمية الصغيرة بين الشركات، ثم تزايدت بكثرة فى السنوات الأخيرة حتى أصبحت ظاهرة كارثية تهدد جوهر التحكيم فى حد ذاته وإهدار مبدئه الأساسى، كشفت مع واقع بعضها عن انتفاء ظاهرة الحياد التى هى العنصر الرئيسى الرافع من شأن التحكيم.

وألمح جمعة إلى أن اختيار المحكم يتم عن طريق إدارات الهيئات التحكيمية بقيده ضمن سجلاتها وتكليفه بمهام التحكيم فى قضايا تحكيمية تتولاها هى عن طريق مشاركات التحكيم فى العقود المختلفة، وأن المفترض المنطقى قيام تلك الكيانات باختيار المحكمين فى قوائمها بعد اختبارات واختيارات متأنية وقائمة على عنصر الدراسة والخبرات الفنية، بيد أن أغلب تلك الكيانات أصبحت فى واقعها قائمة على فراغ من الممارسة التحكيمية الحقيقية من خلال عدم وجود قضايا التحكيم، وإنما ابتنت مكاسبها على إقامة الدورات التدريبية لاستجلاب أكبر عدد من الأشخاص الطامحين فى مستقبل أفضل فى مصر والعالم العربي، أو الساعين إلى جمع شهادات أو خبرات ورقية، دون أن تنظر إلى مستواهم التعليمى أو تخصصاتهم أو تقافاتهم أو خبراتهم، وتوزيع الألقاب عليهم ما بين محكم أو مستشار أو غيرها خلال أيام هى مدة هذه الدورات، وتدوين ذلك فى شهادات وكارنيهات خاصة.

وأوضح جمعة أن الأمر وصل أحياناً إلى قيام تلك المراكز بتوقيع بروتوكولات مع بعض الجامعات الرسمية الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الجامعات لما يسمى بالماجستير التأهيلي، تحايلاً على درجة الماجستير العلمى الأكاديمى المتعارف عليه دولياً، وأصبح بعض الحاصلين على ذلك يدونونه فى خانة الوظيفة فى بطاقات الهوية الرسمية، وكذا جوازات السفر من مستشار تحكيمى أو محكم دولى أو ما تابع ذلك من مسميات، وهو ما جعل مستوى خبرات وكفاءة نسبة غير قليلة من المحكمين المقيدين فى تلك المراكز فى تدنى مستمر، ولعل سكوت أجهزة الدولة لسنوات عديدة على رقابة ذلك جعلت الأمور تتفشى إلى الحد أن الكثير من هذه الكيانات أصبحت قائمة.

ويرى جمعة أن على مجلس النواب القادم سرعة إصدار تشريع حاسم يضع شروطاً قانونية حازمة فى وضع شروط الترخيص للجهات القائمة على قضايا التحكيم واعتمادها مستقلة وفقاً لأحكام الدستور والقانون، وتقنين أو توفيق أوضاع الكيانات الموجودة بالفعل على الساحة، مع وضع ضوابط ومعايير رسمية لاختيار واختبار المحكم من خلال مجموعة من الإجراءات تؤهله لذلك وتنشأ معها كوادر تحكيمية حقيقية متخصصة، وإلا فلننتظر تطوراً جديداً يسحب الجميع إلى مفهوم خاص من النصب الجنائى المُقنَّع، يؤدى إلى كوارث اقتصادية تفوق بكثير ما تتكبده المؤسسات الرسمية المصرية من مليارات الدولارات فى خساراتها لقضايا التعويض التحكيمية الدولية.

كذلك يرى المستشار مساعد عبد العاطى - أستاذ القانون الدولى - أن منح لقب «مستشار تحكيم دولى» يعد نصبًا واحتيالًا، مؤكدًا أن قانون التحكيم لا يعرف تلك المصطلحات، مضيفا أن بيع هذه الألقاب والشعارات القضائية يعد جريمة نصب واحتيال، وأن هذه الألقاب لا تمنح إلا لأعضاء السلطة القضائية، كما أن شعار نادى القضاة حق أصيل له ولا يجوز لأحد تداوله أو استخدامه أو تقليده، مؤكدا أن القصة تتلخص فى أشخاص يستغلون ثغرات فى قانون التحكيم، لتأسيس جمعيات أهلية تسمى «مراكز التحكيم الدولى»، توهم الشباب بألقاب رفيعة مقابل رسوم، وفى النهاية كل هذه المراكز تؤكد فتح أبواب المستقبل أمامك، باعتبار أن العمل فى سلكى القضاء والدبلوماسية لم يعد مستحيلا إذ يمكن لأى شخص لا تتوافر فيه مؤهلات الالتحاق بتلك الهيئات أن يكون واحدا منها.

أيضا تحدث المستشار محمد الجمل - رئيس مجلس الدولة الأسبق - قائلا: البعض يستغل سذاجة بعض الشباب فى الحصول على لقب "مستشار تحكيم دولي" كما يعتقدون، ويقوم باستخراج بعض الكارنيهات التى تحمل تلك الصفة والتى تعتبر تزويرا رسميا، لكن الدولة عليها عامل أساسى فى تركها لتلك المراكز التى تقوم بعمليات نصب على الشباب.

مضيفا: أن هذه المراكز المنتشرة التى تسمى مراكز التحكيم حتى المعتمد منها ليست مراكز للتحكيم، ولا تعطى سوى شهادة اجتياز دورة التدريب على التحكيم، ولا تعد هذه الشهادة ضمانا بأن من يحملها أصبح محكما دوليا، فهى تقدم مناهج ضعيفة للمتدربين، وشهادتها غير معتمدة، كما أنها لا تحصل على تصديق من أى جهة حكومية، كوزارة العدل أو وزارة الخارجية وليس كما تدعى تلك المراكز.. فالشخص الدارس فى هذه المراكز وفى هذه الفترة الوجيزة، لن يكون قادرا على رفع قضية دولية والتحكيم فيها على ارض الواقع، فهو درس ليعطى شهادة أو هوية مستشار يحملها فى جيبه فقط للتباهى والاستعراض وكتابتها فى جدارية المحامي، دون أن يمارس التحكيم الدولى الحقيقى لأنه غير مؤهل، كما إنها تعطى لغير دارسى القانون.

الصورة الريسية على موقع المركز

د. مصطفى الفقى يسهم فى منحنا درجة المستشار

كان اليوم الأخير فى الدورة من أكثر الأيام تميزا، ليس فقط لأنه يوم تسلم الشهادات والكارنيه، وإنما لحضور الدكتور والسياسى الكبير مصطفى الفقى لتقديم محاضرة بعنوان «الإرهاب وآثاره على الاستثمار»، الذى لم أكن أتصور حضوره، وكنت أعتقد أن وضع اسمه هو مجرد طريق لإضفاء مزيد من المصداقية على الدورة ودون علمه بذلك، وكنت أنتظر أن يتقدم القائمون على الدورة باعتذار فى اللحظة الأخيرة مبررين عدم حضوره لأى سبب، لكن المفاجأة كانت فى حضور الدكتور مصطفى الفقى الذى ظل يتحدث لأكثر من ساعة، وإن كان لم يتطرق لمسألة التحكيم لا من قريب ولا من بعيد، وإنما قدم رؤية للوضع السياسى الحالى، وكأنه فى أحد برامج التوك شو، ثم بدأ يستمع لأسئلة الحضور التى كانت أغلبها عن الرئيس المخلوع حسنى مبارك.

الكارنيه والكمين
تصادف بعد حصولى على الكارنيه، الذى يحمل لقب "سيادة المستشار "، أننى كنت أقود سيارتى فى شارع أحمد عرابى بمنطقة المهندسين، نحو الساعة الثامنة مساء وكنت أحدث أحد الأصدقاء هاتفيا، وإذ بى أتفاجأ بكمين مرورى أمامى، حيث تقدم أحد أمناء الشرطة مطالبا برخصة القيادة لتحرير مخالفة مرورية، وتذكرت وقتها " الكارنيه" الذى ما إن رآه أمين الشرطة حتى اختلف موقفه تماما وأبدى اندهاشه بأننى لم أخبره فور توقفى بحقيقة وظيفتى، ثم طالب أفراد الكمين بإيقاف الطريق حتى أستطيع المرور، وصراحة بالرغم من سعادتى من أننى لم أدفع المخالفة، إلا أننى شعرت بقلق كبير بسبب جهل الكثيرين بهذا الكارنيه الذى لا قيمة له، فقد يستغله البعض فى النصب على المواطنين .

بلاغ لمن لا يهمه الأمر
فى يوم بليلة، حصلت على لقب مستشار فى التحكيم الدولى، وحصلت على كارنيه وشهادات تعطينى الحق فى مزاولة مهنة التحكيم فى النزاعات الدولية والمعاملات التجارية، ولأن الأمر بهذا الشكل وبهذه البساطة والسرعة يثير الشك فى العملية كلها، وقبل أن أنشر ما حدث لى وما تعرضت له، وحتى أقطع الشك باليقين، توجهت إلى العميد عاصم الداهش، مدير مباحث جرائم التزييف والتزوير، وعرضت عليه الأمر والكارنيه، وكما توقعت، أن العملية كلها نصباية كبيرة، حيث نصحنى بتقديم بلاغ، لأن هذا الكارنيه مزور، وإذا قدمته إلى أى مسئول سأتعرض للمساءلة، وعليه قمت بالفعل بتقديم البلاغ وتحت يدى كل المستندات الدالة على ذلك.


جابر نصار يتحدى
نفى الدكتور جابر نصار - رئيس جامعة القاهرة - كل ما قاله محمد داوود رئيس هيئة التحكيم الدولى حول أنه شريك فى أحد مراكز التحكيم، وأن يكون هذا هو السبب الرئيسى لقيامه بإلغاء تعاقد الهيئة مع المدينة الجامعية التابعة لجامعة القاهرة لحجز قاعة المؤتمرات، بل وقيامه بطردهم من القاعة يوم الجمعة بتاريخ 28 /11 / 2015 .
وأضاف الدكتور جابر نصار قائلا: كل ما قيل مجرد شائعات مغرضة، وأتحدى أن يستطيع أى شخص أن يثبت صحة هذا الكلام، فأنا لم ولن أكون شريكا فى مثل هذه المراكز المشبوهة التى تمارس النصب على المواطنين، كذلك فأنا لم أقم طوال عمرى بتقديم أى محاضرة داخل هذه المراكز، سواء بمقابل أو بدون مقابل، فمثل هذه المراكز تستغل ثغرات فى القانون لإنشاء هذه الكيانات الوهمية ومحاولة الربط بينها وبين المؤسسات الكبيرة، فى محاولة لإضفاء المصداقية والشرعية على عملهم الدنئ، وهذا كان سبب حرصى على طردهم من قاعة المؤتمرات أمام الجميع، حتى تكون رسالة واضحة تؤكد عدم وجود أى صلة أو علاقة بين جامعة القاهرة وهذه المراكز المشبوهة .
ويؤكد نصار أن إدارة الجامعة تقدمت منذ عام 2013 بأكثر من 40 بلاغا أمام النيابة العامة ضد هذه المراكز وعملها المشبوه والتى تستغل جهل الكثيرين للنصب عليهم وإعطائهم شهادات وكارنيهات مزورة، كذلك هناك تحقيق يجرى الآن داخل الجامعة حول كيفية قيام هذا المركز بتأجير قاعة المؤتمرات التابعة للمدينة الجامعية، حيث ثبت لنا أن المركز استعان بهيئة أخرى تم تأجير القاعة باسمها بغرض إعطاء دورات تدريبية لمجموعة من الدبلوماسيين، وهذا مذكور فى العقد، حيث لم يتم تأجير القاعة باسم الهيئة الدولية للتحكيم، وإنما باسم مؤسسة أخرى كستار للتمويه والتحايل على إدارة الجامعة، بسبب قرار مجلس الجامعة بعدم التعامل مع مثل هذه المراكز المشبوهة.

أحد الطلاب المجتهدين فى انتظار الكارنيه

سيادة المستشار أبو جلابية طوبى
بداية ليس سخرية من الجلابية، فكلنا نحترم هذا الزى، الذى يمثل تراث أجدادنا، ومنهم عقول جبارة ومربون أفاضل، لكن المقصود هو جشع إخواننا مانحى كارنيهات المستشارية، فلا يلزم أن تكون حاصلا إلا على شهادة محو الأمية ومعك تكاليف دورة التحكيم الدولى وقدرها 1200 جنيه، التى تستغرق أربعة أيام فقط ليس من الضرورى حضورك فيها، بل يمكن منحك درجة "السيد المستشار " وأنت جالس فى منزلك تلعب بلاى استيشن.
ومن وجهة نظر الذين أخذوا الفلوس، أنهم يبنون المواطن المصرى، وبالتالى يسهمون فى نهضة مصر، وتوفير أكبر عدد من المستشارين فى البلاد، حتى نتفوق على ألمانيا التى لديها مستشارة واحدة.

أكثر من 15 مركزا تحكيما دوليا فى مصر
فى ظل قدرة أى عدد من الأشخاص على تأجير أى مكان ويسميه مركز تحكيم ويصدر شهادة بعد حضور تدريب لا يتجاوز 4 أيام، ومع ازدياد المنافسة أصبحت هذه المراكز تتبارى فى إضافة ألقاب بشهاداتها مثل لقب «مستشار تحكيم دولي»، فهذه المراكز استغلت كلمة مستشار، وفوجئنا بشهادات يكتب بها السيد المستشار فلان الحاصل على درجة التحكيم الدولى، وبجانب الصورة فى هويته تكتب عبارة (تسهيل مهمة حامله).
وقد زاد عدد هذه المراكز أخيراً حتى تجاوز عددها ال15 مركزا، وقد سعت «الأهرام العربى» لحصر أشهر هذه المراكز، وهى مركز التحكيم الدولى – مركز جنيف للتحكيم الدولى – الهيئة الدولية للتحكيم – المركز الإفريقى للتحكيم الدولى – نادى هيئة مستشارى التحكيم الدولى – الدبلوم المهنى للتحكيم الدولى – النقابة العامة لمستشارى التحكيم الدولى وخبراء الملكية الفكرية – المركز المصرى للاستشارات والتحكيم الدولى والعلاقات الدبلوماسية والقنصلية – الاتحاد العربى للتحكيم والتدريب بالتعاون مع الأكاديمية البريطانية ومعهد البحوث الإفريقية.

تهانى الجبالي

بعد رفضها المشاركة فى أعمالهم..المستشارة تهانى الجبالى تؤكد: الفوضى القانونية سبب ظهور مراكز التحكيم الوهمية

نحن أمام قضية كبيرة وعلى درجة كبيرة من الخطورة – هكذا بدأت المستشارة تهانى الجبالى ل "الأهرام العربي" - فهذه المراكز الوهمية انتشرت بشكل كبير أخيرا، وهى تمنح شهادات وألقاب لا تملكها لمن لا يستحقها وغير مؤهل أصلا للحصول عليها ..كذلك فإن لقب "مستشار تحكيم دولي" غير موجود أصلا فى جميع الهيئات القضائية ولا يوجد أى سند قانونى لهذه المراكز، وما هى إلا سبوبة يستغل القائمون عليها جهل الكثيرين بالقانون بمنحهم كارنيهات وشهادات وألقاب لا قيمة لها على الإطلاق، وتستغل أسماء شهيرة لعدد من المستشارين والعاملين بالقضاء لإضفاء المصداقية على عملهم دون علم البعض منهم وأنا شخصيا علمت من بعض معارفى بوضع اسمى فى قائمة المحاضرين التابعة لأحد هذه المراكز الوهمية بعد رفضى لعرضهم بالإنضمام لقائمة المحاضرين بها وطبعا إتخذت الإجراءات القانونية ضدهم حتى لا يستغلون اسمى .. لكننى شعرت بصدمة كبيرة عندما علمت بوجود بعض القامات القضائية الكبيرة التى تحاضر فى هذه المراكز بمقابل مادى كبير .
وأضافت .. ظاهرة التحكيم فى مصر خرجت من مسارات متعددة بعضها ظهر على شكل شركات " توصية بسيطة" وبعضها الآخر على شكل منظمات نقابية تستطيع أن تنفذ من خلالها هذه المراكز الوهمية، وهى تختلف شكلا ومضمونا عن مراكز التحكيم الحقيقية التى نشأت فى مؤسسات كبرى وبالطرق القانونية مثل كليات الحقوق أو اتحاد المحامين العرب وهى دوائر قانونية مرموقة ومعروفة تمارس عملها بعد أن تتوافر بها شروط معينة، مثل نوعية المناهج التى يتم تدريسها والتى تكون معتمدة من وزارة التعليم العالي، كذلك المتقدمين للدورة يجب أن تتوافر بهم شروط عديدة، أولها أن يكون المتقدم قد مارس مهنة المحاماة لمدة لا تقل عن 30 عاما حتى يتم اعتماده لدى أحد المراكز التحكيمية الدولية سواء فى المحاماة أو القضاء لأن وزارة العدل أيضا لديها إدارة تختص بالتحكيم ويتم إدراج القضاة بها وفق شروط محددة، وبعد حصولهم على دورات متخصصة فى معهد الدراسات القضائية ويتم من خلالها إدراجهم كمحكمين لدى غرف التحكيم العربية والدولية مثل مركز القاهرة ومركز شرم الشيخ فى مصر وهى مراكز تم إنشاؤها وفق الإجراءات الدولية المعتمدة.
وأكدت الجبالى أن ما نعيشه حاليا من فوضى قانونية وتداخل التخصصات خاصة بين الوزارات التى تمارس اختصاصات غير منصوص عليها فى القانون، كانت سببا رئيسا فى ظهور هذه المراكز التى تحصل على تراخيص عملها سواء من وزارة التضامن أو الشئون الاجتماعية وهو يتشابه مع وزارة القوى العاملة والنقابات المستقلة فكل هذا جزء من الفوضى القانونية التى نعيشها حاليا، والقضاء على هذه المراكز الوهمية لن يتم إلا بالقانون، وقيام أجهزة الدولة الرقابية بدورها فى رصد ومراقبة مثل هذه النوعية من المراكز والعمل على الحد منها بالحظر القانونى أو بإتخاذ إجراءات عقابية، كذلك الإعلام عليه دور كبير فى عمل حملة إعلامية كبيرة لتسليط الضوء على هذه المراكز لتوعية الناس، وتحذيرهم من التعامل مع مثل هذه المراكز الوهمية .

محرر الأهرام العربي داخل المركز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.