شاهيناز العقباوى مع اقتراب موسم الزراعة الصيفية تلوح فى الأفق أزمة الأسمدة التى تبدو فى مصر على أنها مثل المرض العضال لا يمكن السيطرة عليه، مما يتطلب حلولا عاجلة وسريعة ومؤثرة، فمشاكل الأسمدة لا تنحصر فقط فى ارتفاع أسعارها وندرتها، هذا فضلا عما تتعرض له مصانعها من تهديد مستمر بنقص الغاز والعجز عن توفيره، الغريب أن مصر من البلدان المصدرة للأسمدة ولديها فائض، هذا فضلا عن أن صناعة الأسمدة من أقدم الصناعات المصرية، بدأت فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضى، وازدهرت وتوسعت لعدة أسباب، منها توافر مستلزمات إنتاج الأسمدة من الغاز الطبيعى والمواد الخام، وتوافر الأيدى العاملة فى هذا المجال. وكان للتوجهات الاقتصادية الداعمة للإنتاج الزراعى، فى حقبة الستينيات، دور فى دعم هذه الصناعة، حيث أنشئت فى تلك الفترة شركات عامة عديدة لإنتاج الأسمدة ومستلزمات الزراعة، واستمر دور القطاع العام فيها واضحاً، إلى أن عصفت موجة الخصخصة بشركات أساسية منتجة للأسمدة، خصوصاً بعد أن تم تحويل تبعية شركات (النصر – الكوك – كيما – الدلتا) من القطاع العام إلى قطاع الأعمال. بهذه الإجراءات، تم إفساح الطريق لسيطرة القطاع الخاص على السوق، وتحقيق مزيد من المكاسب لشركات القطاع الخاص استفاد القطاع الخاص من التغييرات الهيكلية فى قطاع الأسمدة، وزاد بشكل عام معدل الإنتاج فى عام 2013، ليصل إلى 16 مليون طن من الأسمدة الأزوتية والفوسفاتية، بينما كان معدل الإنتاج 10 ملايين طن فى عام 2000، ولم يتجاوز 8.3 ملايين طن فى عامى 1997و1998. وأدّت إجراءات التكيف الهيكلى والخصخصة إلى تراجع مساهمة شركات القطاع العام فى الإنتاج، لتصل إلى معدل 30% من معدلات الإنتاج الكلى. تنحصر أزمة صناعة الأسمدة فى مصر بشكل أساسي، بنقص المعروض من المنتج المحلى فى السوق، وعدم قدرته على تلبية معدلات الطلب المتعلقة بالنشاط الزراعي، على الرغم من أن معدل الطلب نحو 8.5 ملايين طن لا يتجاوز نصف ما ينتج سنوياً، الأمر الذى يرفع أسعار الأسمدة ويخلق سوقاً موازياً "السوق السوداء"، تباع فيها شكارة" السماد بثلاثة أضعاف سعرها، ويرجع نقص المعروض فى السوق إلى توجه شركات الأسمدة نحو التصدير إلى الخارج، لتبيع منتجها وفقاً للأسعار العالمية، مستفيدة من الميزات التصنيعية المحلية، المرتبطة بانخفاض أسعار الطاقة ورخص الأيدى العاملة، وتوافر مواد التصنيع، إضافة إلى الإعفاءات المندرجة تحت بنود حفز الاستثمار وتشجيعه، والمطبقة منذ عقد التسعينيات، إضافة إلى أن الدولة دعمت تلك المصانع، بتوفير الغاز الطبيعي، حيث كانت المصانع تدفع دولارين للمليون وحدة حرارية "وحدة قياس الغاز"، ثم ارتفعت إلى 3.5 دولارات، إلى أن وصلت إلى 5 دولارات. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى لمصانع الأسمدة، إلا أن هذا لا يلغى الميزة النوعية المتعلقة بسعره، حيث يظل هذا السعر أحد أسباب انخفاض تكلفة إنتاج الأسمدة فى مصر عن دولٍ كثيرة ولا يستخدم الغاز فى صناعة الأسمدة كوقود للمصانع والشركات فقط وليس مصدرا من مصادر الطاقة كمختلف الصناعات الأخرى، ولكنه يعتبر إحدى المواد المستخدمة فى تصنيع الأسمدة التى تعتبر من الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة، ويشكل الغاز الجزء الأكبر فى عملية إنتاج الأسمدة . تتبع شركات الأسمدة سياسة تعطيش السوق المحلي، لترفع الأسعار، وتزيد من أرباحها، بينما نجد الطرف الثالث للأزمة متمثلاً فى كبار موزعى الأسمدة من شركات القطاع الخاص والتجار الذين يرفعون مطالب متكررة حول رفع يد الدولة عن توزيع الأسمدة، مهاجمين ما تبقى من دور للجمعيات الزراعية التى توزع حصصاً محدودة من الأسمدة على الفلاحين، ينطلق هجوم القطاع الخاص والتجار على الجمعيات الزراعية، من أنها تحتكر توزيع الأسمدة، وتضر بمصالحهم. ويستثمر هؤلاء التجار الأزمة فى توسيع السوق السوداء ورفع أسعار الأسمدة، خصوصاً مع انتشار الفساد فى قطاع الزراعة ومؤسسات الدولة الزراعية المنوط بها توزيع حصص الفلاحين من الأسمدة، سواء كان بنك الائتمان الزراعي، أو الجمعيات الزراعية. يتعلل المدافعون عن سياسات تحرير أسعار مستلزمات الزراعة، بما فيها الأسمدة، بأنه يجب اتخاذ منهج التصدير، بدلاً من تلبية احتياجات قطاع الزراعة، ويدافعون عن التصدير بوصفه أمراً ضرورياً لتقليل الخلل القائم فى الميزان التجاري، وتوفير حاجة الدولة لعملة صعبة، وهى مبررات تندرج تحت ما سميت سياسة التصدير من أجل الاستيراد، والتى أبدلت زراعة المحاصيل الغذائية بزراعة الفواكه، لتصديرها واستيراد القمح، بدلاً من زراعته، وهو ما طبقته وزارة الزراعة فى فترات مضت. ويمكن القول إن قرارات تحرير أسعار الأسمدة فى مصر جزء من سياسات إعادة هيكلة القطاع الزراعى التى تنتمى إلى نهج اقتصادي، وتوجه سياسى يؤمن بأنه لا حاجة لدعم قطاعات الإنتاج، ويكفى الاهتمام باقتصاد الخدمات والقطاع العقاري، حيث تراهن هذه التوجهات على إنعاش الاقتصاد عن طريق دعم الاستثمار الأجنبى والقطاع الخاص، بوصفه قاطرة التنمية. فالإحصاءات تشير إلى أن الإنتاج المصرى من الأسمدة يبلغ 16 مليون طن فيما يبلغ الاستهلاك 8.5 مليون طن، بما يعنى أن هناك فائضاً قدره نحو 7 ملايين طن إضافة إلى أن الاستهلاك من الأسمدة الأزوتية الأكثر استخداماً فى مصر لا يتعدى 70% من الإنتاج وعلى الرغم من ذلك يبدو أن مشكلة الأسمدة صداع موسمى مصرى يعجز المسئولون عن إيجاد حلول له. أكد الدكتور بهاء صلاح بعرور بجامعة الأزهر، أنه فى البداية يجب أن نوضح أن الأرض الزراعية يلزمها ثلاثة أنواع من الأسمدة هى: الأزوتية والفوسفاتية والبوتاسية، ويعتبر المعدل المثالى للأراضى الزراعية المصرية لكل طن من الأسمدة الأزوتية 0.4 طن فوسفاتية و0.25 طن بوتاسيوم وأن إجمالى عدد الشركات المنتجة للأسمدة الأزوتية فى مصر 8 شركات، وعدد الشركات المنتجة للأسمدة الفوسفاتية 3 شركات، وتنحصر الشركات المنتجة للأسمدة فى مصر بين: شركة أبو قير للأسمدة، شركة النصر للكوك، شركة كيما أسوان، شركة بولى سيرف للأسمدة والكيماويات، مصانع أبو زعبل للأسمدة والمواد الكيماوية، شركة النصر للأسمدة والصناعات الكيماوية، شركة الدلتا للأسمدة، الشركة المالية والصناعية، الشركة المصرية للأسمدة - السويس، شركة السويس للأسمدة، وأخيرا شركة حلوان للأسمدة. وكشف عن أن نقص الأسمدة وارتفاع أسعارها إلى أكثر من 100% وعدم توافرها بغير السوق السوداء، مسلسل يتكرر بين عام وآخر، خصوصا موسم الزراعة الصيفية، وفجأة ودون مقدمات أو سابق إنذار تختفى الأسمدة من الأسواق ويرتفع سعرها، على الرغم من أن الإنتاج الكلى للأسمدة فى مصر يصل إلى 16 مليون طن، تستهلك الزراعة منها 8.5 مليون طن يطرح لها 7 ملايين طن من إجمالى الإنتاج ويصدر ال 9 ملايين الأخرى، إذن الفجوة تقترب من 1.5 مليون طن، المشكلة ليست فى الفجوة السمادية بين المطلوب والمتاح فقط، لكن فى سوء التوزيع والتهريب من جهات التوزيع إلى تجار السوق السوداء المستغلين للنقص الشديد وحاجة الفلاح القصوى لزراعته وإلا ضاع كل شيء وخسر من إنتاج محصوله ما بين 25 50% وقد تكون الخسارة أكثر من ذلك. وأوضح أن مشكلة نقص الأسمدة التى نشأت عن توجيه مصانع إنتاج الأسمدة لجزء كبير من إنتاجها إلى التصدير، علاوة على ما يقوم به التجار من خلق سوق سوداء وأساليب إيجاد أزمة فى الأسمدة أمر لا يمكن أن ننكر فيه دور العديد من الأطراف فى صناعة الأزمة وتفاقمها وزيادة حدتها وتكرارها العام بعد الآخر، وهى بنك التنمية والائتمان الزراعى والجمعيات التعاونية الزراعية والشركات المنتجة والتجار وأخيرا الحكومة، حيث إن بنك التنمية والائتمان الزراعى بجميع فروعه والجمعيات التعاونية الزراعية تسيطر على تجارة الأسمدة، حيث يسيطر البنك على 40% من إنتاج الأسمدة فى مصر ومثلها للتعاونيات والنسبة الباقية 20% للتجار. وعلى مدار الأعوام السابقة كان الخلاف بين بنك التنمية والائتمان الزراعى من جانب والجمعية المصرية لتجار وموزعى الأسمدة والشركات المنتجة، من جانب آخر حول أنصبة كل جانب من السوق المحلى. الاحتياطى الزراعى يقول المهندس محمد الخشن، رئيس الشعبة العامة للأسمدة إن مصر تنتج 16 مليون طن أسمدة من اليوريا والنترات تركيز 15.5% منها حوالى مليون طن نترات والباقى يوريا ويصدر من هذا الإنتاج 9 ملايين طن ويطرح 7 ملايين طن للسوق المحلى والاحتياطى الزراعى يتطلب توفير 8.5 مليون طن إذن هناك فجوة نحو 1.5 طن، وهذه الفجوة تستكمل من خلال الاستيراد من الخارج أم المصانع الموجودة فى المناطق الحرة بمصر وأن المشكلة الأساسية أن التركيبة الزراعية المصرية تغيرت عن ذى قبل، حيث كانت فى الماضى كلها 100% أرض قديمة، أما الآن فأصبحت الأراضى القديمة 60% والجديدة 40% ، وهذه الأخيرة لا يوجد لها مصدر للحصول على السماد سوى التجار الذين يستغلون احتياج الفلاحين ويرفعون الأسعار . ويرى ضرورة عودة التعاونيات الزراعية فى مختلف المناطق وقيامها بتسليم الأسمدة وتوزيعها وفق آليات وكشوف استلام مع وجود رقابة صارمة عليها . وأوضح أن تخفيض أحمال شركات الأسمدة من التغذية بالغاز الطبيعى أزمة حقيقية لا تهدد منتجى الأسمدة فى مصر فقط، لكن للأزمة أبعاداً أكثر خطورة تصل فى ذروتها لتهديد الأمن الغذائى المصرى، لأن انخفاض إنتاج الأسمدة يؤدى حتميا إلى انخفاض حجم الرقعة الزراعية وتدنى مستوى الإنتاج الزراعى، مما يهدد فعليا حجم إنتاج الغذاء المصرى ويهدد أمننا القومى. وقال إن الغاز يعتبر من المواد الخام التى تدخل فى صناعة الأسمدة بنسبة تتجاوز 60%، حيث يدخل فى صناعة الأمونيا اللأزمة لصناعة اليوريا، كما أن هناك مصانع وشركات أسمدة لا تستطيع توفير الغاز، فشركة السويس للسماد استطاعت إدارتها التعاقد على وحدتين لتصنيع سلفات النشادر فى مصر بدلا من استيراده من روسيا وأوكرانيا بلغت قيمتهما نحو 600 مليون جنيه، إلا أن نقص الغاز أسهم فى تعطلهما عن العمل حتى الآن، علاوة على أن شركة "الدلتا للأسمدة" متوقفة منذ فترة عن العمل بسبب نقص إمدادات الغاز وهو نفس الحال فى المصرية للأسمدة التى تعمل بطاقة إنتاجية قليلة، ومن المحتمل أن تتعرض للإغلاق لو استمرت بنفس الكميات القليلة من الغاز، وتضطر الشركات إلى إنتاج كميات قليلة من الأسمدة تتناسب مع كميات الغاز التى حصلت عليها، وهو ما يؤدى إلى اشتعال الأزمة. الأزمة مستمرة وقال أسامة الجحش نقيب الفلاحين: إن الأزمة مستمرة منذ فترة طويلة ولا يجب أن نحمل المسئولين الحاليين فشل الآخرين الممتد منذ سنوات حيث تحاول المصانع افتعال أزمة نقص فى الأسمدة من أجل استغلالها فى زيادة الأسعار، وهو ما يجب أن تتصدى له وزارة الزراعة فالمشكلة مزمنة وحلها فى إنشاء مصنع أسمدة باكتتاب شعبى بأسهم الفلاحين البالغ عددهم نحو 51 مليون فلاح. وطالب بحلول جادة لإنهاء أزمة الأسمدة خلال الموسم الزراعى الحالى وسد العجز فى الأسمدة المطلوبة، مع أهمية مراعاة مواعيد توريد التسليم بما يلائم الموسم الزراعى، ومواعيد التسميد مع الحرص على عدم رفع أسعار الأسمدة، خصوصا أن التجار والمصانع تطالب برفع أسعار الأسمدة الحكومية، وهذا ما لا يستطيع الفلاح تحمله. ونوه إلى إن الأزمة ستمتد ولا بديل أمام الحكومة إلا إيقاف كل صادرات شركات الأسمدة إلى الخارج مما يجعلها تجنى أرباحا خيالية تجعلها قادرة على توفير ما تحتاجه من غاز من السوق الدولية دون تحميل ميزانية الدولة أية تكاليف، كما أن الحكومة مطالبة بتقديم الغاز المدعوم فقط لشركات قطاع الأعمال العام وهذا مشروط بتوفير هذه الشركات احتياجات السوق المحلى بأسعار مناسبة لا ترهق المزارع. وأشار إلى أن الغاز يمثل نحو 65% من إنتاج الأسمدة، وتوفيره أدى إلى أن تعمل كل المصانع خلال الموسم الشتوى بلا توقف، لذا مر بلا مشاكل أسمدة حتى الآن، هذا فضلا عن أن قطاع الأسمدة لا يحتاج إلى الغاز الطبيعى كمصدر للطاقة، كما يتصور الكثيرون وكما هى الحال فى الصناعات الأخرى، لكن الغاز الطبيعى أحد المواد الخام اللازمة لتصنيع الأسمدة، لذلك فإن انخفاض معدل التغذية للمصانع بالغاز الطبيعى وتحويله لوقود لتشغيل صناعات أخرى يهدد الصناعة بالانهيار ويبشر بأزمة غذاء طاحنة. وأشار إلى أن مصانع الأسمدة التى تواجه حاليا نقصاً فى أحد المواد الخام اللازمة للإنتاج لا تستطيع العمل بكل طاقتها ولا الوفاء بالتزاماتها بشأن توريد حصة الأسمدة المتفق عليها لوزارة الزراعة فضلا عن العجز المتوقع فى معدل التصدير. ونوه إلى أن إمدادات الغاز كانت ضعيفة خلال الفترة الماضية، حيث كانت فترة انقطاع الغاز كثيرة، وهو ما أثر فى حجم ضخ الأسمدة فى السوق، لاسيما أنه بعد أن توافر الغاز بدأت عجلة ضخ الأسمدة فى العمل، ويمكن القول - والكلام يعود إليه - إن الحكومة دائما ما تتأخر فى التعامل مع مشكلة الأسمدة، مما يؤدى إلى حدوث أزمة تصبح فى حاجة إلى إجراءات سريعة سواء بزيادة الطاقة الإنتاجية لكل من المصانع المملوكة للدولة أو الكائنة بالمناطق الحرة والقطاع الخاص، وبوجود مخطط عام لتوعية المزارع وترشيد استخدام الأسمدة حتى لا تحدث هذه الأزمة.