الطيب الصادق فى الوقت الذى هوى فيه الجنيه المصرى أمام الدولار فى البنوك خلال الشهر الماضى بوتيرة سريعة سواء عن قصد البنك المركزى أم لا، سارع البنك المركزى المصرى باتخاذ قرار بفرض سقف للإيداعات الدولارية فى البنوك، مما أصاب السوق السوداء للعملة الصعبة فى مقتل، وقلل من الفارق بشكل كبير بين سعر الدولار فى السوق الرسمية والسوق الموازية، مما سيكون له أثر بالغ فى الحفاظ على قيمة الجنيه المصرى الذى تدهور كثيرا فى السنوات الأخيرة، ولو لاحظنا رحلة الجنيه المأساوية، بدأت منذ تعويمه فى حكومة عاطف عبيد ليدخل فى «حسبة برما» ولم يستطع الوقوف أمام جميع العملات الأجنبية بلا استثناء . قرار البنك المركزى الأخير بإلزام البنوك بعدم قبول إيداع بالدولار يزيد على 10 آلاف دولار كحد أقصى فى اليوم، و50 ألف دولار حدا أقصى شهرياً للأفراد أو الشركات يؤكد أنه عازم على القضاء على السوق السوداء بجميع الأشكال فى الوقت الذى طالب فيه الخبراء بضرورة وجود آليات لتفعيل القرار وسرعة العمل به للقضاء على السوق السوداء . هشام رامز، محافظ البنك المركزى، أكد أن هذا القرار لا يسرى على كل التعاملات، لكن يستهدف فى الأساس تحجيم السوق السوداء، خصوصًا فى ظل لجوء العديد من المستوردين للحصول على الدولار من السوق السوداء وإيداعه فى البنوك لقضاء احتياجاتهم، وهو ما يؤدى لارتفاع الطلب على الدولار فى السوق الموازية، مشيرا إلى أنه يتم استثناء المعاملات التى يفصح العميل عن مصدرها، من هذا القرار، فمثلًا فى حالة وجود أحد العاملين فى الخارج وبحوزته أكثر من 10 آلاف دولار يتم إثبات المبلغ فى أوراق رسمية أثناء دخوله من المطار، ويسمح له بالإيداع فى البنك طالما قدم الأوراق التى تثبت ذلك، كما أنه فى حالة أن أحد الفنادق السياحية يقدم خدمات تنتج عنها حصيلة دولارية كبيرة فلن يمنعه البنك من إيداعها طالما معروف مصدرها. وأكد أن القرار معمول به فى كل الدول على مستوى العالم وبحدود أقل من ذلك، وهو يهدف فى الأساس لتحديد تداول الدولار فى البنوك فقط، موضحًا أن القرار سيعمل خلال وقت قصير على تحجيم أو القضاء على السوق السوداء للدولار من خلال تقليل الطلب بشكل كبير، موضحا أن القرار يعمل أيضًا على محاربة غسيل الأموال وإجبار العاملين فى الخارج على استبدال أموالهم فى البنوك بدلًا من اللجوء للسوق الموازية، مشيرًا إلى أن المركزى يسمح بالفعل لشركات الصرافة ببيع الدولار أغلى ب5 قروش عن البنوك لتحقيق هامش ربح. ومن جانبه أكد هانى أبو الفتوح، رئيس شركة الراية للاستشارات المالية أن البنك المركزى اتخذ سلسلة من الإجراءات للقضاء على السوق السوداء، حيث بدأ بتخفيض سعر الجنيه المصرى للقضاء على السوق السوداء، وتنمية مصادر النقد الأجنبى من السياحة والصادرات وتحويلات العاملين فى الخارج، وتقليل العجز فى الميزان التجارى، ثم اتخذ قراره بوضع حد أقصى للإيداع النقدى بالدولار الأمريكى 10 آلاف دولار يوميًا من الأفراد والشركات، على أن يكون إجمالى الإيداعات الشهرية بحد أقصى 50 ألف دولار، وهو ما يسهم فى تقويض السوق السوداء ومحاصرتها والقضاء عليها. وأشار إلى ضرورة وجود آليات داخل البنوك لتنفيذ هذا القرار والمتابعة المستمرة لحدود الإيداعات النقدية مع فرض جزاءات إدارية ومالية على البنوك التى لا تلتزم بتنفيذ القرار بالدقة المطلوبة، محذرا من اتجاه الأفراد والشركات إلى فتح أكثر من حساب فى بنوك مختلفة لتفادى القيود الموضوعة على الإيداعات النقدية، موضحا أنه من دلائل نجاح الإجراءات الجديدة التى اتخذها البنك المركزى لضبط إيقاع سوق تداول العملات الأجنبية الهدوء فى تعاملات الدولار، حيث استقر الجنيه المصرى عند 7.53 جنيهات للدولار فى عطاء للبنك المركزى الأسبوع الماضى، ويتم التداول بسعر 763 قرشًا بكل من البنوك وشركات الصرافة. وكما كان متوقعا تكبد المضاربين على الدولار خسارة كبيرة وتزايدت أعداد العملاء الذين يقومون بالبيع الى شركات الصرافة والبنوك بعد انتهاء المضاربات على العملة ولتجنب المزيد من الخسائر، مشيرا إلى أن البنك المركزى مازال أمامه مزيد من الإجراءات للقضاء تماما على السوق السوداء فى تجارة العملة الأجنبية. بينما يرى الدكتور وليد الحداد، الخبير الاقتصادى، أن قرار البنك المركزى بعدم قبول إيداع بالدولار يزيد على 10 آلاف دولار كحد أقصى فى اليوم، و50 ألف دولار حدا أقصى شهرياً للأفراد أو الشركات يحمل جانبا إيجابيا وآخر سلبيا، خصوصا أن هناك عددا كبيرا ممن يتحايلون على القرار، وفى نفس الوقت لا يردع السوق السوداء حجم الإيداعات المسموح بها فى البنوك أو القرارات التى تصدر لأنها سوق غير قانونية، وتتخذ من الأساليب الملتوية ما تبعد به عن الأعين، لذلك قد يؤثر عليها القرار سلبا بعض الشيء لكنه لن يمنعها. وأشار إلى أن الحل الأمثل لمشكلة سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء نهائيا يتمثل فى اتخاذ التدابير لتقوية الاقتصاد، وجعله اقتصادا منتجا وليس اقتصادا ريعيا ليكون اقتصادا حقيقيا وليس اقتصادا خدميا فقط، واعتماد الجودة فى الإنتاج وفتح الأسواق الخارجية خصوصا الإفريقية وانتهاج سياسات استبدال الواردات وتشجيع الصادرات ومصر لديها مزايا نسبية فى بعض الصناعات مما يؤهلها لذلك، منها مثلا صناعة الأثاث وصناعة الملابس والمنسوجات والكيماويات والأسمنت والرخام والسيراميك وغيرها من الصناعات، التى تتميز بها مصر، كما يجب تأصيل بعض الصناعات وحل مشاكلها، مثل صناعات الوبريات والسجاد والأدوية والأجهزة المنزلية والكهربائية. وحول انتقاد المستوردين للقرار، يؤكد د. الحداد أن المستوردين لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية أولا، برغم أنه لا توجد إستراتيجية أو رؤية لترشيد الاستيراد، وهناك تخبط فى كيفية اتخاذ القرارات كان من المفترض أن يقوم البنك المركزى بإشراك أصحاب المصلحة فى القرارات حتى يشتركوا فى تكوين رؤية موحدة لتعم الفائدة على الجميع، كما أن البنك المركزى لم يفرق بين الشركات التى لديها حجم تعاملات كبير، خصوصا أن مبلغ 50 ألف دولار شهريا لا يكفى الغرامات التى تتحملها شركة ملاحة واحدة.