سهير عبد الحميد برغم تقدمه فى السن كان ذهنه حاضرا بما يكفى كى يتذكر تفاصيل التفاصيل عن علاقته بالعبث وعمله من خلال اللجنة الثقافية بالحزب، التى كانت تضم خمسة أشخاص لم يعرف غيرهم فى إطار علاقته بالبعث بحكم طبيعة العمل السرى للحزب الذى لم يكن له وجود فى الشارع كما يقول المفكر الكبير سليمان فياض. لم أعرف من أعضاء البعث سوى خمسة أشخاص، كانوا أعضاء معى فى اللجنة الثقافية هم: أنا وجلال أمين وفاروق شوشة ود. على مختار وحسن يسر ملحقنا الثقافى فى باريس، وكانت اللجنة مسئولة عن إصدار بيانات لتقييم وضع البعث فى مصر وسوريا وعلاقة الفكر الاشتراكى بالدول الشيوعية والرأسمالية. ولم أكن أعرف غيرهم، وهو ما يتطلبه العمل السرى، حتى إنه كان معى فى لجنة الإشراف على هيئة التحرير المكونة من 5 أعضاء صلاح دسوقى والقاضى محمد غزالة الذى كان عضوا معنا فى البعث ولم نكن نعرف نظرا لطبيعة العمل السرى. أين كانت تتم لقاءاتكم؟ كنا نلتقى فى منزل فاروق شوشة بالعباسية، وكنا نلتقى أيضا فى منزل والد جلال أمين بالدقى، وكان جلال أكثرنا ثقافة بحكم اطلاعه على كتب والده وما حملته من فكر قومى، وكان كثيرا ما يعزف لنا على البيانو مقطوعات الموسيقى العالمية خصوصا لبيتهوفن.. وعلى مختار كان عضوا بارزا وضالعا فى الصحافة، وكان يتولى نشر الموضوعات الصحفية فى جرائد غير مصرية. ما صلتكم بالنظام آنذاك؟ عبد الناصر كان يعرف كل التفاصيل عن وجود حزب البعث فى مصر. وأذكر أن ميشيل عفلق ذات مرة جاءنا فجأة وطلب لقاءنا فى فندق أبى الهول، لأنه يريد لقاء عبدالناصر فقد طلب أكثر من مرة لقاء عبد الحكيم عامر عندما كان نائبا لناصر فى سوريا، لكن عامر لم يلتقه، فأراد لقاء الرئيس لإطلاعه على توتر الأوضاع فى سوريا، ورفض المجتمع السورى طريقة الإدارة المصرية، وشكا تبرم رجال الأحزاب فى سوريا الذين ركنهم الحكم المصرى لسوريا على الرف. . فلما جاء عفلق إلى مصر طلب منا تدبير لقاء مع الرئيس فاتصلنا بأحمد بهاء الدين بوصفه أحد كتاب خطابات الرئيس فقام بتدبير اللقاء. إلا أن ناصر لم يوافق على أى من طلبات عفلق فجاء إلينا وقال إنه "مفيش فايدة"، وعاد إلى سوريا وبعدها بأيام حدث الانقلاب على الحكم المصرى، وعاد الجيش المصرى بأوامر عبد الناصر حتى لا يشتبك مع الشعب السورى. لقد فشلت الوحدة لأن نظام الطوائف فى سوريا كان مختلفا عن نظام العائلة الحاكمة الذى اعتدناه فى مصر منذ عهد الفراعنة ومصر طوال فترات تاريخها كان للجيش دور، وهو ما جعل مصر تحتفظ على مر التاريخ بتلك الرقعة المستديمة على الخريطة. كما أن التراث الفكرى فى البلدين مختلف، حتى إن شكرى القوتلى ربت على كتف ناصر عندما ذهب بعد الوحدة إلى سوريا وقال له: " أنت لن تحكم مجرد شعب بل حكمت شعبا يعتقد أنه نصف إله ". إلى أى مدى تواجد حزب البعث فى الشارع المصرى؟ لم يكن للبعث وجود فى الواقع الاجتماعى، كان هناك اتجاه قومى غذاه عبدالناصر لكن البعث ظل يعمل فى مصر من خلال مجموعة مغلقة، وكانت المنشورات السرية تأتينا من الحزب فى سوريا، وحتى نحن الخمسة بعد الوحدة وحل البعث انصرف كل منا إلى طريقه وحياته العملية والمهنية، وميشيل عفلق ترك سوريا وبقى فى العراق واستقر فى مقر القيادة القومية بعيدا عن الأضواء، لأنه يعى تماما أن صدام يقتل كل من يخالفه، طلب منى رجاء النقاش كتابة مقال عن البعث. ولما قرأه صدام حسين، أمر بكتابته على الآلة الكاتبة وتوزيعه على أعضاء مجلس قيادة الثورة، كتبت فى المقال عن عفلق وأحلامه عن الوحدة العربية ومعارضة المصريين لهذه الوحدة، لأن حيثياتها لم تتم بعد حيث لا يوجد عمل مشترك من الأساس يرسخ لتلك الوحدة. وقد التقيت صدام فى دجلة وكان معنا سامى خشبة قبل أن يتولى صدام الرئاسة وكان شخصية نشيطة ومؤمن بالقومية العربية. كيف ترى ميشيل عفلق كسياسى وقومى عروبى؟ ميشيل عفلق كان شاعرا وقاصا وكان يحب رواية الزمن الضائع ل"بروست"، وكان فكره قوميا ووضع فكر البعث ولكن على أساس القومية الإيطالية التى قادها فى القرن ال19 كان يريد إحياء القومية العربية كما فعلت إيطاليا. وتناسى أننا لم نعد فى عصر القوميات وأنها موجودة فقط كشعار وتاريخ، لكنها انتهت كسياسة وأنه قد بدأت مرحلة جديدة من النظريات الاشتراكية والرأسمالية وغيرها. وأتذكر أننى تناقشت معه أثناء زيارة لى إلى القدس، وكنت وقتذاك أقوم بالتدريس فى الأردن وذهبت للقائه فى حى المهاجرين. كان ذلك قبل الوحدة مع مصر، حتى إنه سألنى هل استأذنت البعثيين فى مصر قبل طلب لقائى، وذهبت إليه فإذا معه قيادات البعث وكأنه ينتظر لقاء رجل خطير. وناقشته فى المبالغات الفكرية التى ينتهجها والشعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، فكل الأمم لها رسالة خالدة «إشمعنى» حزب البعث، وقلت إن الرؤية الاشتراكية لحزبه رومانسية تقوم على الفكر النظرى أكثر من الواقعى. ولم يناقشنى أحد، بل أخذ الجميع يحملق بى فقد كانت لعفلق هيبة شديدة ولم يكن يستطيع أحد لقاءه لأكثر من نصف ساعة لكنى استشعرت أنه أعجب بجرأتى . حركة «القوميون العرب» فى سطور تأسست فى لبنان فى أعقاب نكبة فلسطين من طلبة الجامعات الذى ينتمى معظمهم إلى الطبقة المتوسطة وذلك كترجمة لأفكار القومية العربية التى برزت آنذاك فى لبنان، وكان معظمها من المسيحيين العرب أمثال الريحانى والفاخورى والعريسى وعازورى. وفى عام 1919 تشكلت جمعية العروة الوثقى التى اقتصرت أنشطتها على النواحى الثقافية، وفى الثلاثينيات نشط الطلاب القوميون العرب فى تحركات طلابية وتطوعوا لنصرة العراق ضد بريطانيا 1941. وفى أعقاب حرب فلسطين تأسست حركة «القوميون العرب» على يد مجموعة كبيرة من الطلاب، كان أبرزهم جورج حبش وأحمد الخطيب وهانى الهندى وكان شعارها الوحدة والتحرر والثأر، والثأر كان المقصود به الثأر من الصهيونية. وكان من أبرز قيادات الحركة محسن إبرايهم "لبنان" أحمد اليمانى "فلسطين " نايف حواتمة "الأردن " قحطان الشعبى " أول رئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية ". وفى عام 949 تشكلت كتائب الفداء العربى فى بيروت من اتحاد مجموعات فدائية شابة قادها فى بيروت جورج حبش وهانى الهندى والمجموعة السورية، كانت تضم جهاد ضاحى ومعظم أعضائها من طلاب الجامعة السورية والمجموعة المصرية قادها فدائيان مصريان هما: حسن توفيق ابن وكيل وزارة الدفاع المصرية وعبد القادر عامر حفيد أحمد عرابى، وكانت تضم فدائيين مصريين وعددا من الشبان الفلسطينيينوالعراقيين والسوريين. ومعروف أن حسن توفيق قام باغتيال أمين عثمان، وزير المالية فى حكومة الوفد .