سهير عبد الحميد «يا عروبة مين حماكى غير البعث الاشتراكى «هذا الهتاف أشهر هتافات الطلاب البعثيين فى الجامعة، مازالت د. شهيدة الباز مدير مركز البحوث العربية والإفريقية سابقا وخبيرة المجتمع المدنى، تتذكره جيدا. .يعيش فى وجدانها ويذكرها بمرحلة من أحلى المراحل فى حياتها. مرحلة ملؤها الحماسة واليقين والإيمان بالفكرة والتفاؤل بالغد والتيقن من القدرة على ترجمة الأحلام إلى واقع معاش. بين الصور والذكريات التقيتها وهى تروى الحكاية قائلة: تعرفت على حزب البعث من خلال بعض الزملاء العرب فى الجامعة، ومنهم زميلى الأردنى شاهر الطالب.. وتحمست للفكرة، كانت براقة للغاية واندفعت الحماسة إلى عروقى لأننى رأيتها مصدر قوة ونحن نجابه الاستعمار. .وتعرفت إلى الزملاء المصريين فى الحزب، ومنهم جيل كان يسبقنا فى السن وفى مقدمتهم جلال أمين وعلى مختار ومحمد غنيم ود. أحمد فؤاد سيف النصر. كانت العلاقات بيننا جميلة للغاية، وكنا مترابطين ومتفقين فى الرؤية السياسية وطبعا أسماؤنا جميعا كانت لدى الأمن وكنا نشعر بأننا مراقبون. وهل سبب ذلك لك المشاكل؟ حاولوا منعى من السفر إلى لبنان ذات مرة وتدخل والدى ولجأ إلى بعض المعارف كى أتمكن من السفر. وماذا كان عن موقف والدك من الانضمام إلى حزب البعث؟ أبى كان متفتحا للغاية وكان يمتلك إحساسا وطنيا، وكنت أحكى له عن المناقشات التى تدور بينى وبين زملائى البعثيين. لم يعترض إلا عندما كلمنى أحد الزملاء فى المنزل ليخبرنى بموعد أحد الاجتماعات. كان والدى معترضا على فكرة أن أشارك فى اجتماعات فى أماكن لا يعرفها، فقررت أن أنقل الاجتماعات إلى منزلنا وقد كان. وهناك شخصيات مهمة جاءت إلى منزلنا، وكان والدى يشاركنا تلك الجلسات منهم على مختار وقد كان شخصية متفردة ولا مثيل له كان يتحدث دائما بالمنطق وذا عقلية جبارة وكان يحترم المرأة إلى أقصى مدى. كما كان يشاركنا الاجتماعات شاهر الطالب ومسلم العابد وهما أردنيان والشاعر يوسف الخطيب وزوجته بهاء الريس وشقيقتها أروى الريس. وقد اطمأن والدى، لأن العلاقات بيننا كانت غاية فى الرقى والإنسانية. هل ضم العبث فتيات مصريات غيرك؟ لم يكن عدد المصريات داخل الحزب كبيرا بصفة عامة، ومن الفتيات تحديدا كانت الدكتورة عواطف عبد الرحمن لكنها فضلت الانسحاب للانضمام للحزب الشيوعى. ما الأنشطة التى كنت تشاركين فيها؟ كنا نعقد اجتماعات صغيرة، ونشارك فى مظاهرات كبيرة جدا، وكنا نخرج فى التظاهرات مع القوميين العرب والشيوعيين للمطالبة بالتحرر من الاستعمار وتحقيق الوحدة العربية وكثيرا ما كنا نتشاحن مع القوميين العرب، لأنهم ينتمون إلى طبقة الأغنياء ولم تكن تعنيهم فكرة الاشتراكية. كنا نلتقى معهم فقط فى مسألة القومية العربية وعلى العكس من ذلك كان الشيوعيون الذين يرفضون فكرة القومية. وكنا نشعر بأن القوميين العرب متكبرون كما كانوا يتسمون بقدر من العنف وهو ما تعكسه شعاراتهم « دم. حديد. نار. .وحدة تحرر ثأر». وأذكر أننى ذهبت مع الزملاء البعثيين فى رحلة إلى القناطر بصحبة الأستاذ عفلق. وكنت كثيرا ما أصحب الأستاذ وزوجته فى نزهاتهما داخل القاهرة، فقد كان عفلق الذى تزوج فى سن كبيرة شديد الخجل، لدرجة أنه يخجل من الخروج مع زوجته بمفردهما فكان يمر بى ويأخذنى معهما. وقد ظلت علاقاتى بزملائى البعثيين قوية حتى بعد أن حل ناصر الحزب. هل أغضبكم هذا القرار ؟ للغاية وكنت غاضبة من عبد الناصر، وكنا نتشاحن أنا ووالدى لهذا السبب كثيرا لكن حدة هذا الغضب تلاشت مع الأيام ومع تنامى قدرتى على التحليل، أدركت أن تصرفات عبد الناصر كانت محكومة بالمعرفة السياسية وقتها. كما أنه لا يمكن أن أتجاهل أنه كان وطنيا مهتما بفكرة العدالة الاجتماعية ومناضلا من أجل التحرير. لكن نقطة خلافى معه تظل أنه لم يكن ديمقراطيا، فقد كنا مثلا فى الجامعة تحت الميكروسكوب والأمن يضعنا تحت الرقابة برغم أن عبد الناصر كان يدعو للفكرة نفسها فإنه كان يحب استخدامها وفى الوقت نفسه لا يدع أحدا يزعجه أو يعارضه، كما أننى تراجعت فيما بعد عن الفكرة البعثية عندما ذهبت إلى بغداد، لأنى اكتشفت أن هناك قضايا فى حزب البعث غير واضحة، فقد كان الحس العاطفى فيها مبالغا فيه بينما خلا من حلول فكرية. ما حدود علاقاتك بالرئيس العراقى صدام حسين ؟ كان صدام حسين زميلى فى الكلية وقد نشرت لنا معا بعض تلك الصور فى شوارع بغداد وكانت صديقاتى هناك يقلن لى "يا بختك " فقلت لهم إنها صور لنا أثناء الدراسة وكان مجرد طالب، وقد دعيت فى أواخر السبعينيات إلى مؤتمر ببغداد وكان صدام آنذاك نائبا للرئيس وقد فوجئت به يرسل إلى للقائه، وقد التقيت به وفوجئت به يطلب منى البقاء فى العراق فرفضت لأن لى التزاماتى العديدة فى مصر . وقد أخبرته أن العراق بها مشروعات تنمية كبيرة اعتمادا على مواردها الذاتية لكنها تحتاج إلى المزيد من الديمقراطية . وقد كانت لى علاقات من خلال زوجى الجنوب أفريقى بحركات التحرر الأفريقية، وقد كانت الدول الغربية تتصارع سياسيا على جذبها لتحقيق مصالح خاصة بالطبع، وقد طلبت منى إحدى تلك الحركات التدخل لدى حكومة العراق لتوفير الدعم لها بعيدا عن الدول الأوروبية، فتحدثت إلى السيد ميشيل عفلق وقد تدخل بالفعل لدى الحكومة العراقية التى قامت بمساعدة الحركة بالدعم المادى والتدريب العسكرى وظلت كذلك حتى قامت الحرب العراقية الإيراينة فاعتذرت العراق عن مواصلة تقديم الدعم . ولكن علاقتى تلك بالعراق وبصدام لم تكن من منطلق أننى بعثية لأننى كنت تركت الحزب بمجرد حله فى مصر ولكننى ظللت مؤمنة بالقومية العربية وما زلت. وقد شعرت بالحزن الشديد عند إعدامه على يد الأمريكان وتعجبت من ردود فعل البعض التى رحبت بموته، فكيف نفرح وقد قتل بأيد أمريكية، والأمريكان الذين جاءوا بزعم الديمقراطية هم من قاموا بتقطيع أوصال العراق إربا ويحاولون تكرارا المسألة فى سوريا ومصر .