سهير عبد الحميد د.محمد غنيم، أحد أمهر جراحى المسالك البولية والكلى فى العالم وصاحب أول جراحة نقل كليه فى مصر 1976. ومؤسس مركز غنيم الأشهر فى هذا المجال والأول من نوعه فى مصر والشرق الأوسط، والذى أضحى أحد معالم المنصورة، هو أحد الطلبة الذين شكلوا الرعيل الأول فى حزب البعث. وهو أمر قد يمثل مفاجأة لمن لا يعلم أن الطبيب الماهر والجراح المتميز، هو فى الوقت نفسه مفكر وسياسى بارز وأحد مؤسسى الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى. كيف كانت البداية ؟ تعرفت إلى د. على مختار من خلال نشاطنا فى فرقة الجوالة وأخذنا الحديث فى السياسة إلى النقاش حول الحزب الوليد الذى جاء مواكبة للمد القومى فى أعقاب العدوان الثلاثى على مصر وفكرة الاشتراكية المطروحة على الساحة بقوة وحركات التحرر فى أجزاء متباينة من الوطن العربى، ومن هنا جاء شعار الحزب "وحدة .. حرية .. اشتراكية " . كانت الفكرة تبدو براقة ومنطقية وجاذبة .. فوجود حزب ذى قيادة قطرية تتبعها أفرع فى شتى الدول العربية تمهيدا لإقامة وحدة عربية تقوم على الأسس الثلاثة التى جسدها شعار الحزب والتى كان يروج لها بقوة الخطيب المفوه للبعث أكرم حورانى. ود. على مختار كان طالبا ذكيا ونشيطا للغاية فاقتنعت بالانضمام للبعث الذى ضم إلى جانب الطلبة المصريين عددا من الطلبة العرب . ما الدور الذى كنت تقوم به تحديدا فى الحزب؟ كنت أحضر الاجتماعات الدورية التى كانت تنعقد لمناقشة أفكار الحزب ومبادئ الاشتراكية ونناقش مختلف الكتب عن الماركسية والقومية . وكان د. جلال أمين كمسئول عن الحزب حيث تخرج فى كلية الحقوق قبلنا، مثقفا للغاية، وكان قد ورث عن والده مكتبة ضخمة وثرية وكنا ننهل منها عندما نلتقى فى منزله بالدقى. وكان د. جلال يحاضرنا حول أفكار السياسة والاقتصاد ويشرح لنا نظريات المادية التاريخية وفاقد القيمة وغيرها بشكل أثرى معارفنا فى تلك المرحلة المبكرة ..فقد كانت مرحلة ثرية للغاية بالنسبة لنا تعلمنا خلال حب الاطلاع والقراءة والنقاش وتبادل الأفكار وتقبل الآخر . كما أذكر أننا اجتمعنا فى منزل د. على مختار بالجيزة عندما زار عفلق مصر، وفى البدروم وضعنا عددا من المقاعد نحو 50 مقعدا. وعقدنا الاجتماع . وكنت أعمل فى منطقتى الجيزة والدقى على إقناع أكبر عدد بالانضمام إلى الحزب . هل كانت هناك شروط أو التزامات تفرض على من ينضمون للحزب ؟ على الإطلاق، كان الانضمام للحزب يعنى التزاما أدبيا واقتناعا بأفكار البعث ومحاولة نشرها لتأكيد الفكرة الرئيسية "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ". وأذكر أننا كنا مجموعة كبيرة من الطلبة منهم د. صالح زكى وهو من كبار الأطباء الشرعيين ويعيش فى الولاياتالمتحدة حاليا، وهو بالمناسبة شقيق الفنان أحمد زكى . وهناك الدكتور أحمد كامل شقير ويعيش فى كندا. وما أهم الأنشظة التى قمتم بها فى سبيل نشر أفكار الحزب ؟ لقد طلب منى أثناء رحلة الجوالة إلى سوريا إجراء حوار مع ميشيل عفلق، وعندما ذهبت إلى سوريا لم أكن أعرف طريق منزله، لكن كان كافيا أن تطلب من أى سائق أجرة أن يقلك إلى منزل عفلق الذى كان علامة بارزة فى سوريا، وعندما وصلت فتحت لى الباب سيدة عجوز وهى التى قدمت لى القهوة وعلمت بعدها أنها والدة السيد عفلق .. وكان من قمة التواضع أن تقدم لى فنجان القهوة وأنا مجرد طالب صغير . اندهشت بالفعل لكنى عدت لأجد ذلك منطقيا بالنسبة لحياة رجل عاش بسيطا للغاية وعفيفا لدرجة أنه كان يسكن فى مساكن شعبية وكنت أشعر أنه صوفى النزعة ..وكان الرجل هادئا وينتقى كلماته بعناية لتأتى غاية فى الدقة وسليمة لغويا وكانت له لازمة وهو يتحدث "يعنى" وأذكر أن الأستاذ هيكل سخر منها فى إحدى المرات على صفحات الأهرام قائلا: "بيقول يعنى وهو لا يعنى". وفى الواقع أنا أكن كل تقدير لميشيل عفلق. وأين نشر حوارك مع عفلق ؟ عندما عدت إلى القاهرة قام جلال أمين بمراجعة الأسئلة والإجابات ونقحها على مختار . وضمناه كتابا صغيرا عنوانه "وحدة عربية اشتراكية " وطبعناه على حسابنا ووزعه الحاج مدبولى، وكان متحمسا للغاية للكتاب وكان يبيعه آنذلك بثلاثة قروش، وقرر أن يعطينا قرش صاغ عن كل كتاب ونفدت كل النسخ فى ذلك الوقت. وبعدها بسنوات حاولت العثور على نسخة فلم أجد وطلبت ذلك من د. جلال ولم يجد أيضا . للأسف فى مرحلة الشباب لم ندرك أهمية توثيق تلك المرحلة . وما كان رد فعلك عندما تقرر حل الأحزاب بعد الوحدة؟ لقد تذمرت للغاية من الأمر، وكانت معى مجموعة أخرى من الطلبة وعقدنا عددا من الاجتماعات وأجرينا حلقات نقاش عديدة لكن انتهى الأمر للا شىء بعد أن أصرت القيادة فى مصر وسوريا على حل الحزب .كما أن وصول البعث إلى الحكم فى سوريا والعراق عن طريق انقلابات عسكرية، تغلبت معه المصالح الشخصية على الفكرة القومية وانتهى الحلم. كطالب نشط سياسيا سابقا ومفكر حاليا.. ما الذى يمكن أن تقوله للشباب المصرى؟ أرجو من الشباب أن يولى القراءة اهتمامه، فهذه المرحلة فارقة فى حياته ومستقبل الوطن، وعليه أن يشارك وينضم إلى الأحزاب أو يشكل أحزابه الخاصة ويضع برامجه، فلابد للشباب أن يكون له دور فى المجتمع وعليه أن يخلق هذا الدور.