سهير عبد الحميد «البعث» كانت كلمة السر التى جمعتها به فى لقاء استمر لسنوات طوال، كان فيه الزوج والرفيق والحبيب والصديق، تذكرت لقاءاتهما الأولى وفكرة القومية والعروبة التى ألفت بينهما، تلك الفكرة التى بثها فى نفسها، والدها الذى كان منتميا لحزب النداء الوطنى اللبنانى، ودفعت ثمنها حين شاركت فى مظاهرات الجامعة الأمريكية ببيروت ضد «حلف بغداد» فتم رفدتها هى وزملاؤها، وقرر عبدالناصر استقبال كل أولئك الطلبة فى مصر لاستكمال دراستهم، ما زالت عيناها تدمعان كلما تذكرت تلك الأيام وهى تبدى شعور بالامتنان للزعيم الراحل لم يخب ولم يفتر. هى المخرجة التسجيلية المتميزة نبيهة لطفى، التى جاءت من جبال لبنان إلى مصر لتصبح خبيرة بشوارعها وحواريها وريفها، تسجل بالكاميرا هموم الفلاحين والنساء فى أغوار الصعيد. وهو الدكتور على مختار، طليعة البعثيين المصريين، والمفكر الذى وهب حياته للفكرة. السياسة جمعت بينهما وتلاقت أفكارهما حول العروبة والقومية والفكرة البراقة. فكرة تأسيس حزب عربى واحد تكون له أفرع مختلفة فى شتى أنحاء العالم العربى . تقول نبيهة لطفى: عندما كنت صغيرة كنت مهتمة بالحزب القومى السورى، وكان ذلك يغضب والدى لأنه كان مؤمنا بالفكرة الأم وهى فكرة العروبة، وقد وجدتها بالفعل سياجا للأمن العربى ومواجهة الاستعمار. وعندما جئت إلى القاهرة 1955بعد طردى وزملائى من الجامعة الأمريكية عقابا لنا على قيامنا بمظاهرات ضد حلف بغداد، فتح لنا عبدالناصر أبواب الجامعة، وهو ما لا يمكن أن أنساه، وهو من مواقف ناصر الوطنية المشرفة، تعرفت على أفكار البعث وآمنت بها وتعرفت إلى على مختار ..كان شخصا متميزا فى كل شىء، خفيف الظل عقلانيا للغاية وكان متيما بالقومية العربية، وتعرفت كذلك على جلال أمين، الذى مازال حتى الآن مخلصا للفكرة، وكذلك طارق البشرى الذى أذكر جيدا أنه رفض الانضمام للحزب، لأنه كان يرفض الانتماء إلى تنظيم ما. ومن خلال الحزب تعرفت إلى شهيدة الباز، وهى أول صديقة لى فى مصر. وكنا نحضر معا جلسات تعرف بالحلقة، وكانت تحاضرنا فيها بعض الشخصيات ومنهم شاكر الفحام. تمثلت مشاركتى فى الحزب فى حضور جلستين كان على مختار قام بعقدهما فى منزل أسرته بالجيزة، وكانت بحضور الأستاذ ميشيل عفلق، وكانت مهمتى تسجيل تفاصيل الجلسة أنا وصديقتى الشاعرة الفلسطينية مى صاير والتي أضحت فيما بعد نائب رئيس اتحاد المرأة الفلسطينية لم أنضم للحزب بشكل رسمي، فقد انشغلت بعالم السينما، لكن وجودى بالقرب من البعثيين جعلنى وقتها تحت الميكروسكوب، وأذكر فى إحدى المرات كنت فى طريقى لمنزل شهيدة الباز فإذا برجل يرافقنى كظلى، فعندما وصلت منزل شهيدة أخبرتها وأنا غاضبة أن هناك من يضايقنى ويقوم بمعاكستى، فضحكت وقالت إن الرجل نفسه كان يغازل صديقنا أحمد بالأمس، وكانت تقصد أنه لم يكن يغازلنى بل يراقبنى. وهذه مشكلة نظام عبد الناصر فرغم أنه كان وطنيا ومناضلا ومؤمنا بفكرة العروبة إلا أنه كان ضد فكرة التعددية . وحزب البعث على النقيض من ذلك كان ديمقراطيا، وهو الذى تصدى للشيشكلى وأرى أن البعث تم تشويهه من المخابرات السورية فيما بعد. تتنهد نبيهة لطفى وهى تتذكر مشهد القبض على زوجها، وكيف أسرعت إلى تمزيق كل الصور التى تجمعه بالأستاذ عفلق وبزملائه البعثيين حتى لا تكون قرينة ضده فيما بعد، وعندما خرج من السجن غضب للغاية حزنا على وثائق تاريخية تم تدميرها، لكنه تفهم فى نهاية الأمر قلق الزوجة التى خشيت على زوجها من غياهب السجون.