منذ غزا العراق بقيادة "صدام حسين" الكويت في أغسطس 1990. وما ترتب علي الغزو وما تلاه من أحداث. منذئذ ويتردد في الغرب بعامة. وفي الولاياتالمتحدة بخاصة. في الصحف والمنتديات ومراكز الأبحاث. أن القومية العربية قد مانت!. ولعل أول من عزف هذا النشاز هو الكاتب الأمريكي ذو الأصل اللبناني المدعو "فؤاد عجمي" وكانت لهذه الدعوة الغربية الغريبة أصداء مختلفة في أكثر من بلد عربي. خرج من رددها بشكل ببغاوي ورقص علي نغماتها. كما كان هناك من انتقدها. من الفريق الأول. كتب "حازم صاغية" عددا من الكتب. أذكر منها: "وداع العروبة" و"تصدع المشرق العربي" و"قوميو المشرق العربي". و"بعث العراق". واشترك معه في الكتاب الثاني الكاتب التونسي "صالح بشير". وردا علي ذلك. كتب فيصل جلول "دفاعا عن السلام العربي". وكتب بلال الحسن "ثقافة الاستسلام". لا أذكر أن مصريين اشتركوا في هذا السجال. سوي أن الأستاذ الدكتور حسن نافعة أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة كتب ردا عميقا وموضوعيا علي مقولات "فؤاد عجمي". نُشر الرد في مجلة "المستقبل العربي" الرصينة التي تصدر في بيروت عن "مركز دراسات الوحدة العربية" وربما تكون هناك ندوات علمية مصرية تعرضت لهذه القضية. لا أتذكر هذا تحديدا. ولكني أتذكر جيدا أنه لم يخرج علينا سياسي أو كاتب مصري مرموق ليهاجم الدعوة القومية العربية. منذ تسعينيات القرن الماضي إلي اليوم. وأخيرا. ومنذ أيام. وتحديدا يوم الاثنين الماضي. نسبت صحيفة "المصري اليوم" إلي السيد حسن مالك قوله: "إن الذي كان ينادي بالقومية العربية وغيرها واهم. لأنه كان ينتظر شيئا سيسقط علينا من السماء". والسيد مالك. كما هو معروف للكافة. قيادي بجماعة الإخوان المسلمين. ومن رجال الأعمال المقربين والمحسوبين علي السيد الرئيس الدكتور محمد مرسي. وأضافت الصحيفة أن الرجل قال أيضا ساخرا: "إن عبدالحليم حافظ كان يقول: إن لاقاكم حبيبي سلمولي عليه. دون أن يبذل مجهودا في البحث عن حبيبه بنفسه"!. قيل هذا في حملة "انفع غيرك" بكلية طب قصر العيني. العبارة ككل يطغي عليها الغموض والاضطراب. ربما يرجع هذا إلي أن قائلها لم يعرف عنه اهتمام بالفكر ولا خبرة أو دراية بالعمل القومي الذي يرمقي من كان "ينادي" به بأنه "واهم". فما مصدر هذا الوهم؟ و"من" المقصود تحديدا بوصف أنه "واهم". وهل الوهم يمتد إلي العمل القومي نفسه أم أنه قاصر فقط علي من كان ينادي به؟ وماذا عمن لايزالون ينادون. وهم كثر والحمد لله. البنا يرد علي مالك في حدود علمي. أن ما قاله السيد حسن مالك - إن كان قد قاله - يخرج عن أفكار جماعة الإخوان المسلمين كما نسجها مؤسس الجماعة ومرشدها الأول الشيخ حسن البنا. وهو ما لم يرفضه أو يناقضه أي كاتب من كتاب الجماعة. منذ نشأتها إلي اليوم. صحيح أن الجماعة ليست تنظيما قوميا. والأدق أنها تنظيم عابر للقوميات.. صحيح أنها انتقدت الدعوة القومي العربية. ولكنها لم تنقضها ولم ترفضها بشكل كلي ولم تعتبرها يوما ضربا من الأوهام. في كتابه "الفكر السياسي للإمام حسن البنا". يقرر الدكتور إبراهيم البيومي غانم أنه في سياق تحديد حقوق البلاد العربية والمطالبة بها. عبر البنا عن إدراكه الكامل للارتباط الوثيق بين أمن وادي النيل "مصر والسودان" وأمن تلك البلاد من ناحية. كما عبر عن وعيه بالدور القيادي الذي يقع علي مصر عبء القيام به في محيطها العربي من ناحية أخري. وقد نص علي ذلك في "عريضة الإخوان المسلمين" إلي الملك فاروق في يونيه 1945 بقوله: "يا صاحب الجلالة: بما أن مصر قد تزعمت جامعة الدول العربية. وارتبطت بميثاقها الرسمي. بالإضافة إلي ما يربطها بهذه البلاد من وثيق الصلات في المصالح والدين واللغة. فهذه البلاد هي أجنحة مصر وسياج حدودها من الشرق والغرب. فقد صار من مصلحتنا الحيوية. ثم من واجبنا الرسمي والأدبي أن نطلب إلي الدول الديمقراطية "يقصد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية" أن تعمل علي تحقيق أماني هذه البلاد أيضا. وأن تحل مشاكلها حلا يرضي شعوبها ويحقق استقلالها". وفي كتابه "الإخوان المسلمون.. أوراق تاريخية". الصادر في 1985. يزيد إبراهيم زهمول. وهو من مواليد مصر في 1945. هذه النقطة توضيحا وتوثيقا. مؤكدا أن الإخوان المسلمين "يؤمنون بالوحدة العربية. يفهمونها أنها عربية اللسان. ويعملون لإحيائها وتأييدها ومناصرتها". وقد كتب البنا أن "الأمة تتكون قوميتها من لغتها ودينها وعاداتها وثقافتها وما إلي ذلك من مظاهر الحياة" وحين اقترب قيام الجامعة العربية أعلن الإخوان المسلمون تأييدهم الكامل. حيث أمقلوا أن تستيقظ الشعوب العربية من غفوتها.. وأن تتحقق أماني البلاد العربية في الاتحاد والقوة والنهوض لمجابهة الأحداث والتطورات المقبلة كتلة واحدة. كما كتب حسن البنا "من أول يوم ارتفع صوت الإخوان المسلمين هاتفا بتحية الجامعة العربية والأخوة الإسلامية إلي جانب الرابطة القومية والحقوق الوطنية". وتعليقا علي هذا كتب زهمول: "كان الإخوان يشعرون بأنه ليست في الدنيا جامعة أقوي ولا أقرب من جامعة تجمع العربي بالعربي. فاللغة واحدة. والأرض واحدة. والآمال واحدة. والتاريخ واحد. وهكذا تحقق الأمل رسميا بتكوين الجامعة العربية" "والمرجع هنا مجلة "الإخوان المسلمين" نصف الشهرية. عدد 14/7/1946". معني هذا أن للإخوان مفهوما للقومية العربية. وهو مفهوم يتقبلها ولا يعاديها. كما أنه مفهوم يحتاج إلي العرض والنقد. لكن الثابت أنهم لم يعتبروها يوما ضربا من الأوهام. علي النقيض مما ذهب إليه السيد حسن مالك. الذي يثير الكلام المنسوب إليه أسئلة عديدة. من بينها: لماذا الآن؟ لماذا يصدر هذا الكلام الآن؟ علام يدل؟ وإلام يرمي؟ الغزالي و"حقيقة القومية العربية" "حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي" عنوان واحد من أهم كتب الشيخ محمد الغزالي العديدة. وهو أحد كبار كتاب جماعة الإخوان المسلمين. إن لم يكن أكبرهم جميعا. والكتاب خلاصة للمحاضرات التي ألقاها الشيخ الغزالي علي طلاب كلية الشريعة الإسلامية. وأمامي طبعته الثالثة الصادرة في 1977. وهو في مجمله دليل قاطع علي عدم معاداة الجماعة للقومية العربية. كمفهوم عام. أي أن إيمانهم واستمساكهم بها لهما مضمون خاص. يغلب عاملا علي آخر. أو يرفض هذا الفهم أو ذاك ويعمق من تأثير الدين. أي الإسلام. في تكوين القومية العربية. ثم إن الشيخ الغزالي يشن حملة شعواء علي مفهوم خاص للقومية العربية. هو مفهوم "حزب البعث العربي الاشتراكي" وهذا نقد لم يتفرد به الشيخ الغزالي وحده ولا جماعته. هناك جماعات قومية متعددة وكتاب قوميون متعددون انتقدوا المفهوم البعثي كل من زاويته. وبعض هؤلاء من أصول بعثية. مثل جمال الأتقاسي "السوري" وعبدالله الريماوي "الفلسطيني" وغيرهما. وكتاب الغزالي ككل نقد لاذع لما يسميه "التفسير الفرنجي" للقومية. الذي يعتبرها ظاهرة حديثة في حين يراها الشيخ. والإخوان بعامة. مرتبطة بالإسلام: رسالته ونزوله وانتشاره ولذلك لم يتردد في أن يستشهد بقول عمر بهاء الأميري "إن النبي - صلي الله عليه وسلم - أول من وضع القومية العربية". وهنا. يكفي من قلادة القومية ما يحيط بعنق الشيخ الغزالي أي قوله: "وقد شاء الله أن تكون الجمهورية العربية المتحدة مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. وهذه خطوة جديرة بالتأييد والترحيب والمساندة مصريا وسودانيا معا. ففي يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي. أي في 27 فبراير. شهدت القاهرةوالخرطوم في اليوم نفسه ميلاد الطبعة المصرية من صحيفة "آخر لحظة" السودانية. صحيح أن الخطوة ليست فريدة في بابها. فهناك أكثر من صحيفة عربية تصدر طبعة خاصة بمصر يوميا. وهناك صحف مصرية تطبع يوميا في أكثر من بلد عربي. وإلي سنوات قليلة مضت. عرفت القاهرة صدور أكثر من صحيفة سودانية معارضة. لم تكن تصل إلي الخرطوم إلا في حالات نادرة. وهناك تاريخ طويل للصحافة العربية في مصر. ومن مصر. يرجع هذا التاريخ مثلا إلي عشرينيات القرن الماضي. حينما أصدر الصحفي الفلسطيني محمد علي الطاهر في 1924 صحيفة "المشوري".. واضطر إلي إغلاقها في 1931. ولم يتوقف عن إصدارها بأسماء أخري مثل "الرقيب" و"المنهاج" و"الناس" وغير ذلك. لكن تجربة "آخر لحظة" خطوة فريدة في بابها. هذه أول مرة تصدر فيها صحيفة في القاهرةوالخرطوم في يوم واحد. وقد تابعت هذه الفكرة مع الزميل والصديق الأستاذ طه النعمان بقدر من القلق المغطي بالأمل. فقد أخبرني بهذا المشروع قبل عدة شهور. ولم أتصور أن الفكرة سيتم تنفيذها بهذه السرعة. خاصة وأن السلع الفكرية والإعلامية بطيئة الانتقال في وطننا العربي. باستثناء الفضائيات بالطبع. ومواقع التواصل الاجتماعي المعروفة. التي لا تعرف سلطان الرقيب ولا قيود البريد.. ويبدو أن مجلس إدارة "آخر لحظة" كان قد أعد للأمر عدته. واختار زميلا مناسبا لهذه المهمة. هو الأستاذ طه النعمان الذي يعرف جيدا كوكبة كبيرة من الصحفيين المصريين من خلال سنوات العمل في صحف دولة الإمارات العربية المتحدة. خاصة صحيفتي "الاتحاد" و"أخبار العرب".. وهذه المعرفة الوثيقة شجعته علي قبول هذه المهمة. التي أشهد أنه أنجزها بسرعة. علي الأقل. بأسرع مما كنت أتصور. خاصة في ظل الظروف المضطربة التي نعيشها هنا في مصر.