الطيب الصادق «مصائب قوم عند قوم فوائد»، ربما يكون هذا المثل هو أقرب تعبير لأزمة النفط الحالية والتى انخفض فيها سعر البرميل دون 60 دولارا بانخفاض أكثر من 50 % مما يكبد الدول المصدرة للبترول خسائر كبيرة، وتستفيد الدول المستهلكة ومنها مصر من هذا الانخفاض، لأن التأثير الإيجابى هو الغالب على العديد من النواحى الاقتصادية، ومنها خفض عجز الموازنة، وخفض تكلفة الإنتاج على المنتجات البترولية التى ستصب فى صالح الاقتصاد المصرى بوجه عام، وهذا يستوجب تكوين احتياطى بترولى كبير للقضاء على ظاهرة انقطاع الكهرباء مستقبلا، واستخدام المخزون فى المشروعات القومية، كما أن انخفاض سعر البترول يستوجب خفض أسعار السلع والخدمات بعد انخفاض تكلفه النقل وكذلك انخفاض كلفة الصناعة هذا على الأقل بالنسبة للسلع المستوردة. الدكتور وليد الحداد، الخبير الاقتصادى يقول: إنه من الممكن أن نستفيد من انخفاض أسعار النفط بشكل مؤقت، لأن هذا الانخفاض بتوجيه أمريكى للضغط على الاقتصاد الروسى والإيرانى، حيث إن أكبر المتضررين من انخفاض سعر النفط هما تلك الدولتان، لكنه لن يستمر لفترة طويلة، لأنه عند الوصول لنقطة حرجة لن تستسلم الدول المنتجة للضغط الأمريكى، وسوف تراجع سياسات الإنتاج لتعديل السعر، وبالتالى ستعود الأسعار للارتفاع . وأشار إلى أن استفادة مصر من انخفاض سعر البترول من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى أقل من 60 دولار ستكون استفادة مؤقتة وتؤدى إلى انخفاض تكلفة الطاقة، مما تخفف بنسبة بسيطة من عجز الموازنة، لكن للأسف ليس هناك من طريقة لتشكيل مخزون من الوقود طويل الأجل أو لاستفادة طويلة أو متوسطة الأجل، لأنه لابد من الاعتماد على متغيرات ليس فى استطاعتنا التحكم بها، وهو أمر شديد الخطورة كما أن أزمة انقطاع الكهرباء أزمة متعددة الأبعاد وليس المتحكم فيها فقط سعر البترول وحده، كما أننا لم نعرف على وجه التحديد نوعية العقود التى يتم بها شراء الوقود، فإذا كانت العقود طويلة الأجل محددة السعر مسبقا فستكون الاستفادة من انخفاض الأسعار فى الوقت الحالى محدودة الأثر، لكن لو كانت بعقود آنية بمعنى (وقت ما نحتاج ننزل السوق ونشترى) وهذا تأثيره يتحدد بمدى قدرتنا على التخزين، لذلك أرى أنه ليس هناك من طريقة لتشكيل مخزون من الوقود طويل الأجل أو لاستفادة طويلة أو متوسطة الأجل. ويؤكد الدكتور عبد المنعم سعيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، أن انخفاض أسعار فى هذه الفترة إلى ما يقرب من 47% يرجع إلى عوامل كثيرة أثرت على البترول منها وجود الغاز الذى ينتج فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأمريكا الشمالية وانحصار فى كمية الطلب على النفط، كما أن هناك عوامل سياسية أيضا منها الملف النووى الإيرانى وتخفيض حجم الواردات التى تأتى إلى روسيا، والخسائر التى لحقت بها أكثر من أربعين مليار دولار، مشيرا إلى أن هناك علامات استفهام للموقف الغريب لمنظمة الأوبك العالمية وردها بعدم تخفيض حجم الإنتاج. وأوضح أن انخفاض سعر النفط له تأثير على الاقتصاد المصرى إيجابى وسلبى والأكثر إيجابى، فمصر من الدول المستوردة للبترول سنويا بأكثر من 40 مليون طن من المشتقات البترولية، والانخفاض سيسهم فى توفير أكثر من 45 مليار جنيه مصرى، وهذا فى صالح مصر، لكن دعم الدول العربية لمصر سيقل بسبب انخفاض تصدير البترول. ومن جانبه يقول أحمد آدم، الخبير المصرفى، إن انخفاض أسعار النفط يؤثر بالسلب على الاقتصاد والجهاز المصرفى المصرى، حيث إن الانخفاض المتوقع من الممكن أن يؤثر على حجم الاعتمادات المفتوحة بالبنوك بغرض التصدير، وهو ما سيؤثر سلباً على متحصلات العملات الأجنبية بالبنوك، كما أن القطاعات المصدرة للدول العربية النفطية ستتأثر سلباً وهو ما يمكن أن يؤثر على حجم أعمالها مع البنوك . وذكر أن إجمالى الصادرات المصرية بلغت فى نهاية العام المالى الماضى والمنتهى فى يونيو الماضى بلغت 26,1 مليار دولار، والصادرات المصرية تشكل أهم موارد النقد الأجنبى لميزان المدفوعات و الصادرات للدول العربية خلال العام المالى الماضى، حيث بلغت 5,5 مليار دولار منها 2,7 مليار دولار للسعودية والإمارات وتتمثل أهم صادراتنا للدول العربية حتى نهاية يونيو الماضى فى أجهزة كهربائية بقيمة 800 مليون دولار وحديد صلب وزهر ومصنوعات حديدية بقيمة 400 مليون دولار ومنتجات كيماوية عضوية وغير عضوية بقيمة 200 مليون دولار ولدائن ومصنوعاتها بقيمة 300 مليون دولار، والفترة المقبلة ستوضح مدى التأثير الفعلى لانخفاض أسعار النفط على الصادرات . وطالب ضرورة الحرص عند منح البنوك للائتمان لقطاعات التصدير المختلفة والتى تتعامل مع الدول العربية النفطية، خصوصاً فى مجال تصدير الأجهزة الكهربائية والحديد بأنواعه ومصنوعات الحديد والمنتجات الكيماوية العضوية وغير العضوية، وكذا اللدائن ومصنوعاتها، مؤكدا أن الاستثمارات المباشرة المقبلة من الدول العربية النفطية ستتأثر خصوصاً من السعودية والإمارات، والتى بلغت نهاية يونيو الماضى 700 مليون دولار، إلا أن التأثيرات السلبية على ميزان المدفوعات ستكون طفيفة، لأن هناك رغبة من دولتى السعودية والإمارات فى دعم مصر من خلال توجيه رءوس أموال للاستثمار بمصر . وأشار إلى أن الاستثمارات قصيرة الأجل الداخلة للاستثمار بالبورصة وأدوات الدين المحلى قصيرة الأجل من الدول العربية النفطية ستتأثر، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على حجم التعامل بالبورصة، كما يمكن لمبيعات العرب أن تتسبب فى انخفاض لأسعار الأسهم، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على محافظ البنوك من الأسهم، ويخفض وبالتبعية من عوائدها، إلا أن تأثير ذلك على أرباح البنوك سيكون طفيفاً نظراً لانخفاض الوزن النسبى للاستثمار بالبورصة من إجمالى استثمارات البنوك، مشددا على ضرورة ابتعاد البنوك عن شراء أسهم المضاربة والحد من عمليات الاستثمار بالبورصة . وأضاف أن استمرار الانخفاض أو طول فترة عودة الأسعار إلى مستوى ال 100 دولار كمتوسط سعرى لبرميل البترول، قد تضطر معه الدول العربية النفطية لاتخاذ إجراءات تقشفية قد تؤثر سلباً على أوضاع العمالة المصرية بهذه الدول وبالتبعية تؤثر على حجم تحويلاتهم والتى تمثل ثانى أهم موارد النقد الأجنبى بعد الصادرات، وهذا التأثير السلبى سيمتد لعائد الخدمات المصرفية بالبنوك المصرية، وكذا لمنتجات التجزئة المصرفية مثل قروض شراء شقق ومحلات وتشطيب شقق وشراء سيارات . وطالب بابتعاد البنوك تماماً عن تمويل هذا القطاع للحفاظ على أموال المودعين والتركيز فقط على مساندته من خلال تأجيل سداد قروض بعض المشروعات المتعثرة، مع تمديد لآجال انتهاء مدة القرض لهذه القروض وعدم القيام باتخاذ الإجراءات القانونية لحالات التعثر الخارج عن الإرادة.